المحمول
أو الجوال حالة هوس
تجتاح العالم العربي
و يلتهم 40% من د خل الكثيرين
كشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري في استطلاع له على عينات عشوائية من مستخدمي المحمول أن 46% من مستخدمي المحمول يستخدمونه في إرسال الأغاني والنغمات والصور واللوجوهات فقط ، وليس لإنجاز أعمال أو الحديث في أمور مهمة تتعلق بالعمل أو الشؤون الشخصية، وأن متوسط حجم الاستهلاك بالنسبة للمستهلك المصري لا يقل عن 50 جنيهاً في الشهر كما أن الإعلانات المكثفة، في وسائل الإعلام، تلعب دورا رئيسيا في تشجيع قطاعات عريضة من مستخدمي “الموبايل” لتغيير النغمات أو اللوجوهات باستمرار خاصة مع انخفاض تكلفتها المادية سواء على مستوى الهواتف الأرضية او من الموبايل إلى مويايل آخر إضافة إلى سهولة استخدامها من قبل الشركات المعلنة التي تساير اتجاه الشباب.
وتشير أحدث الدراسات الاقتصادية إلى وصول عدد مستخدمي النقال في الدول العربية نهاية العام الحالي إلى 77 مليون مشترك بعد أن تجاوز في نهاية العام الماضي ال 55 مليون مشترك وأن احتمالات تزايد عدد المشتركين سيظل بنفس المعدلات إلى أن يصل إلى 150 مليون مشترك نهاية عام 2009 لتصبح الدول العربية الأسرع نمواً على مستوى العالم في عمليات استخدام الهاتف المحمول.
بلا حدود
دراسة أخرى أعدها مركز البحوث التجارية والاقتصادية بجامعة القاهرة تؤكد أن الدول العربية تعد من أكثر دول العالم ارتفاعاً في معدلات نمو الهاتف المحمول والذى يصل إلى حد الهوس الاستهلاكي. ففي مصر ارتفعت معدلات نمو استخدام الهاتف المحمول بنسبة 35% سنوياً وفي الإمارات العربية 30بنسبة % وهي معدلات تفوق نمو استخدام الهاتف المحمول في الصين والتي تصل إلى 20% فقط رغم حداثة عهد الدول العربية باستخدام الهاتف المحمول والتي لم تزد على 6 سنوات ويصل عدد المشتركين في خدمة المحمول في مصر حالياً الى 8 ملايين مشترك وينفق المصريون ما يصل إلى 9 مليارات جنيه سنويا على النقال.
وأكدت الدراسة أن المصريين ينفقون كل يوم أكثر من 2 مليون جنيه على رسائل واتصالات الهاتف المحمول وأن اثنين من بين كل خمسة شباب يمتلكون النقال، و 8% منهم يستخدمون كروت الشحن بنظام البطاقات المدفوعة مسبقاً، ومعظمهم ليس في حاجة إلى المحمول لكنهم يحملونه كنوع من الوجاهة الاجتماعية فقط.
وأوضحت الدراسة أن المحمول فرض وجوده على الأسر العربية وأصبح معظم أفرادها يحملونه ونشأت عنه مفاهيم وعادات جديدة وتأثرت عملية الادخار، التي تراجعت بنسبة 15% بسبب استخدامه وأصبح يلتهم 40% من دخل الكثير من الأسر العربية خاصة في مصر ودول مجلس التعاون الخليجي.
ورصدت الدراسة طرقاً مختلفة لأهمية الهاتف المحمول واستخداماته حيث أوضحت أن 81% من الذين يمتلكون الهواتف المحمولة لا يمكنهم الاستغناء عن استخدامها، في حين أكد 19% أنه يمكنهم الاستغناء عنه، وأن 75% من المستخدمين يقومون باستخدام الموبايل في الاتصال بالأهل والأصدقاء، وأن 25% يستخدمونه في العمل.
