ما من مسلم متّعه الله بعقل راجح ورأي سديد إلاّ وتتحرك فيه مشاعر الغيرة على عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم , ذلك أمر يكاد يكون حتمياً لأنه يشكل قاسماً مشتركاً بين أبناء الأمة المسلمة , فالله عز وجل بيّن في كتابة المبين موقع أزواج رسوله صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأمة كلها , فقال : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً كان ذلك في الكتاب مسطوراً . " أزواج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمهاتنا , وحرمتهن كحرمة أمهاتنا ولذلك حرّمهن الله على رجال الأمة تحريماً أبدياً فقال : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ... " تلك هي عقيدتنا لا نساوم عليها ثلةّ من الموتورين الذين أعمى الحقد قلوبهم , فسلطوا سهام النقد على أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه طاعنين في شرفها شاتمين عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله قاطبة . فما أسفه من ينال من عرضه متهماً أمه بالزنا ومتهماً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسكوت على الفاحشة , وكان من الواجب أن يخرجها النبي صلى الله عليه وسلم من بيته ويطلقها لأنه يعلم أن أي مؤمن لا يرضى أن تكون أمه زانية , لكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئاً من هذا القبيل , إذاً هذا اتهام صريح منكم أيها الموتورون الحاقدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيانة , أما سألتم أنفسكم أن صح زعمكم لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم الحد على عائشة فترجم علناً على مسمع الأمة ومرآها , فهي رغماً عنكم أمنا بكل فخر , أما علمتم يا سادة ’ يا من تدعون حب رسول الله وآل بيته أنكم كذّبتم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حيث نزل القرآن يعلن براءة عائشة رضي الله عنها مما نسب إليها , فالله عز وجل قال بريئة وأنتم تقولون : إنها زانية , ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلن براءتها وأنتم تكذبون أصدق البشر , ماذا دهاكم ؟ وما الذي ستجنونه من عظيم المنافع في الدين والدنيا من وراء الطعن والتشهير في شرف خير عباد الله صلى الله عليه وسلم ؟ لا أخال أن ثمّة منفعة من وراء ذلك بل هي فتنة أطلت علينا , توشك أن تعصف بكيان هذه الأمة , وتحرق نارها الأخضر واليابس , فتنة كبرى يجد فيها أعداء الإسلام فرصة ذهبية لتحقيق مآربهم بإلحاق مزيد من الضعف والتشرذم والتفرّق في صفوف الأمة , فيهرعون إلى إذكاء نارها والنفخ في أوارها لتزداد اضطراماً , كفاكم اقتحاماً لأسوار بيت النبي صلى الله عليه وسلم , وإني أرني أن الجرأة التي أنتم عليها بلغت حد الوقاحة التي يأباها على نفسه أي مسلم مهما رق دينه , ماذا لو أصغيتم لصوت الحق الذي يعلن للدنيا كلها براءة عائشة رضي الله عنها وأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم الأنموذج الأمثل بل الأكمل للبيت المسلم وأن أزواجه كلّهن غرّة نساء الأمة وقدوتهن , بما فيهن الصّدّيقة بنت الصّدّيق رضي الله عنهما , أخاطبكم أينما كنتم بغيرة المسلم على المسلم , فأنتم أخوتنا وجزء من هذه الأمة , أوقفوا هذه الحملة وقولوا كلمة الحق وعودوا إلى الصواب ولا تدعوا الفتنة تحرقكم بنارها قبل غيركم. وإني أضع أمامكم معالم الحق في هذا الأمر الخطير بعيداً عن أي تحيّز أو تعصّب داعياً إلى وحدة كلمة الأمة من حيث يريد الآخرون أن تزداد فرقة وشتاتاً :
1-الفتنة حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ستكون فتن , القاعد فيها خير من القائم , والقائم فيها خير من الماشي , والماشي فيها خير من الساعي من تشرّف لها تستشرفه ومن وجد فيها ملجأً فليعذ به . " إذاً الفتن لابد من وقوعها في أي زمان أو مكان , وبمقتضى الحديث فهذه واحدة من الفتن تستهدف شرف النبي صلى الله عليه وسلم والنيل من عرضه , وإني أنصح إخواني بالخروج منها بتوبة صادقة نصوح .
2- أنزل الله عز وجل براءة عائشة رضي الله عنها من السماء آيات تتلى إلى يوم القيامة . قال الله تعالى : " إنّ الّذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرّاً لكم بل هو خير لكم لكلّ امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والّذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم . لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين . لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشّهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسّكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم . إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم .ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلّم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم . يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين . ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم . " هذه براءة أمنا عائشة رضي الله عنها نزلت من السماء غيرة من الله على رسوله عليه الصلاة والسلام من أن يخدش حاقد عرضه ويتسرب الشك إلى البيت النبوي أشرف البيوت على وجه إلى يوم القيامة . لأنه عندئذ لا يبقى بيت قدوة ومثلاً أعلى في عالم البشر , وبالتالي تصبح البشرية بلا نموذج راق تبنى عليه البيوت .
3- رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة عائشة رضي الله عنها مرتين في قصة من حرير في المنام وقيل له هذه امرأتك .
4- لم يتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم في حياته بكراً غيرها .
5- قبض النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها بين سحرها ونحرها ودفن فيه .
6- مكث فترة مرضه في بيتها بعد أن أذن له نساؤه أن يمرّض في بيت عائشة .
7- كانت أحبّ أزواجه إليه رضي الله عنها .
هذه هي معالم الحق فيما يتعلّق بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولا يغيب عني ما لها من مواقف سواء في موقعة الجمل لدى الاختلاف بينها وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم الله وجهه فيما يتعلّق بوجوب القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه فما هو إلاّ موقف يحدث أينما كان فلم ننكره على عائشة رضي الله عنها ومن وافقها من الصحابة ولا ننكره على غيرها بل وربما هناك من يدافع عن مثل هذا الموقف في غير هذه الواقعة . وقلت ولا أزال أقول : من فوّض إليكم يا إخواننا أمر محاسبة من مات وقد أفضى إلى ربه ؟ لاشك أننا متفقون على أن الله تعالى هو الّذي يحاسب عباده ولم يسند أمر الحساب إلى أحد كائناً من كان . إذن لما تحاسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم خيرة الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نعتقد , ولم تنالون من شرف رسول وعرضه ؟ لم يلصقون تهمة الزنا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ؟ وقد برّأها الله , ألا تعجبكم تبرئة الله , وتنظرون بكل ذلة وصغار براءة من بشر قاصر العقل ضعيف لا يملك إلا اليسير من العلم الناقص . كفاكم اقتحاماً للأسوار واعلموا أن الله يدافع عن الذين آمنوا فهل يرفع يده عن بيت نبيه وزوجته وأصحابه ؟ فاحذروا أن تكونوا ممن يتعرضون لهذا لئلا تسوء عاقبتكم .
الباعث على توجيه هذا النداء : ما ترامى إليّ من خبر اجتراء واحد من علما الشيعة يدعى ياسر الحبيب على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث يلصق بها تهمة الزنا مشهراً بها على الملأ وينهال عليها باللعنات , حتى أفضى به ذلك إلى السجن والطرد من دولة الكويت بعد تجريده من الجنسية . أقول له ولغيرة من إخواني : إنها فتنة أطلّت علينا فاحذروها لئلا نحترق بلظاها جميعاً , وتعصف بما يبقى لدينا من قيم ومبادئ وحد أدنى من التلاقي والتواصل . والحمد لله ربّ العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