كيف تأخذ الأفكار والكتابات العالمية ؟
المفكر (جلبرت هايت) يقول (أن في قراءة الكتب لذة ومتعة , ولكن إذا كانت القراءة في كتب نشوة ومتاعا , فإن من أمتع اللذات الحديث عن الكتب )
ان من يعرفون الفكر الرفيع وقيمته , والعقل ومكانته عندهم ذلك الحديث من الحسان كما قال الشاعر العربي عن ما كتبه بالعربية .
وحديثها السحر الحلال لو انه = لم يجن قتل المسلم المتحرز
أن طال لم يمل وان هي أوجزت = ود المحدث انها لم توجز
الحق أن اللذات يجدها الأنسان من المطالعة وأدمان صحبة الكتاب تنمو مع الزمن وتتكاثر مع العمر ولا تتناقص على مدار الأيام , عندما يولد كتاب جديد هو مولد لفكرة جديدة غريبة قد تكون رجعا وتكرارا لفكرة قديمة , أو ثورة في عالم الفكر , او مولود ناقص التكوين , أو قد تكون عملاقا جبارا وهي حرية للناس للتعرف على ما يدور في دماغ المؤلف , تقول الكاتبة ( فيليس بار تلت ) بكتابها المعنون ( قصائد في طريق التكوين ) , ليدور حول الطريقة التي انجز بها الشعراء قصائدهم وكيف خرجت من حيز الفكر والمخيلة الى حيز الورق واتخذت من شعراء انكلترا وأمريكا كنموذج للدراسة والذي انتقدها عليه النقاد الذين قالوا لو أنها توسعت لنعرف كيف ينضم شعراء الألمان والفرنسيين والايطاليين قصائدهم , تحدثت عن تصور القصيدة والشروط المواتية لهذا التصور , هل يعمل الشعراء في ساعات منتظمة ؟ كيف يراجعون أشعارهم ؟, هل يتقبلون النقد ؟, ذكرتنا بنصيحة أبي تمام للبحتري التي أوصاه بها ليكون شاعرا وتذكرنا لوازم الشعراء في نظم الشعر وعمل القصيدة لبعض حالات من الغرابة والخروج على النسق المعروف والدرب المألوف , ولعل الطريقة التي كمان يكتب بها الشاعر (ويلت وتمن ) قصائده من أعجب ما قرأناه من الشعر وبعض شعراء العرب لهم مستتبات غيبة حين كان ينزل عليهم وحي الشعر ولكن (ويت مان) تغلب على شعراء العالم بطريقته وقد كان يدون عبارات في أوقات مختلفة , وفترات متقطعة , على قصاصات من الورق وكان يجمع بعضها الى بعض بخيط فأذا صادف من نفسه هوا ورغبة للكتابة وضع على ركبتيه منضدة واخذ يداعب قطته حتى يكتب ما يريد .
وكان الشاعر (بروننج) يدون ما هو لديه من أفكار شعرية على لو ح منثورة لا شعرية ثم يأتي في وقت أخر ليحولها الى شعر موزون .
المؤلف القدير شاعرا كان أم كاتبا عمله المراجعة والتنقيح حتى يستقيم كيانه الفني في مرحلة يليق بها أن ينسب اليه لقب الأديب والكاتب , ولما سمعته من قصائد زهير بن أبي سلمى التي سميت بالحوليات لأنه كان ينقحها ويهذبها في حول كامل أي سنة كاملة , وفي الأدب العالمي الحديث نجد تولستوي أعاد كتابة روايته ( الحرب والسلام ) سبع مرات وكانت زوجته تنسخها له بيدها في كل مرة فكان يضع في كل معاودة شيئا , فماذا كان يضع ؟ هل كان يضيف مواد الى بنائه ؟ أم كان يعيد تنظيم المواقف والأوصاف ؟ ام كان يعاود الأسلوب بالسقل والانسجام ؟ , اختيار اللفظة الملائمة في الجملة الملائمة للمعنى هو البيان في ارفع مراتبه , وهو البلاغة في أحسن حالاتها وهو عملا لايقدر عليه الا القادرون المالكون لازمة البيان وأعنة التعبير , ومن هذا تأتي فحولة الشعراء والكتاب , ولقد كان ابو تمام يتعنى لاختيار اللفظة المناسبة , ومن الأدباء العرب احمد حسن الزيات الذي كان يشتهر كثيرا في انتقاء الكلمة الملائمة , يقال أن تولستوي كان يتدحرج ويتلوى على البساط حتى تأتيه الفظة المناسبة وكذلك الاديب جوستاف فلوبير , من هنا كانت الكتب العلمية مواليد جديدة عسيرة الولادة ولم تأتي بسهولة ويسر , الكتاب الجيد يفقد جنسيته الاصلية او جنسية صاحبه ومؤلفه وبكتب عالمية رحيبة الافاق غير محدودة بحدود الجنس واللغة والجغرافية وكانها كتبت صالحة للترجمة بكل لغات العالم , وليس شكسبير انكليزيا ولا هيجو فرنسيا ولا جوتيه المانيا ولا ابن خلدون عربيا بقدر ما هم عالميون , لأنهم ملك للعالم كله بلا استثناء , ونذكر المؤلف مور تايمر حين وضع موسوعته الضخمة عن ( الكتب العظيمة في العالم الغربي ) فقد فات هان يضع فيها كتاب ( كانديد ) ليفولتير , الذي ترجمه الى العربية عادل ازعيتر ولهذا الأغفال تلقى الكاتب نقدا شديدا وخاصة من