رئيس اتحاد الكتاب العرب حسين علي جمعة: مهمة الأدباء الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والقيم الحضارية
دمشق: حوار ناهد التادفي
23/08/2006
يعد الأستاذ حسين بن علي جمعة الرئيس الحالي لاتحاد الكتاب العرب من المبرزين في مجال الإنتاج الأدبي إذ صدر لديه أكثر من عشرين مؤلفا، يحمل جمعة درجة الدكتوراه في الأدب القديم، وعمل أستاذا للأدب في جامعات عربية عدة من بينها جامعة قطر ورأس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب وكان مقررا لجمعية البحوث والدراسات فيه ورأس تحرير مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية. كان لنا معه اللقاء التالي:
< ما الدور المرجو من اتحاد الكتاب العرب للمساهمة في تطوير المشهد الثقافي الذي يبدو أنه "بشكل عام" ليس سليما؟
ـــ يقوم اتحاد الكتاب العرب بنشاطات ثقافية متنوعة، محاضرات وأمسيات وندوات ومهرجانات تتوزّع على الأجناس الأدبية والفكرية والسياسية والنقدية كافة، وينفّذها أعضاء الاتحاد في فروع الاتحاد والمراكز الثقافية. وهناك أيضاً مهرجانات فصلية وسنوية للنشاطات العادية "شعر، قصّة، مسرح وأدب أطفال نقد، دراسات، ترجمة" في مختلف المراكز الثقافية المُشار إليها. ولدينا سبع جمعيات متخصصة في النقد والبحوث والدراسات والترجمة والمسرح وأدب الأطفال والشعر والقصة والرواية، وهي تقيم نشاطاتها وندواتها السنوية فضلاً عن الموضوعات الفكرية والثقافية والنقدية التي تنفذها الجمعيات شهرياً. وكذلك يقيم الاتحاد ندوات مركزية، فقد أقام الاتحاد في هذه السنة (2006م) على سبيل المثال سبع ندوات حول مجمل النشاطات الأدبية والفكرية والنقدية، فضلاً عن مهرجانات الشعر ومعرض تشكيلي وأمسية موسيقية.
إن الاتحاد في سعيه للانتشار وتعميم الثقافة على المستوى الوطني والقومي يقوم بدعوة شخصيات فكرية وأدبية معروفة من غير أعضاء اتحاد الكتاب؛ سورية وعربية للمشاركة في كثير من النشاطات، أمثال صلاح فضل، محمد عبد المطلب، عبد العزيز حمودة، من مصر، وسميح القاسم من فلسطين، ووجيه فانوس وجوزيف حرب وحسن حردان وعبد المجيد زراقط من لبنان، ومن الأردن زياد الزعبي ومحمد عبيد الله، ومن السعودية عبد الله الغذامي، ومن اليمن أحمد العوضي، ومن تونس طاهر همامي، وغيرهم من أعلام وشخصيات لها مركزها الأدبي والثقافي لا أستطيع أن أذكرها كلّها.
ونحن نرى أن اتحاد الكتاب العرب يلتقي مع العديد من الاتحادات العربية ذات الشأن على المستوى الثقافي والفكري والأدبي والنقدي في الوقت الذي يجري معها العديد من المؤتمرات كما حصل في اجتماع المكتب الدائم للاتحادات في الشارقة، إذ أقيمت على هامش اجتماع اتحادات الكتاب العرب ندوة أدبية وفكرية، وسبق أن أقيم في كانون الأول 2005 مؤتمر تحت عنوان المثقف والسلطة بدعوة من اتحاد كتاب مصر، وشاركنا فيه كما شارك العديد من الاتحادات والروابط.
لا شك أننا نسعى جاهدين، ونطالب أن يكون هناك تعاون أكبر بين مختلف المؤسسات الثقافية العربية وتعاون أكثر يشمل نشر كتب ودوريات مشتركة بينها للنهوض بالمشهد الثقافي العربي.
