ن تاريخ الحركة النسائية
أولى مدارس البنات في مصر والشام
- تعتبر
- كان الطهطاوي أثقب نظراً من الشدياق في تعليم النساء.
- أكد الطهطاوي على تعلم النساء وأن بإمكانها العمل لو اضطرت.
- دعى الشدياق المرأة للتعليم لتفهم على زوجها المتعلم
تعتبر زينب فواز أول صوت نسائي دعى إلى مقاطعة البضائع الأجنبية، كما كان صوتها يدعو للمساواة بين الرجل والمرأة.
محمد عيد الخربوطلي
من الملفت للنظر أن أغلب الكتابات التي تعرضت للنهضة النسائية العربية، تبدأ عند قاسم أمين وكتابه – تحرير المرأة 1899 -، لكن إذا عدنا إلى ما قبل قاسم أمين وكتاباته، نجد كتابات – رفاعة رافع الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق – قد سبقته.
هذا الموقف جاء نتيجة طفرة فجائية تمثلت بقاسم أمين، لكن الغرابة أن نغفل الإرهاصات التي ظهرت ببلاد الشام، ومن ثم انتقلت إلى مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والتي اضطلع بها نساء وفتيات ورجال، في سبيل ما أطلق عليه وقتئذ ترقية حال المرأة.
وهذا لا يعني إغفال الدور الريادي الذي لعبه قاسم أمين، أو الدفعة التي أعطتها باحثة البادية ملك حفني ناصف لقضية المرأة العربية في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، فقد كان لها الفضل في نقل هذه القضية من موضوع نقاش يدور داخل الصالونات الأدبية وعلى صفحات الصحف، إلى مسألة مهمة، ويتحدث ويتناقش بشأنها كل رجل، وقاسم أمين بكتابيه تحرير المرأة والمرأة الجديدة استطاع أن يقفز بمشكلة المرأة قفزة هائلة إلى الأمام، حيث لم يتوقف عند الوضع الرهيب للتخلف الذي كانت تحياه النساء في ذلك الوقت فقط، وإنما مد بصره ليبحث في علاقة النساء بالبناء الاجتماعي والنظام السياسي، أي هناك تلازم بين الحالة السياسية والحالة العائلية، فشكل الحكومة يؤثر في الآداب المنزلية، والآداب المنزلية تؤثر في الهيئة الاجتماعية، ففي الشرق نجد المرأة في رق الرجل والرجل في رق الحكومة، وحيثما تتمتع النساء بحريتهن الشخصية، يتمتع الرجال بحريتهن السياسية، فالحالتان مرتبطتان ارتباطاً كليا، هذا الفهم مكن قاسم أمين من تقديم تحليل نفذ إلى صميم البناء الاجتماعي، مما أدى إلى إشعال موجة عارمة من الهجوم عليه.
بدايات تعليم البنات:
لقد وجد الرجل الشرقي أمامه صورة مغايرة، بل ومناقضة لصورة المرأة كما تعودها، كما وجد أمامه علاقته بين الرجل والمرأة تختلف اختلافاً جذرياً عما اعتاده في علاقته مع زوجته، أو قريباته، وكان من الممكن أن يتوقف الأمر عند هذا الحد لو بقي أمر الالتقاء أو الصدام محصوراً داخل دائرة أفراد الطبقة الحاكمة، إلا أننا نجد اهتمام محمد علي بالتعليم واعتماده على الخبرات الأجنبية في إقامة مؤسسة تعليمية جديدة، ثم اهتمامه بإيفاد البعثات إلى إيطاليا وفرنسا وإنكلترا والنمسا، قد أدى هذا بشكل عام إلى تكوين طبقة جديدة من المتعلمين، بدأت تبحث عن وسائل وشروط النهضة، ولعلها بما رأته أو تعلمته في أوروبا، أو بما تعلمته على أيدي الأجانب في مصر، ومن خلال علاقاتها بهم أخذت تبحث أيضاً عن النموذج الأنثوي المناسب للاقتران بالرجل المتعلم، وقد كانت هذه إحدى القضايا التي أثارها فيما بعد قاسم أمين في تحرير المرأة، والمهم هنا أن عملية المقارنة بين المجتمعين الأوروبي والشرقي بوجه عام شملت كل شيء، وأن الإحساس بوجود فجوة بين المجتمعين امتد لكل شيء، ولم يكن وضع المرأة بمنجاة من ذلك، ويمكننا القول أنه خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر بدأ يتكون رأي عام بين المتعلمين على الأقل، يدعو ولو بهدوء وعلى استحياء إلى ضرورة تغيير حال المرأة، ومن الطبيعي ألا يظهر هذا الرأي بشكل واضح في ظل مجتمع كانت أغلبيته تنظر إلى أي همسة للمرأة نظرة شك وارتياب، ولهذا كان أقصى ما يمكن طرحه في ذلك الوقت هو حديث رفاعة الطهطاوي في كتابه – تخليص الابريز 1834 – عن المرأة الفرنسية