الناقد هايت الذي عجب أن يكون كاتب انكليزي من الطبقة الثانية اولى بالذكر من كاتب فرنسي من الطبقة الاولى ليس في عالم الكتب واختيارها كتاب اولى من كتاب , اذا منا نهتم بكتاب ( بوز ويل ) عن حياة جون سون لأنه سيرة ذاتية مهمة فليس معنى ذلك أن نذكر كتابا الفه ( سان سمون ) الذي امتاز بقوته في الكتابة وعمقه في دراسة الموضوع , من حق العرب أن يفتخروا أنهم اسبق الأمم الى بيان قيمة المعرفة وفضل الكتب وفائدة, وضعت في زماننا كتب أجنبية عن الكتب والمطالعة منها كتاب ( كويلر كوج ) الانكليزي الاديب الناقد عن ( فن القراءة ) , وكتاب ( ستيفر وود ) الامريكي عن عالم الكتب ,لكن ذلك لا يحجب عن عيوننا فضل أجدادنا العرب على الكتاب وفضله ولعل الجاحظ من أقدم مؤلفينا في اختصاص الكتب في كتابه (الحيوان ) فيه كلام جيد عن الكتاب ونعته وتعريفه وفضله وتفصيله وجمعه وشروط الترجمة ومشقة تصحيح الكتب وتنقيح المؤلفات , وله التعريف التالي ( والكتاب وعاء ملىء علما وظرف حشي ظرف وأناء شحن مرحا وجدا , والكتاب نعم الذخر والعقدة , ونعم الجليس والعدة , ونعم النشر والنزهة , ونعم المستغل والحرفة , ونعم الأنيس ساعة الوحدة , ونعم المعرفة لبلاد الغربة , ونعم القرين والدخيل , ونعم الوزير والنزيل ).
وللخطيب البغدادي 500ه كتاب عنوانه (تقييد العلم ) تحدث فيه عن كتابه العلم كراهة وأباحة وعن فضل الكتب ومنافعها وأستعارتها .
الكتب هي تجارب البشرية في تاريخها الطويل , واذكر أنني كنت اقرأ في كتاب عن استقلال امريكا والحرب الاهلية سنة 1776م وكان الكولونيل (رال ) مشتركا في موقعة فدخلت عليه جيوش واشنطن في ليلة عيد الميلاد وقتلوه وهو يلهوا , ولم يسلم هذا الضابط من تعليق للمؤرخ جون ملر حيث قال ( لقد مات كما كان يعيش شجاعا ولاهيا ), فذكرني بمقتل حجر الكندي والد الشاعر العربي امرء القيس حينما كان يلهوا وجاءه خبر مقتل أبيه فلم يمتنع عن الهوا بل ظل يلهو وأرجء الثأر الى الغد لقد\ ظهر كتاب( مذكرات أسحاق) وكتاب مذكرات( رقيق موتي سلوا ؟) كمثال عن كتابة العبيد المملوكين لروايات ومذكراتهم ويومياتهم حيث كان اخير عبدا مملوكا للرئيس الامريكي جيفرسون , وكان ياقوت الرومي صاحب كتاب معجم البلدان ) ومعجم الادباء رقيقا مملوكا لم يمنعه ذلك من الكتابة وكان من مفاخر العرب في التأليف والتصنيف ومعجم يا قوت الرومي يجرناالى فن الترجمة والسيرة الذاتية والتأليف, فقد ترجمة لمعاصريه والمعاصرة هو العيش مع المترجم لهم في عصر لهم قد تحجب بعض مزاياهم لأنها تتضح بعد سنين وقد اتصل ( اكري مان ) بالشاعر الالماني ( جوتيه ) فكتب عنه وانصفه في الترجمة , واستطاع جورج هنري لويس في كتابه عن جوتيه أن يتصل بالمقربين منه ويكتب عنه بواقعية وحقائق تاريخية , ومن الكتاب العرب للسيرة المتميزون ماكتبه رشيد رضا المصري عن السيد محمد عبده الأديب العربي المعروف ووثق له سيرته الذاتية بابداع و وكما وثق للسياسي المصري والرمز الوطني لمصر السيد سعد زغلول حينما كتب سيرته الذاتية الكاتب المبدع محمود عباس العقاد .
ولعلي اذا أريد ان أتذكر في العراق من الكتاب الذين تميزوا بكتابة السيرة منهم الشريف الرضي الذي كتب أجزاء من حياة أل أمام علي بن أبي طالب (ع) حينما كتب ( نهج البلاغة ) , وهي مجموعة خطب له قالها بلقاءه بالناس بمناطق عديدة وثقها للتاريخ , وكتاب السيرة في العراق تأثروا الحال السياسي للعراق , وحتى من حكم العراق بالعصر الحديث أستعانوا بكتاب من دول عربية لتوثيق سيرتهم الذاتية لتهرب الكتاب العراقيين منها خشية الحكم عليهم بأنهم يجاملون الحكام , ومعروفون بالأموال أشتروا كتاب عرب مغتربون في باريس ولندن مقابل عطايا جعلوا منهم بالصحافة أبطال سرعان ماكشفت حقيقتهم وسقطوا ولازالوا الشعوب تلعنهم ليل نهار ولم يبرز لدينا أسماء كبيرة كتبت كتب عن تاريخ الشخصيات العراقية الحديثة مشهورة لقلة النشر وعدم رغية العراقيين بالقراءة فهم لازالوا مستمعين ومنصتين وليسوا قراء والقارىء ناقد وأن صمتت أو أرسل رد أو علق بكلام أو تواصل مع الكاتب .
الصحفي العراقي
ياس خضير العلي
مركز ياس العلي للآعلام _ صحافة المستقل