التجارة غير المنظورة
يرى المهندس محمد أبو قريش السكرتير العام للجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات المصرية أن هستيريا المحمول في العالم العربي ما هي إلا نوع جديد من البزنس من شركات المحمول و الإعلان التي جعلت المستهلك الباحث عن كل جديد هدفاً في كل مشروعاتها وخططها المستقبلية لتحقيق أرباح تدخل ضمن مظلة الاقتصاد الخفي حيث لا تطالب الشركات التجارية بدفع أي رسوم أو ضرائب على هذا النشاط المستحدث من قبل الشركات والذي لا يعرف حقيقة أرقامه المادية إلا الشركات العاملة فيه فقط، وهو ما يمكن أن يطلق عليه اسم هستيريا التجارة غير المنظورة والتي غالباً ما تحقق أرباحاً خيالية ومستمرة إلى أن تتشبع الأسواق وهو ما يستلزم وقتاً طويلاً في حالة الهاتف المحمول الذي دخل الى الدول العربية في السنوات الأخيرة.
النغمات واللوجوهات
ويعد استخدام النغمات واللوجوهات في الهاتف المحمول من صور الاستخدام المبالغ فيها في غالبية الدول العربية، حيث أصبحت سوق النغمات واللوجوهات من الأسواق الرائجة خاصة في أوقات محددة من العام تتوافق مع بدء العام الدراسي أو ظهور أغان وألحان جديدة والتي يكون معها الإقبال متزايداً لدى الشباب خاصة وهو ما يؤكده الدكتور محمد فهمي طلبة وكيل كلية التجارة بجامعة عين شمس مشيرا إلى أن نغمات المحمول أصبحت تجارة رائجة تستفيد من إقبال الناس عليها كنوع من شد الانتباه خاصة عندما يكون هناك ولع بأغنية معينة ومع تزايد وسائل التكنولوجيا الحديثة قد تظهر أنواع أخرى من النغمات الصوتية المحببة كما يحدث هذه الأيام.
من جانبه يؤكد الدكتور أحمد المجدوب، أستاذ علم الاجتماع، أن الإقبال على الاستخدام المتكرر والمتواصل لنغمات ولوجوهات الهاتف المحمول بشكل يدعو للغرابة وبإسراف من قبل الشباب من الجنسين دليل على فراغ اجتماعي، الأمر الذي يدفع بهم إلى البحث عن وسيلة لشغل وقت الفراغ والتباهي والتعبير عن ميولهم الفردية ورغبة في البحث عن الجديد والانبهار به، مشيراً إلى أنه على الرغم من عدم وجود الكثير من الإحصائيات عن حجم هذه الظاهرة لكن هناك بعض الدراسات قدرت قيمتها هذا العام فقط بنحو 5.3 مليارات دولار ومن المتوقع زيادتها على 2.5 مليار دولار عام 2008.
ويضيف الدكتور أحمد المجدوب أنه على الرغم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالشباب في بعض الدول العربية إلا أن جميع الطبقات في المجتمع العربي تتفق في تغيير نغمة الموبايل ووضع أحدث اللوجوهات حتى لا يظهر مستخدمه أنه أقل من غيره الأمر الذي يعد ميولا للتظاهر الذي يعتبر مرضاً اجتماعياً حيث إن التصرفات لا تعكس بأي حال الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
ثرثرة الرجال
وتؤكد الدكتورة نائلة حمدي أستاذة الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن استخدام الهاتف المحمول تحول إلى ظاهرة في مصر والدول العربية وأحدث تغييراً في المجتمع وذلك ما أثبتته دراسات بحثية أجريت عن طريق الجامعة الأمريكية منها أن الرجال أصبحوا أكثر ميلاً للثرثرة بعد ظهور الموبايل وأن غالبية مستخدميه يفاخرون بامتلاك أحدث الأجهزة وأكثرها غلاء وأن الأغلب يعتبرونها وسيلة لإضفاء المكانة الاجتماعية، بل هي أن هناك من يفتعل مكالمات وهمية أمام المحيطين به ليوحي إليهم أنه مشغول وذو أهمية خاصة في مجال الأعمال في حين أن أغلب مستخدميه لا يستعملونه إلا في الاطمئنان على أفراد الأسرة أو التسلية بالحديث مع الأصدقاء أو الاتفاق على المواعيد وأماكن المقابلات ويندر استعماله في العمل أو التجارة أو تصفح الانترنت أو المشروعات الخدمية..
تفريغ الطاقات
ويفسر الدكتور يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي ظاهرة هستيريا استخدام الهاتف المحمول لدى الشباب بأنه يعتبر من الوسائل الحديثة ذات الإمكانيات والمؤثرات القادرة على إثارة الخيال وإثراء العلاقة العاطفية دون شوشرة أو تدخل خارجي يفسد أجواءها، فالشاب يجد فيه وسيلة آمنة لتفريغ الطاقات المكبوته داخله خاصة في ظل ما يعانيه من فراغ لصعوبة العثور على وظيفة وافتقاد الكثيرين لمن يشاركهم مشاعرهم وأحاسيسهم في إطار شرعي لعدم قدرتهم على الزواج. أما من يتبادلون الرسائل البذيئة المليئة بالشتائم والعبارات الخارجة أو يدمنون معاكسة الغير عبر المحمول فيرى الدكتور يسري عبد المحسن أنهم في الغالب شخصيات تحتاج إلى علاج ولديهم ميول عدوانية أو كبت عاطفي وهذه الأسباب تعد رئيسية في عمليات استخدام الهاتف المحمول بنوع من الهستيريا.
النكتة و الموبايل
الاستخدام غير المحدد للهاتف المحمول يمتد إلى النكتة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وغالبية هذه النكات تحمل شعارات قد تعبر عن واقع مجتمعي، وربما يفسر ذلك ظاهرة الإسراف في الاستخدام، وهو ما يؤكده الدكتور عبدالوهاب المسيري أستاذ التاريخ حيث يشير إلى أن النكتة هي تراث وآلية يومية للتعامل مع الواقع والتصالح معه دون مواجهة حقيقية، وتحول النكتة في الدول العربية من الشفهي إلى المكتوب عبر الموبايل يؤكد أن الشباب العربي لديه نضج في التعامل مع الواقع الجديد ومع النكتة وصياغتها، كما أن انتشار نكت الهاتف المحمول رغم الانفتاح الإعلامي والحرية المتاحة يعود لكثرة القنوات الفضائية التي تقدم مضموناً فارغاً بينما البعد الأعمق تم نفيه في قنوات ثقافية وكأن الثقافة هي جزء مهمل..
والنكتة - كما يرى - الدكتور عبدالوهاب المسيري ليست مرتبطة بمواسم ولكنها وجهة نظر في الغالب تكون خارجة عن النص ترتبط بالظواهر الاجتماعية ويمكن ملاحظة شاشات الفضائيات العربية فالنكتة دائماً ما تكون من أسماء مجهولة أو وهمية وعموماً فإن الهاتف المحمول وهستيريا استخدامه قلبا الحياة الاجتماعية رأساً على عقب حيث استخدم في إرسال الرسائل أو النكات أو المكالمات وساهم في إحداث عبارات ونمط معيشي جديد واصبح لا غنى عنه رغم أن أساس استخدامه في الدول الأوروبية يكون للضرورة القصوى ولا يوجد طلاب جامعات أو تلاميذ في المدارس يحملون هاتفا محمولاً أو يستخدمونه كما يستخدم في أغلب الدول العربية رغم فوائده ومقالبه ونكاته ونفقاته وإزعاجه الذي لا يتوقف للآخرين.
خسائر بالفيروسات
ومع الانتشار الواسع لاستخدام مواقع الانترنت والفضائيات في نقل رسائل الهاتف المحمول والنغمات تحركت فيروسات الكومبيوتر لتهاجم أجهزة المحمول الحديثة محملة تلك الرسائل العدوى ولتضيف نوعا جديدا من الخسائر المالية لمستخدمي المحمول وليجد قراصنة الكمبيوتر الفرص سانحة لممارسة هوايتهم المدمرة ولم تعد فيروسات المحمول مجرد تكهنات إنما أصبحت حقيقة ملموسة تعاني منها الكثير من دول العالم وتعددت أنواعها ليكون منها ما يحرق شريحة التشغيل أو سحب ساعات الاتصال عن طريق إجراء مكالمات وهمية وقد يكون هدفها فقط المداعبة فترسل صوتاً شبيهاً بطلقة المسدس. كما يؤكد الدكتور مدحت حسني أستاذ الفيزياء الكهربية بكلية الهندسة جامعة القاهرة حيث يصف هذه الفيروسات التي تصيب المحمول بعد استخدامه على نطاق واسع بأنها عبارة عن برامج حديثة متعددة الأشكال والصفات.