أضيف إلى ذلك كله أن اتحاد الكتاب العرب يضمّ العديد من الكتّاب مما يتيح لاتحادنا فرص التنوّع والتعدد بنوعية المؤلفات ومستويات الأعضاء الذين ينتسبون إليه وفق معايير وأنظمة ضابطة في الوقت الذي فتح فيه اتحاد الكتاب العرب أقنية مهمة ومتنوعة على بعض اتحادات الكتاب في العالم. فهناك اتفاقية تعاون وتبادل ثقافي مع أكاديمية "ساهيتا" في الهند، ومع اتحاد كتاب الصين وروسيا وتركيا ومصر وتونس ورابطة الثقافة في إيران. ويتم التحضير الآن لعقد اتفاقيات مع اتحادات كتاب إسبانيا وبلغاريا وكوبا وأكاديمية "سمت" في إيران. ولا ننسى في هذا المقام الإشارة إلى معارض الكتب التي يقيمها ويرعاها الاتحاد على مستوى المركز وفروعه، فضلاً عن إقامة معارض في مراكز أخرى محلية وعربية وإقامة معارض فنون تشكيلية، ولدينا العديد من الجوائز الأدبية والنقدية المتنوعة، مثل:
1 ـ الجائزة التقديرية.
2 ـ الجائزة التشجيعية.
3 ـ جائزة نعيم اليافي للدراسات الأدبية والتقدمية.
< ما رؤيتكم لمساحات الحرية والآفاق الجديدة التي يعمل في إطارها المثقف العربي؟
ـــ نحن في اتحاد الكتاب العرب نعتبر أن الأحادية في أي عمل ثقافي فكري تعدّ مقتلاً لأي ارتقاء ثقافي وأدبي وفكري، مما يجعلنا نبتعد عن الفردية، ونسعى جادين إلى العمل الجماعي، على أن يكون التنوّع أصلاً في عملنا، ومن هنا نحن نقدر حريّة الرأي ونرى أن الإبداع يكمن في حريّة التعبير وحريّة الرأي بما لا يخرج عن القيم الأصيلة التي ننتمي إليها، ونحن نجسّد هذا المفهوم في كل ما نمارسه من نشاطات في اتحاد الكتاب العرب على اعتبار أن أعضاءه ينتمون إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية.
< وسط الأحداث التي تعصف بفلسطين ولبنان والعراق ما المطلوب من الأدباء. وهل أنت راض عن مستوى حضورهم؟
ـــ إننا جزء من هذا المجتمع، ونعتبر أنفسنا طليعة ثقافية ونضالية، ولا نستطيع إلا أن نكون في قلب الأحداث، نتألم ونحزن لكل ما يعاني منه الوطن العربي ولاسيما الهجمة الوحشية التي يتعرض لها شعبنا العربي المسالم الأصيل في فلسطين والعراق ولبنان. إن هذه المجازر التي نتابع أحداثها يومياً في كل مكان لهي تعبير ساطع على همجية العدو الصهيوني الاستيطاني الذي اغتصب أرض فلسطين ويسعى إلى تمزيق الوطن العربي بمساعدة قوى الاستكبار والهيمنة في الغرب عامة وأمريكا خاصة.
مواقفنا واضحة ومعلنة لا لبس فيها ولا غموض، نعلن في كل مناسبة عن موقفنا الوطني والقومي بكل الوسائل الممكنة، ونشارك في عملية التصدي للغزو الثقافي لقوى الهيمنة الأمريكية التي تستهدف ثقافة أمتنا العربية والإسلامية وقيمها بمثل ما تستهدف وجودها. ونقوم بشرح قضايانا وإعلان مواقفنا عبر الوسائل الإعلامية المحلية والعربية والعالمية، ونصدر بيانات في كل مناسبة تستدعي ذلك. ولعل آخرها البيان المفصّل حول مجزرة قانا الذي عمّم على كل وسائل الإعلام. من هنا تصبح قضية فلسطين ولبنان والعراق قضية كل كاتب عربي وهي قضية حضارية ووجودية في آن معاً.
