-
محاضر جامعي في عمان
حركة الأخطاء اللغوية
منذ عشرين عاما جربت تقويم لغة طلاب الجامعة الكتابية تقويما علميا شاملا، على رغم إنكار بعض زملائي عليّ أن أشتغل بكتابة تلامذتي، ولا عجب مع إنكارِ مثلِه أن يستخف بالعمل بعض تلامذتي أنفسهم الذين كنت أجرب تقويم لغة كتابتهم! ولكنني أنجزت ما وعدت، بل رفعته إلى الدكتور سعود الريامي رئيس جامعة السلطان قابوس -فقال كلمته هذه الكبيرة: "هَذِهِ جَامِعَةُ الدُّكْتُورِ صَقْرٍ، يَأْتِيهَا وَقْتَمَا يَشَاءُ"!- وعاقدت على نشره دار السلام خمسين عاما بعنوان "مهارة الكتابة العربية"، وشاركت بنتائجه -وما زلت- في بعض المؤتمرات والندوات والمحاضرات!
واليوم (1/4/1441= 27/11/2019)، أجرب ذلك تجربة ثانية، على بعد ما بين همة شبابي وخبرة شيخوختي -وما أصدق كلمة العقاد في مثلها: "زَادَ إِيمَانُنَا بِهَا، وَقَلَّتْ حَمَاسَتُنَا لَهَا"!- وأنَّ أكثر تلامذتي هؤلاء من قسم العلوم الإسلامية بكلية التربية وأقلهم من قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، على حين كان أولئك كلهم من قسم اللغة العربية بكلية التربية؛ فما زالت تدعوني إلى تكرار التجربة دواعي "نقد اللغة العربية المكتوبة الآن، في وقت ومكان محددين، على نحو مفاجئ لا تجهيز فيه ولا مراجعة (...)، لطلاب عرب عُمانيّين مُعَيَّنين" -مهارة الكتابة: الفقرة 8- التي دعتني قديما إلى التجربة الأولى، وما أقرب عدد تلامذتي هؤلاء العشرين من عدد تلامذتي أولئك الستة والعشرين!
أقبلت أوزع على تلامذتي أوراقا خالية متشابهة مناسبة الحجم لجهاز التصوير الرقمي، ثم خطَبتُهم بمقال "مقام المداومة: http://mogasaqr.com/?p=19775"، متأنيا، متحريا من الأداء كل ما يعينهم على تمثُّل المراد، ثم طالبتهم بالتعليق عليه في نصف صفحة دون أن يذكر أحدهم اسمه، ثم أخذت أوراقهم، وتفرغت لقراءة ما كتبوه وتقويمه وتعليق ما يبدو لي عليه بلون أحمر، ثم صورت الصفحات حريصا على وضوح التعليقات كلها، ورفعتها على الحاسوب، ثم استهلكت في إطلاعهم عليها عشر محاضرات؛ فلم تكن المحاضرة تتسع لعرض أكثر من صفحتين؛ إذ يضطرني كل تعليق إلى توجيه، وكل توجيه إلى احتجاج، وكل احتجاج إلى استطراد، وما أكثر ما كنا نقتحم على مظان الاحتجاج شبكتها الإلكترونية المتاحة دائما!
وكلفتهم كلما وقفنا على خطأ فسميناه باسمه المعروف أو استحدثنا له اسما مناسبا، أن يكتبوه بدفاترهم، وينقطوا عن يساره نقطة واحدة لمرة وقوعه الواحدة، فإذا تكرر أضافوا إلى النقطة مثلها وهلم جرا، حتى إذا ما فرغنا قعدنا يقرؤون عليَّ اسم الخطأ فأكتبه وعدد النقط فأثبته أمامه، وما أكثر ما اختلفوا فأخذت برأي الأغلبية أو الأكثرية، فإذا تساووا مختلفين أخذت بالرأي الأكثر نُقَطًا. واستهلكنا في ذلك محاضرتين كاملتين، أُبْتُ بعدهما إلى مكتبي، فصنفت الأخطاء، وآلفت بين مفردات أصنافها جامعًا بين ما يجتمع، ثم رتبتها بأعدادها ترتيبًا هابطًا.
لقد استوى في نتائج هذه التجربة مُتَوَسِّطَا ما وقع بالأوراق العشرين من أخطاء الأسلوب ومن أخطاء الترقيم؛ إذ تَحَصَّلَ من قسمة أربعة وسبعين (عدد كلتا طائفتي الأخطاء)، على العشرين: 3.7؛ فيكون قد وقع في كل ورقةٍ أربعةُ أخطاء تقريبا من هذه، وأربعة من تلك، على النحو الآتي:
· أخطاء الأسلوب (74/20=3.7):
1) زيادة ما لا حاجة إليه.
