مدخل إلى علم الاجتماع
إياد جميل دويكات
في أحد شوارع المدينة، طالب جامعي يحمل بيده كتابا غلافه أزرق اللون، وعلى ما يبدو من شكله الخارجي أنه منسوخ بدون مراعاة حقوق الطبع والنشر والتوزيع التي لا يهتم بها الكثيرون هنا. هذا الكتاب أعاد الذاكرة للوراء عقدين من الزمن، وكذلك رسم في مخيلتي ثلاث صور مختلفة لكل منها قصة. عنوان الكتاب هو "مدخل إلى علم الاجتماع" وهو يدرس في واحدة أو أكثر من جامعاتنا الفلسطينية لعقدين من الزمن إن لم يكن أكثر.

الصورة الأولى التي رسمها الكتاب هي صورة علم الاجتماع في عيون البعض حين استحدثت إدارة الجامعة برنامج علم الاجتماع على مستوى الشهادة الجامعية الأولى قبل حوالي ثلاثة عقود. ردة فعل البعص فورا كانت بتسمية البرنامج اهتهزاء بعلم "الجماع" باعتبار أن علم الاجتماع هو من العلوم التي لا تختلف عن علم ممارسة الجنس اللاشرعي، أو على أنه علم تنظيم العلاقات الجنسية حراما أو شرعا. ردة الفعل هذه في حينه، وما يشبهها من ردات فعل هذه الأيام، هي خير دليل على ما نعانيه من إنكار للفكر الآخر ومن إنغلاق وتمترس خلف أفكارنا تعنتا وتعصبا. نعم نحن بحاجة حتى لتعلم علم الجماع وليس فقط علم الاجتماع لإن الجماع الشرعي علاقة إنسانية مهمة ينتج عنها أسمى مخلوقات الله على الأرض. ولا ننسى أن الأديان والفلسفات المهمة على مستوى التاريخ الإنساني كلها تحدثت عن الجماع وعلومه، فلماذا نحط من قيمة علم الاجتماع بتسميته علم الجماع؟

الصورة الثانية هي صورة مناهج التعليم ومقرراته في جامعاتنا. قبل عقدين درست نفس المساق وبنفس الكتب وربما مع نفس المحاضر وفي نفس القاعة، وليس غريبا أن يكون الطالب الذي يحمل الكتاب قد جلس على نفس المقعد الذي جلست عليه قبل عقدين، مع احتمال شبه أكيد أن أسئلة الامتحانات تتكرر منذ عشرين عاما وتتكرر الإجابات الصحيحة منها والخطأ. لا ألوم إدارات الجامعات وحدها، فالأكاديميون أيضا يتحملون جزءا من المسؤولية بقبولهم بالأمر الواقع وتصرفهم "كموظفين" محدودي المسؤولية وتعاملهم مع مهنة التعليم في الجامعة بالحد الأدنى من الجهد. أقدر جميع الظروف المحيطة وأعرفها، ولكن معظم العملية في التخصصات الإنسانية تعتمد على المحاضر والطالب، مما يحد من تأثير غياب الموارد على تطور ونجاح العملية التعليمية. دور إدارة الجامعة يتركز في هذه الحالة في اعتماد معايير وسياسات جودة، ومراقبة مدى تنفيذ هذه المعايير والسياسات من قبل مختلف أطراف العملية في الجامعة. نتيجة لعدم تغيير الأدوات والأساليب، تجد مخرجات التعليم بنكهات قديمة، ويجد خريجو جامعاتنا أنفسهم في الصف الثاني والثالث والعاشر خلف خريجي جامعات الغرب والشرق عند التقدم للوظائف ولا سيما المهمة والرفيعة منها.

الصورة الثالثة هي صورة منسوخة بطريقة غير قانونية لكتاب يتم تصويره في مراكز الاستنساخ المنتشرة في داخل ومحيط جامعاتنا بدون أي اعتبار لقوانين النشر والتوزيع. لا أريد أن أكون مثاليا فأطالب بتطبيق معايير النسخ والتصوير المعمول بها في بريطانيا، بل أريد أن يكون للكتاب حيزا ولو صغيرا في حياتنا فكرا واستثمارا. حبذا لو تعمل الجامعات على نشر ثقافة اقتناء الكتب الأصلية بين الطلبة في الزمن الذي يستثمر فيه الطلية عشرات أضعاف أثمان الكتب في أجهزة المحمول، واستنزاف أثمان مئات الكتب في أثناء فترة الدراسة الجامعية على الرسائل القصيرة ومقاطع الفيديو والإكسسوارات وغيرها. أول ما يقوم به طلبة الجامعة بعد التخرج مع شديد الأسف، هو التخلص من هذه المستنسخات حرقا أو إتلافا أو تبرعا للجيل القادم، ومن النادر جدا أن تجد طالبا جامعيا قد أحرز ثروة من المقتنيات العلمية في أثناء دراسته الجامعية. هذه الصور الثلاثة هي هدية لكل طالب جامعي، وأكاديمي وجامعة ليس فقط في فلسطين بل في عالمنا العربي.


iyad@insan.ps
http://www.insan.ps/articledet.php?id=22