وأشار الى أن ظهور الجيل الثالث من أجهزة الهاتف المحمول والتي تتوافق مع الانترنت واكبه انتشار واسع النطاق لهذه الفيروسات مما ضاعف حجم الخسائر المالية فخدمة الدخول السريع للانترنت عبر المحمول ستساعد على نشرها لذا ينصح متصفحي المواقع عبر المحمول ألا يستقبلوا إلا المكالمات التي يعرفون مصدرها فقط وألا يفتحوا أي رسالة غير معلومة المصدر وحذر من اجتياح الفيروسات لأجهزة الموبايل خاصة، في الدول العربية، فمنذ عام 2002 انتشر فيروس يسمى (ACE) في المنطقة العربية، وظهر في الإمارات حيث تظهر المكالمة مصحوبة بكلمة ACE على الشاشة وبمجرد الرد على المكالمة ينتشر الفيروس داخل الجهاز فيمسح المعلومات المخزنة ويفقد الجهاز قدرته على الاتصال مع شبكة الاتصالات وفي الغالب تكون هذه الفيروسات مجهولة المصدر ونتيجتها النهائية هي الخسائر الاقتصادية الكبيرة.
أضرار صحية
ومع اتساع استخدام الهاتف المحمول وتخطي معدلات الاستخدام المعتدلة يبرز السؤال الملح حول الآثار الصحية الجانبية خاصة لدى صغار السن والشباب والتي تنعكس على الاقتصاد والقدرة على الإنتاج فمنذ ظهور الهاتف المحمول وحتى الآن لم تتوقف الدراسات العلمية التي تناولت آثاره الصحية الجانبية، وخلال الفترة الأخيرة ظهرت سلسلة من الدراسات والتجارب تناولت تأثيره على المخ.. وطبقاً لمراجعة علمية قام بها الدكتور أحمد طلعت الغنيمي أستاذ المخ والأعصاب بطب قصر العيني بالقاهرة أكد أن الدراسات أجمعت على ضرورة ترشيد الاستخدام وتقليل زمن المكالمات وعددها قدر المستطاع مع زيادة الحرص في الاستخدام بالنسبة للنساء الحوامل والأطفال في مراحل النمو التي يكون فيها المخ حساساً للموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن المحمول حيث وجدت الأبحاث علاقة وطيدة بين الموجات الكهرومغناطيسية وزيادة احتمالات حدوث أورام بالمخ خاصة من الجهة التي يستخدم فيها أكثر من الجهة المعاكسة وأن نسبة حدوث هذه الأورام أكثر في النصف الصدغي من المخ، كما وجد أن الأشعة الكهرومغناطيسية تؤدي إلى تسرب مادة البومين خلال الحاجز الدموي للمخ ويكون هذا التسرب مصحوباً بتكسير في خلايا المخ خاصة خلايا قشرته الخارجية وخلايا العقد السفلية، كما وجدت الدراسات علاقة وثيقة بين الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من الهاتف المحمول وأورام الدم وتزيد هذه الظاهرة لدى الأطفال حيث يتعرضون أكثر لتكسير جبين ناتج عن الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من المحمول وقال إن هذه الدراسات لا تدعو إلى وقف استخدام الموبايل ولكنها مؤشرات مهمة تدعو لترشيد استخدامه بشكل معقول ودون إسراف ووفقاً لنمط استخدام يضمن عدم التعرض لمثل هذه الأخطار المحتملة بعد أن تحولت أجهزة الهاتف إلى وسائط متعددة الأغراض .