2) إبدال الكلمات.
3) عدم العَنْوَنة.
4) سوء التعبير.
5) سوء الاقتباس.
6) حذف ما لا غنى عنه.
· أخطاء الترقيم (74/20=3.7):
1) إهمال علامة الترقيم.
2) إبدال علامة الترقيم.
3) إقحام علامة الترقيم.
4) البدء بعلامة الترقيم.
إنه ليس أصدق من اتفاق أخطاء الأسلوب وأخطاء الترقيم على مقدار واحد؛ فما الترقيم إلا رسم أداء الأسلوب؛ فإذا أصاب الأسلوبَ خطأٌ كان مفهومًا أن يصيب الترقيم ما يخصه مما يشبهه، وهو ما كان:
ü فثالث أخطاء الترقيم بمنزلة أول أخطاء الأسلوب،
ü وثاني أخطاء الترقيم بمنزلة ثاني أخطاء الأسلوب،
ü وأول أخطاء الترقيم بمنزلة ثالث أخطاء الأسلوب وسادسها معا،
ü ورابع أخطاء الترقيم بمنزلة رابع أخطاء الأسلوب وخامسها معا؛
وصدَّقَت أخطاءُ الترقيم أخطاءَ الأسلوب!
ثم تقارب مُتَوَسِّطَا ما وقع بالأوراق العشرين من أخطاء الأصوات والصرف والنحو ومن أخطاء الإملاء والتشكيل؛ إذ تَحَصَّلَ من قسمة ثمانية وخمسين (عدد أخطاء الأصوات والصرف والنحو)، على العشرين: 2.9، ومن قسمة ستة وستين (عدد أخطاء الإملاء والتشكيل)، على العشرين: 3.3؛ فيكون قد وقع في كل ورقةٍ ثلاثة أخطاء تقريبا من هذه، وثلاثة من تلك، على النحو الآتي:
· أخطاء الأصوات والصرف والنحو (58/20=2.9):
1) رفع المنصوب والمجرور والمجزوم.
2) حذف الروابط.
3) تقديم ما حقه التأخير.
4) خطأ صياغة الكلمة.
5) تذكير الواجب التأنيث.
6) نصب المرفوع والمجرور.
7) إفراد الواجب التثنية.
8) منع صرف المصروف.
9) تعريف بعض وكل بأل.
10) تعريف ما ينبغي تنكيره.
11) إبدال الأصوات.
12) النسب إلى المؤنث بالتاء المربوطة دون حذفها.
13) جزم المنصوب.
14) فتح همزة إن الواجبة الكسر.
· أخطاء الإملاء والتشكيل (66/20= 3.3):
1) ترحيل الحركات.
2) خطأ رسم الهمزة.
3) تشويه رسم الكلمات.
4) تخفيف رسم المشدد.
5) قطع همزة الوصل.
6) تقليد رسم المصحف.
7) ترحيل النقط.
8) الإخلال بعدد النقط.
9) نقط ضمير الغائب.
10) فصل الواو عن المعطوف عليه.
11) رسم الصاد دون سن.
12) حذف همزة الوصل مما بين حرف العطف والفعل.
13) حذف همزة شيء.
14) قصر الهمزة الممدودة.
15) إلحاق الألف الفارقة بغير المقترن بواو الجماعة.
16) إثبات سكون المدغم المنفصل.
إنه ليس أدل على حقيقة تقارب أخطاء الأصوات والصرف والنحو وأخطاء الإملاء والتشكيل، من التباس بعضها على المصنف أيجعله في هذه أم في تلك! وعلى رغم بعد الثاني والخامس والسابع والتاسع والعاشر من أخطاء الأصوات والصرف والنحو عن أخطاء الإملاء والتشكيل، نستطيع أن نجعل:
ü السادس والخامس عشر من أخطاء الإملاء والتشكيل، من وادي الأول والسادس والثامن والثالث عشر من أخطاء الأصوات والصرف والنحو.
ü والأول والسادس والعاشر والسادس عشر من أخطاء الإملاء والتشكيل، من وادي الثالث والرابع عشر من أخطاء الأصوات والصرف والنحو.
ü والأحد عشر خطأ (2-5، 7-9، 11-14) من أخطاء الإملاء والتشكيل، من وادي الرابع والحادي عشر والثاني عشر من أخطاء الأصوات والصرف والنحو.
ربما كان في ذلك معنًى مِن التسليم لانحسار ممارسة اللغة العربية الآن عن المشافهة وانحصارها في المكاتبة، ولكنني أستنبط منه معنًى من دلالة إتقان المكاتبة باللغة العربية على إتقان المشافهة بها، وأنه ينبغي لمن أراد إتقان المكاتبة بها أن يشتغل بإتقان المشافهة بها!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى