معلمو حل الاختبارات بقلم / توفيق أبو شومر
مَن أدخل(المعلمين) ضمن سلع العولمة في الألفية الثالثة؟
ومن حولهم من (رسلٍ) للحضارة والتثقيف والإبداع إلى مقاولين؟
من مسخ صورة الأبوَّة الروحية عن معلمينا، وألبسهم وجوه التجار الجشعين؟
من هو المسؤول عن النسل المشوه الجديد من معلمي العرب في الألفية الثالثة؟
كثيرون يُرجعون السبب إلى الأنظمة السياسية، التي ظلتْ تخشى المعلمين، وتعتقد بأنهم زارعو بذور الثورات في كل الأزمنة والعصور، وأنهم المسؤولون عن استنبات فسائل التمرد ، وهم أيضا أصحاب دفيئات الثورات والبراكين والزلازل في كل الأوطان.
وهناك من يعتقدون بأن هناك مؤامرة تُحاك في أوطان القهر والطغيان وسلب الحريات والديموقراطيات لتفريغها من الواعين والأكفاء، وذلك بحشو تلك الأوطان بالفاشلين والمقعدين والمحبطين وتحويلهم إلى هياكل يُطلق عليهم اسم (معلمين)!
وفي هذا الإطار قامت حكومات ودول كثيرة بإدخال التعليم المقدس بيت الطاعة الحكومي، فجعلت المعلمين موظفين حكوميين كما العسكر، وجعلت مرتباتهم الشهرية في ذيل قائمة مرتبات موظفي الدولة، وأخضعتهم للوائح وظيفية بائدة تعود للقرون الوسطى ، وفي الوقت نفسه قامت بمنح موظفي الدولة الآخرين مرتبات هائلة تفوق مرتبات المدرسين بأضعاف أضعافها، والغرض من كل ذلك هو إحباطهم وإشعارهم بالدونية !
لهذا تحول كثيرٌ من المعلمين في زمننا إلى (تجار شنطة) ومقاولين يطرقون أبواب زبائنهم من الطلاب، وهم يحملون معهم معدات (الصناعة) الجديدة ، أو لوازم (مهنة) التعليم في عصر العولمة، مفاتيح لفك طلاسم الاختبارات فقط لا غير !
وأبرز معدات المعلمين وأدوات حرفتهم لفك طلاسم المقررات الرسمية الغامضة، هي كتب الشروحات التجارية المربحة، وهي من أخطر الكتب لأنها تُفقد عقول الطلاب القدرة على التفكير المبدع، وتقصر التعليم كله في (محفوظات) ونصوص !
والمجد كل المجد لمن يتمكن من مدرسي المقاولات أن يطبع كتابا تجاريا باسمه،أو يُنشئ مشروعه التجاري الخاص، أو شركته التعليمية الخاصة التي تقوم على إلغاء الكتاب الرسمي المقرر، وتأتي الخطوة الثانية ، وهي إجبار الطلاب على شراء الكتاب الجديد، الصادر عن شركته الخاصة!
أما الأداة الثانية التي يتبعها المعلم المقاول، فهي المحافظة على (تكنيك) عدم فك طلاسم المواد،والامتناع عن شرح المعضلات غير الواضحة أثناء الدروس الرسمية في وقت التدريس المأجور، ويتبع كثيرون من معلمي التجارة طرقا عدة لإرغام الطلاب أن يلجأوا إليهم في النهاية طائعين مستسلمين ليستعينوا بخبراتهم ، ولكن في بيوتهم أو مدارسهم الخاصة، غير الرسمية!
ويقوم كثيرٌ من مقاولي التدريس بإضاعة الحصص الرسمية بوسائل كثيرة منها إضاعة وقت كبير في معاقبة طالبٍ على مشاغبته مثلا ، أو اتهام الطلاب بالتقصير بحرمانهم من شرح الدرس، أو إضاعة الوقت المخصص للدرس في حكايا عن سيرة حياة المدرس وبطولاته، وما أكثر وسائل هدر الوقت في المدارس الرسمية!