ومكانة الحب في المجتمع الباريسي، والمساواة بين الجنسين، أما أقصى ما يمكن الإقدام عليه في تلك الفترة تأسيس مدرسة لتعليم فنون الولادة، وهي المدرسة التي أنشأها محمد علي ولم يجد لها تلميذات إلا السودانيات والحبشيات، واستلم إدارتها رفاعة الطهطاوي فاستطاع أن يضع اللبنة الأولى في تعليم المرأة، في سنة –1842 – تعلمت فيها المرأة فن العلاج النسوي والتوليد، وكان لهن في هذا المجال مشفى خاص يحظين فيه بالدراسة العلمية والتمرين، وعلى الرغم من وسائل التشجيع التي اتخذت لدفع النساء إلى دخولها، مثل منحها رتبة – بكباشي – ولها حرية الدخول إلى قصور الوجوه والعظماء، فإن المصريات أعرضن عنها لأسباب تتعلق بتقاليد العصر، ولكن هذه المدرسة سبقتها مدرسة لتعليم البنات في بيروت سنة – 1834 – وكانت تتبع إرسالية تبشيرية أمريكية، وبعد عشر سنوات فتحت إحدى الإرساليات مدرسة لتعليم البنات في القاهرة، وشاركت في ذلك الوقت بمد حركة النهضة والحركة الوطنية بكثير من قادتها وعناصرها، وقد استفادت من المناخ العام الذي هيأه إبراهيم باشا الذي حاول تقليد والده في إرساء دعائم دولة حديثة ببلاد الشام أثناء حكمه لها من 1831 – 1840 وفي مصر ساعد سعيد باشا 1854 – 1863 علها نشر التعليم الأجنبي وإكماله ومحاربته للتعليم الوطني.
وجود هذه المدارس التبشيرية دفع الأهالي إلى فتح مدارس خاصة للبنات، وبدأ الاتجاه الصحيح نحو تعليمهن، وبدأت حركة منافسة بطيئة تظهر بين أهل الشام ومصر وبين البعثات والإرساليات، وبين الإرساليات نفسها، فنجد السيدة جشم آفت هانم الزوجة الثالثة للخديو إسماعيل تنشئ مدرسة السيوفية أو السنية – للبنات 1873 – وقد بدأت بحوالي 300 تلميذة، ومن ثم صار يتزايد العدد، وأسست إدارة الأوقاف مدرسة – القريبة 1875 – فوصل عدد التلميذات في المدرستين إلى حوالي 500 تلميذة، وفي نفس الوقت قام الأقباط في مصر بتأسيس مدرستين لتعليم الفتيات سنة 1876.
لكن الملاحظ أن عملية تعليم الفتيات اقتصرت على ما يخدم الرجل، ولم تخرج عما حدده أحمد فارس الشدياق ورفاعة الطهطاوي، فالشدياق في كتابه – الساق على الساق 1852 – لم يستطع التخلص من فكرة المرأة الأدنى درجة من الرجل، لحادثة جرت معه، ومع ذلك أباح لها تلقي بعض المعارف لكي يتمكن الرجل المتعلم من التحدث معها، أما الطهطاوي فكان أكثر جرأة من صاحبه، ففي كتابه – المرشد الأمين للبنات والبنين 1872 – تحدث عن أهمية تعليم الفتاة، وجدده في أمرين، الأول يساعدها لتصبح زوجة صالحة، وثانيها للقضاء على وقت الفراغ الذي هو مفسدة لها، ولكنه في ثنايا كتابه نجد أنه أعطى للتعليم أهمية أخطر حين جعله وسيلة تمكن المرأة من العمل لو اقتضاها الحال، ولا شك أنه كان أكثر اهتماماً بقضية المرأة من الشدياق لكنه كان يحرص على عدم خدش الشعور العام.
التعليم لبنات الذوات:
مما ينبغي ذكره أنه بالرغم من كل دعاوي التعليم للبنات، بقي مقتصراً في تلك المرحلة على الأسر المقربة من العائلة الحاكمة، وأسر كبار الموظفين المتنفذين، والأجانب المتمصرين، وكذلك كان الأمر في بلاد الشام، إذ اقتصر تعليم الفتيات على بنات الأسر الكبيرة والعائلات الحاكمة، أما السواد الأعظم من فتيات الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية فلم تكن لديهن أي حاجة للتفكير في التعليم، وكيف يفكرن بالتعليم وشباب طبقتهن لم يفكروا بعد بالتعليم.
المرأة تكتب عن قضيتها:
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وجد طبقة جديدة من المتعلمين والمتعلمات، مع العلم أن المجتمع مازال منقسماً إلى مجتمع رجالي وآخر نسائي، لكن صارت بعض النساء ممن يستطعن أن يفهمن على زواجهن وأحاديثهن عن النهضة، وصارت بعضهن يقرأن صحفاً أجنبية، وبعضهن استطعن الحديث عن دور المرأة في النهضة المنشودة، وأهم من كل ما مر أن نجد منهم من يمسكن بالقلم ويعبرن عن رغبتهن العارمة في رفع شأن المرأة بشكل عام.