< يعاني الأدباء الشباب من غياب الدعم والحضور وصعوبة في الانتشار، ما الأسباب المؤدية لذلك؟ وهل سيتجه الأدباء الجدد إلى أماكن يمكن استيعابهم فيها؟
ـــ نحن في اتحاد الكتاب العرب نعنى عناية خاصّة بالشباب ونقيم مسابقات أدبية "قصة وشعر ومسرح ورواية" في كل فرع من فروع الاتحاد المنتشرة على مساحة محافظات القطر العربي السوري. وهي تقام مرتين في السنة ونوزّع جوائز تشجيعية للفائزين، وكذلك فإننا نعطيهم بشكل دائم فرصا لنشر نتاجاتهم في الدوريات التي تصدر عن اتحادنا. ومن ثم فنحن نشارك في إقامة ندوات ومهرجانات ومعارض ومسابقات في الجامعات والمدارس من أجل الشباب ونحرص على تشجيعهم على الكتابة في مختلف الفنون الأدبية والفكرية. وهناك تعاون وثيق بين اتحادنا وبين اتحاد الطلبة في سورية واتحاد الشبيبة اللذين يقومان أيضاً بنشاطات ثقافية موازية، ويمكن أن نقول بكل ثقة: إننا نخدم جيل الشباب الواعد بكل السبل الممكنة، ولكنني أُقرّ أيضاً بأن هناك صعوبات جمّة تقف حائلاً دون النجاح المرجو والذي نطمح إليه، ومنها عدم تفرّغ الشباب للكتابة لانشغالهم بأعباء الدراسة والحياة.
< ثمة هبوط في مستويات النتاج الأدبي مما يساهم في هجر الكتاب، ما دوركم ومسؤولياتكم؟
ـــ الاتحاد يعنى بنشر الإبداع المتميّز بكل الأجناس الأدبية، وهناك إنتاج لافت للانتباه يتصف برقي فني متميّز عند كثير من الأدباء، وينبغي أن لا نهمل هذا الجانب حين نتحدث عن هذه المسألة، ولكن تبقى النظرة مركّزة على كل ما ينشر، وهو كثير، والنشر متاح لكل من يرغب في الكتابة، إذ ليس من سلطة على الكتابة والنشر. ومن يرى نفسه قاصّاً أو شاعراً أو أديباً أو... ويرغب في النشر فلينشر. وهذا ينسحب على كل الأجناس الأدبية والفكرية وعلى كل الكتاب والأدباء، ولكن الذي يبقى ويستمر هو المبدع الحقيقي، وكما نعرف فإن عدد سكان الوطن العربي ينمو بازدياد مطّرد مما يؤدي حكماً إلى زيادة في عدد الكتاب، لكن هذا كلّه لا يلغي الإبداعات الجيدة، وعلينا التركيز عليها.
< ماذا يمثل الكاتب في ظل غياب الفاعلية والتأثير؟
ـــ الكاتب يمثّل ضمير الأمّة، وينبغي أن يقود الناس إلى ما فيه صلاحهم وفق الحديث المشهور "الرائد لا يكذب أهله" فالأدباء والكتاب هم البوصلة الموجهة لطريق الأمّة، وإذا كانت من اعتبارات ما تُفرض على سلوك السياسي فإنه ينبغي ألا يفرض على الأديب ما توجبه السياسة على السياسي، وعلى الأديب ألا يبتعد عن مبادئه وواجباته التي تستجيب لثوابت الأمة وقيمها. وفي صميم هذا نحن نحس بأننا أصحاب القضية الوطنية والقومية ما يجعلنا نحمل أعباءها على كواهلنا قبل غيرنا فنكتب عنها ونحللها ونحاول أن نرى الطريق المثلى لما فيه صلاح هذه الأمّة في مستقبلها، وبما أن الكاتب يملك حساسية مرهفة فهو يستشعر الألم الشديد قبل غيره؛ وهو يرى ـ اليوم ـ المجازر الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان وفلسطين. ويبدو أن منهج الوحشية في القتل صفة ملتصقة بهذا الكيان الإرهابي ويربي أبناءه عليها، فمجازر الصهاينة عبر التاريخ تعبّر عن ذلك على اعتبار أنهم يقتدون بسلوكهم الإجرامي بما ارتكبه "يوشع بن نون" ـ كما يزعمون ـ وبما تنص عليه أدبياتهم وتعاليمهم المختلفة.
لذلك يصبح مطلوباً من الأدباء فضح هذا الكيان بكل الوسائل المتاحة، وفي طليعتها إقامة حوارات وندوات ثقافية متنوعة للتعريف بهذا الكيان الوحشي.
مجلة العرب الدولية