فرســـــان الثقافــــة
ملحق ثقافي
22/5/2007م
محمد حديفي
يقول ديكارت:شيئان يملآن النفس غبطة وحبورا..السماء ذات النجوم فوق رأسي والقانون الأخلاقي في أعماق ذاتي..
من هنا يتبين لنا أن القانون الأخلاقي في أعماق الذات البشرية موجود أصلا،وهو وحينما يلجأ المرء إليه يبعث على السلام الداخلي،وعندها يكون المرء منسجما مع ذاته ومع من حوله من أفراد المجتمع بشكل يبعث حضور هذا المرء بين أفراد الجماعة التي يعيش بينها راحة وسرورا بسبب ما تكنه له الجماعة من ثقة وما تمنحه له من احترام ..لأنه أهل للثقة وجدير بحمل الأمانة... وعلى العكس من ذلك تجد أناسا غير جديرين بالثقة والاحترام،وليسوا أهلا لحمل الأمانة لأنهم يفتقرون لها ويعجزون عن حملها وأدائها .وهم إذا ائتمنوا خانوا وإن وعدوا أخلفوا.. وهؤلاء مع الأسف الشديد يزداد عددهم يوما بعد يوم، وينتشرون كبقعة الزيت ليلوثوا المجتمع الذي به يعيشون،ويفسدوا الأوساط التي يتغلغلون فيها وهم سعداء بذلك لأنهم فقدوا ضمائرهم وأسكنوها منذ زمن بعيد.إذ إن الضمير إذا ما أسكته صاحبه مرات متتالية يصمت وإلى الأبد. ولا يقتصر الأمر بالنسبة لهؤلاء على الغش بالتجارة وبيع الدواء الفاسد والترويج للسلعة الرديئة،وإنما يتعداه للترويج للفن الهابط والتعتيم على الفن المبدع والرصين،لأنهم في قرارة أنفسهم يدركون أن العملة الرديئة تطرد في كثير من الأحيان العملة الجيدة... وهؤلاء كثر في هذه الأيام،فأنى ذهبت تجدهم،وتطالعك وجوههم القبيحة،يتأبطون حقائب صغيرة وهي من عدة الشغل الضرورية وذلك من أجل إيهام الآخرين بأنهم من /أصحاب الكار/،وحين تفتح معهم حوارا ثقافيا .يطالعك خواؤهم الداخلي،لندرك أنه خريج مدرسة مكافحة الأمية،لكنه يملك القدرة على الترويج لنفسه وبضاعته واقتحام المواقع التي تكثر فيها عدسات التصوير..مثل هؤلاء خطر على الثقافة في مجتمعنا،ومن الخطأ الكبير أن يوليهم المرء الثقة والاحترام لأنهم ليسوا جديرين بذلك. ولو حاولنا تقصي الأسباب التي مكنت هؤلاء من أن يكون لهم حضور ولو بسيط على الساحة الثقافية لوجدنا بأن غياب النقد الحقيقي من جهة وتعامل وسائل الإعلام المختلفة مع أمثال هؤلاء من جهة ثانية يأتيان في طليعة الأسباب المؤدية لذلك .إضافة لأن بين هؤلاء المتسكعين عقدا غير مكتوب لمساندة بعضهم البعض من أجل تسويقهم كسلعة توهم الآخر ولو إلى حين بأنهم نجوم الساحة الثقافية ،وغيرهم ليس له وجود لأنه ليس بذي أهمية،وذلك لسبب بسيط وهو أن وجود المبدع الحقيقي في هذه الساحة سيطغى على وجودهم وقد يلغيه تماما لأنه هش وزبد. والغريب في الأمر أنك تجدهم دوما على شكل جماعة يساند أفرادها بعضهم بعضا، يدعم أحدهم الآخر..يسوقه ..ويدعو لتسليط الضوء على أهميته..محاولا في الوقت نفسه أن يقلل من شأن الآخرين لأنه لو لم يفعل لانكشفت الحقيقة وبانت النوايا السيئة التي غالبا ما تحكم إيقاع تحركهم وانتشارهم في مفاصل الحياة العامة منها والخاصة أيضا.. يكتب أحدهم قصة أو رواية أو قصيدة أو بحثا أقرب إلى الإنشاء منه إلى الإبداع فتتلقفه الجماعة بالإطراء والتعظيم والتفخيم وكأنه نص مقدس لا يرقى لمستواه أحد ولا يتمكن من الإتيان بمثله كاتب مهما علا شأنه وكبرت مكانته.. واللافت أيضا في أمر هؤلاء انتشارهم الكبير وحضورهم المكثف بين جماهير الثقافة إذ يتبادلون الأدوار فيما بينهم ويوزعونها بتقنية عالية تؤمن لهم الحضور والاستمرار.. ويسعى هؤلاء في كثير من الأحيان إلى التقرب من مبدعين كبار من داخل سورية وخارجها ودعوتهم واستضافتهم لسبب بسيط ومكشوف وهو أن يظهروا في الوسط الذي يقيمون فيه وكأنهم على درجة كبيرة من الأهمية لأنه لو لم يكن الأمر كذلك لما جاء كاتب كبير ليحل ضيفا على بعضهم الموسر ويقيم في بيته أياما وأياما حيث الكرم والسخاء والموائد العامرة. وكل ذلك مقابل كلمة إطراء تسويقية من هذا المبدع تفعل فعلها في تسويقه وترويجه... وإلى المبدعين الحقيقيين والمثقفين الذين يستحقون حمل أمانة الثقافة أقول: إن الساحة الثقافية في بلدنا كبيرة وواسعة،وهي تتسع لجميع المبدعين يتحركون فوقها بحرية تامة هذه الأيام،ومن الخطأ الكبير أن يسعى أحدنا لتحييد الآخر وإقصائه لأنه بذلك يكون كمن يسعى لإقصاء ذاته، وأطالب بإلحاح شديد بإبعاد هؤلاء المنتفعين الآتين والمتسلقين من بيننا لأنهم عبء على الثقافة وعلى الأدب بشكل عام،وأمثالهم يعطون صورة ليست بالمشرفة وليست بالمشرقة عن الثقافة في بلدنا. وأرى أن الساحة الثقافية في الحاضر والمستقبل كفيلة باختيار فرسانها الحقيقيين.الأمر الذي من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خدمة الأدب والأدباء في هذا البلد.