قصة حب
في ليلة سوداء من ليالي الشتاء المطيرة الباردة التفّت بشالها الصوفي الأسود, أغلقت الباب بعتف واستقبلت السلّم تدفعها عواطفها المتلاطمة في صدرها كالسيل الجارف. هرعت إلى منزله بخطوات ثابتة وتصميم أكيد و في رأسها هدف واحد تسعى إليه.
"سأقابله ، سأعرف السبب منه بالمواجهة ، هل تنتهي قصة حب بيني و بينه بمجرد خروجه من البيت؟ و دون أدنى سبب أو حتى تلميح بذلك؟ إنه لإجراء ظالم وحكم جائر. يجب أن أعرف السبب".
وصلت إلى البناء ، رفعت رأسها إلى الأعلى ، هناك ضوء ، إذن فهو موجود . صعدت السلالم و قطرات المطر قد بللت وجهها الحانق ، ضربت الجرس و وقفت تنتظر. بعد حوالي ربع ساعة من الانتظار فتح الباب و ظهر منه رجل مديد القامة و قد شرّع ذراعيه عرض الباب يصد دخولها ثم فاجأها بقوله "نعم" ما ذا تريدين ؟ لدي زائر ثم أغلق الباب و تركها تجر أذيال الخيبة ، لقد جرعها كأس الذل حتى الثمالة .
عادت أدراجها من حيث أتت و قد تبلدت أحاسيسها فأصبحت كتلة بشرية تتحرك آليا دون وعي . دلفت إلى منزلها و ألقت بجسدها المنهار على أول كرسي وصلت إليه، سقطت كما الشجرة المجتثة من جذعها و ماء المطر يقطر من ثيابها، لقد بللها المطر من رأسها حتى قدميها ، بل بالأحرى لقد طهرّها من رجسه . لقد عرفت السبب. لم يكن يوما كالصورة التي رسمتها له في مخيلتها. و أخيرا خلع قناعه المزيّف عن وجهه بوقاحة سافرة .لقد عاشت مخدوعة طيلة خمس سنوات .ترى هل كانت غبية لدرجة أنها لم تكشفه على حقيقته أم أنها تعامت عامدة عن تصرفاته ؟ هل كان ينطوي على مثل هذه الخسة؟ شيء لا يصدّق أبدا1! لقد شُلَ تفكيرها تماما ودخلت في دوامة سحبتها إلى أعماق نفسها، استفاقت منها بعد حوالي ساعة . أشعلت لفافة تبغ و جعلت تراقب الدخان وهو يتصاعد بأشكال مختلفة ومتغيرة إلى أن تلاشت وكأن شيئا لم يكن. هي الأحداث نؤثر و نتأثر بها ثم تتلاشى و لكن بعد أن تترك ندبة أبدية للذكرى .
و دارت الأيام و مرّت الأيام و عادت علا إلى طبيعتها و سارت حياتها كما خططت لها وأرادت واستطاعت أن تؤمن لها دخلا وفيرا، تساعدها في تنظيف المنزل خادمة قدمت من شرق آسيا تدعى راني.
و في يوم كانت جالسة على أريكة مريحة ترشف كأسا من الشاي و تستمع إلى أغنية نجاة الصغيرة " اليوم عاد و كأن شيئا لم يكن.. " دُق الجرس فهرعت راني لتفتح الباب ثم عادت قائلة : سيدتي ، شخص بالباب يسأل عنك وفي يده ضمة من الأزهار.
ذهبت لترى من القادم فرأته و استقبلته استقبالا لائقا بالضيوف .
تفضل، اهلا و سهلا
أشارت إلى أريكة جلس عليها و باشر فورا في تقديم أعذاره متلعثما:
لا أعرف كيف أبدأ، لقد ارتكبت خطأً شنيعا بحقك و لا أعرف كيف فعلت ذلك! همي الآن أن تغفري لي و تسامحيني" .
أصغت إليه باهتمام و كأنها تستمع إلى قصة إنسان غريب و كأن الأمر لا يعنيها بشيء، ثم طلبت له القهوة.
و جاءت القهوة على صينية فضية فاخرة، و شربها حتى السفالة و هي تنظر إليه هادئة
راسية. و بعدها تفرّس في وجهها باحثا عن خيط أمل فلم يجد . يريد جوابا يفتح منه بابا للحوار يريد أن يتغزّل بها و يطوَر الحديث الجاف إلى حوار ودي و لكن دون جدوى. لقد أتى جوابها صمتا بليغا طعنه في الصميم. وإذ عرف الجواب همَ بالنهوض فقامت بمرافقته إلى الباب ثم استدركت و برقة و أدب بالغين قالت:
و لكن " ألم تنس أزهارك؟ "
ثم عادت لتسمع أغنية نجاة الصغيرة " اليوم عاد ... و كأن شيئا لم يكن .." لقد مسحته من حياتها و طهّرها المطر من أدرانه و بقيت ندبة صغيرة للذكرى فقط.
كتبتها سناء الخاني