من روائع البلاغة في كلم الرسول الكريم
نتناول حديثاً قليلاً في كلماته ضخماً في معناه وأطروحاته لنثبت بما لايدعو للشك أن الرسول الكريم قد أوتي جوامع الكلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلقٍ حسن ) .
أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
ثلاث جمل بثلاث أوامر واضحة ولكن لي معها شأن آخر وهو البلاغة
لقد أقام الرسول الكريم بهذا الحديث بناءً على ثلاث مراحل
1 ـ مرحلة وضع الأساس : ( اتق الله حيثما كنت ) والتقوى هي أساس بناء شخصية المسلم ودعامته القوية التي بدونها ينهار البناء
وهنا تأتي لفظة : ( حيثما ) التي تسبق كلمة كنت وهي تدل على الزمان والمكان معاً , أي في أي مكان تكون وفي أي زمان يظلك أمام الناس أم بعيداً عن عيونهم , في الليل أو بالنهار ثم أنها تدل على روعة أخرى وهي اشتمالها على الحال الذي أنت عليه . اتق الله على أي حال أنت فيه ضعيف أو قوي مالك أو مسلوب الحق معافى أو مريض خالي أو مشغول. نلاحظ أن الرسول الكريم لم يقل :
( أينما كنت ) أو :
( وقتما كنت ) أو: ( كيفما كنت ) ولكن قال : ( حيثما كنت )
ولم أجد في اللغة العربية ظرف شمل الزمان والمكان والحال غير تلك اللفظة في ذلك الموضع فقد خصصت ذلك المعنى بعدما أتت بعدها كلمة كنت : ( حيثما كنت ) أي على أي حالٍ تكون وفي أي مكانٍ تكون وفي أي زمانٍ تكون ياللروعة ويا للجمال أن نتحدث عن كلمتين :
( حيثما كنت ) بكل ماقلت ولم أوفيهما . ألم أقل لكم لقد أوتي الرسول الكريم جوامع الكلم ؟
2 ـ نأتي للمرحلة الثانية بعد وضع الأساس لشخصية المسلم بالتقوى : ( اتق الله حيثما كنت ) وهي مرحلة بناء البنيان وهي مرحلة تتسم بالعمل الظاهر للخارج مع اتسام المرحلة الأولى بالعمل الباطن للداخل
ويكون إقامة البنيان هنا بالسلوك الإيجابي : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها )
لاتتوقف عند الحسرة على السيئات واقتراف الذنوب بل هناك ممحاة عظيمة لها وهي الحسنات بالعمل الصالح فلا تنظر للوراء أبداً ولكن تقدم
أ ـ هنا نجد أن قول الذي لاينطق عن الهوى يطابق قول المولى عز وجل : ( إن الحسنات يذهبن السيئات . ذلك ذكرى للذاكرين ).
ب ـ يتسم النصح بالإيجابية : ( واتبع السيئة الحسنة تمحها ) هناك عمل يتم
ج ـ تأمل معي لفظة : ( واتبع ) التي تدل على الملاصقة والملاحقة الفورية. أي فور قيامك بالسيئة وندمك عليها اتبعها بالحسنة التي تؤجر عليها فيعفو الله بها عنك ويغفر بها لك وقد ضمت لروعة اللفظة العمل والنتيجة في أربع كلمات فقط وجاءت كلمة واتبع مناسبة تماماً للموضع التي وضعت فيه
د ـ تحمل الكلمات التقرير الواضح بأن الإنسان خطاء لأنه يأتي بالسيئات وهذه دعوة من الرسول بالتوبة وعدم ازدراء الذات أو تحقيرها لأن : ( كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون )
3 ـ هنا نكون قد وضعنا الأساس وأقمنا البناء ولكن بقي التجميل لذلك الصرح الشامخ ( المسلم ) فيضع الرسول الكريم المرحلة الثالثة لتجميل البناء وإتمامه : ( وخالق الناس بخلق حسن ) ويالها من رائعة تلك الكلمات
أ ـ قال الناس على إطلاقها :أي أخلاقك للجميع الفقير والغني , الشريف والوضيع . فالأخلاق جزء لايتجزأ من بنائك , أخلاقك للعامة والخاصة
ب ـ بخلق حسن جاء بها مفردة: ليدلل على عدم تحديد أي خلق يقصد فهو يرمي على أي خلق حسن كالصبر والحلم والتواضع والأناة والإيثار و...
قال : ( وخالق الناس ) ولم يقل وتخلق للناس وهذا له مغزى وهو أن تصبح الأخلاق أصيلة بك جزء منك لاتتصنعها ولاتتجمل لأجل غرض ما إنما هي ديدنك وطبيعتك : ( وخالق ) يالها من كلمة رائعة وضعت في الموضع المناسب تماماً فأكملت البناء لشخصية المسلم التي تبنى على مراحل ثلاث وهي
1 ـ مرحلة وضع الأساس : ( اتق الله حيثما كنت )
2 ـ مرحلة إعلاء البنيان: ( واتبع السيئة الحسنة تمحها )
3 ـ مرحلة تجميل البنيان: ( وخالق الناس بخلقٍ حسن )
صدقت يارسول الله فحقاً: ( وماينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ) .
ومع حديث آخر إن شاء الله لنتناول روائع البلاغة في كلم الرسول الكريم
إسماعيل إبراهيم