قال لي أحد المدرسين المخلصين ممن يرفضون أن يتحولوا إلى مقاولين:
لقد تحولتْ مدارسُ كثيرةٌ إلى أفخاخ صيد، يصطاد فيها المعلمون الطلابَ الموسرين، فالمرتب الحكومي الذي يتقاضاه هؤلاء المدرسون ليس سوى ادخار دائم ، أو حسنة جارية من قبل الحكومة على المدرس، أما المرتبات الحقيقية، فهي المرتبات التي يأخذها معلمو الشنطة من الآباء في نهاية كل شهر، وتكون في الغالب أضعاف أضعاف مرتباتهم الحكومية.
وأضاف: ونظرا لأنهم يعملون في المساء ، فإنهم يعتبرون عملهم الرسمي في المدرسة ، عملا للاستجمام والراحة، فهم لا يبدؤون التدريس عند بداية الحصة ، بل يتعمدون التأخير،بحجة تناول الإفطار الجماعي، أو مناقشة المدير في قضايا بعض الطلاب، ثم يستلقون على كراسي الفصل لغرض الاسترخاء، ومنهم من يغفو أيضا، استعدادا لنوبة العمل الحقيقية في بيوت طلابه أو زبائنه!
ويتحول المدرسُ إلى أجير عند طالبه ويصبح الطالب هو السيد ، ويمكنُ معرفة ذلك في تصرفات بعض الطلاب ممن يستأجرون المدرسين في قاعات المدرسة الرسمية، لأن المدرس لا يستطيع معاقبتهم على الإهمال، أو حتى انتقادهم!
وأضاف :
أعرف مدرسا يعمد لتوفير طاقته في الدروس الخصوصية، فهو لا يمسك الطباشير أبدا، بل يجبر الطلاب أن يكتبوا على السبورة اسم الدرس والتاريخ، وأن يكتبوا التلخيص أيضا، وحين تتأخر دقات الجرس، يرغم الطلاب على قراءة ما لا يفهمونه، وأن يعيدوا القراءة مرات ومرات، ليتمكن من الحصول على إغفاءة سريعة!
وأضاف هذا المدرس المخلص :
إن أخطر الأمور في تعليم الألفية الثالثة، ليس هو فقط مدرس الشنطة ، أو تاجر المقررات، وليس هو نظام التعليم وإدارة المدارس فقط ، بل تَحَوُّل الغايةِ من التعليم، وهي تهذيب العقول وصقلها وتثقيفها، إلى غاية أخرى جديدة، وهي مهارة الحصول على درجات في الامتحانات!
لذلك فليت هؤلاء المعلمين يعلمون الطلاب تعليما خاصا في بيوتهم، لغرض تهذيبهم وتثقيفهم وتوسيع عقولهم، بل لغرض إكسابهم مهارات وفنيات الإجابة عن أسئلة الامتحانات، وحصولهم على مجموع عالٍ، وهذا بالطبع ليس تثقيفا ، ولكنه يدخل في باب تعليم الحرف والمهن!
وتلك نكبة كبرى تُضاف إلى نكبات التعليم المتعددة ، ومن هنا فإن المدرسين المقاولين يحصلون على نقود الآباء نظير تلك المهارة فقط، فهم يدربون ضحاياهم من الطلاب على فنون إرضاء المصححين وكيفية البدء والانتهاء في الإجابات، وفي الغالب فإن المصححين يكونون هم أنفسهم مدرسي المقاولات وتجار الشنطة .
وأخيرا
إن الأوطان التي تحتقر معلميها وتضعهم في نهاية السلم الوظيفي، وتجبرهم أن يتحولوا من مهذبي عقول، إلى حراس سجون وأصحاب حرفة مُضللة، ونسميها تجاوزا مدارس للتربية والتعليم، هي أوطان جاهلية تـئد أبناءها، ولا تُراهن على مستقبلهم!