وكانت البداية للعمل الصحفي النسائي في بلاد الشام، ففتحت المقتطف في أعدادها الأولى عندما كانت في بيروت 1876 أول صحيفة تفتح صحافتها للأقلام النسائية، فكن ينشرن مقالاتهن من غير توقيع أو تحت عنوان ترجمات من بعض الصحف الأجنبية، لأن المرأة، لم يكن لها الحق في التعبير عن أفكارها، ومما ساعد على تراجع هذا الدور وأدى إلى عدم وجود صحف ومجلات نسائية في بلاد الشام الفتن الطائفية وتقييد الحريات رغم وجود عدد من الكاتبات، فمن المعروف أن السلطان العثماني لم يسمح بإصدار أي مجلة أو صحيفة نسائية، وكان يعتبر ذلك خروجاً عن العادات الاجتماعية والدينية، كما كان يروج لـه رجال الدين الغير متنورين وكان محاطا ببعضهم، ولكن ماري عجمي أصدرت مجلة العروس 1910 بدمشق، ونجت من هذه القيود مريانا مراش فنشرت ديوانها الشعري – بتت فكر 1893 – وسمح لها لأنها مدحت فيه عبد الحميد حين صار سلطاناً كما هنأت والدته، ومدحت مدحت باشا والي حلب. هذه الظروف التي عصفت ببلاد الشام، خاصة بعد أحداث 1860، دفعت بالكثير من الأدباء والمفكرين بالهجرة إلى مصر، حيث المناخ العام يتمتع بحرية جيدة مقارنة لبلادهم، فعرفت مصر أسماء كبيرة مثل هند نوفل وزينب فواز العاملي وهنا كوراني والكسندره الخوري وكثيرات غيرهن كتبن في الصحف المصرية واصدرن صحفاً نسائية خاصة، وبدأن يتحدثن عن دور المرأة في المجتمع وتطوره وتقدمه.
دور الصحافة النسائية:
الصحافة هي أفضل وسيلة لمخاطبة الرأي العام، وهكذا كانت في نهاية القرن التاسع عشر، لذلك ارتبط أسماء رواد النهضة بكل اتجاهاتهم بأسماء الصحف، ومن الطبيعي أن تهتم الكاتبات لعرض قضاياهن بالكلمة المطبوعة والمقروءة، فاقتصرن دعوتهن في كتابة المقالات وإصدار الصحف، مع الأحاديث التي كانت تدار في الصالونات الأدبية، وقد بدأت الصحف تفتح صفحاتها للأقلام النسائية في أواخر القرن التاسع عشر مثل المؤيد والهلال والنيل والأهالي والمقتطف في مصر، وصحيفة لبنان في بلاد الشام، لكن الخطوة الجريئة كانت في إصدار الصحف النسائية الخاصة، فأصدرت الكسندره دي آفرينوه، واستير مويال العائلة، وأصدر سليم سركيس مرآة الحسناء 1896 باسم مستعار وهو مريم مظهر.
وفي بداية القرن العشرين زادت هذه الصحف فصدر من عام 1901 حتى 1915 حوالي خمسة عشر مجلة نسائية، منها عشر مجلات أصدرتها نساء.
شهدت هذه الصحف والمجلات معارك ومناقشات دارت معظمها حول مسألة تعليم المرأة، وقضية الحجاب لم يغامر أي قلم نسائي أو رجالي بها، وذلك لأنها تخاف الرجل من طلبات النساء، لأنهن كن يتحركن في حمايته وبتشجيعه، لذلك اعتمدت على التعليم لتوفير الزوجة المثالية للرجل، وإذا كتبت وتحدثت عن الحب فهو لأجل الرجل ليجد من تبادله الحب بشكل علمي صحيح.
طريقان متناقضان:
المتأمل لحركة المرأة في تلك المرحلة يجد أن تحركها كان في اتجاهين:
الأول: اتجاه نحو تقليد الغرب، ويرى أن ترقية المرأة العربية والشرقية لن يكون إلا بأن تصبح مثل مثيلتها الغربية.
الثاني: اتجاه تمثله زينب فواز 1860 – 1914 فقد رفضت منطلق الاتجاه السابق، واتجه إلى البحث عن التجديد من خلال تطوير الذات، ولزينب فواز عدة مواقف وآراء أدت بها إلى الدخول في عدة معارك، فهي لم تتوقف عند قضية المرأة، إنما امتدت إلى القضية الوطنية، فتعتبر زينب فواز أول صوت نسائي يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة، كما أنها من ناحية أخرى مثلت أول صوت نسائي دعى إلى مقاومة الاحتلال، فدعت النساء إلى مقاطعة البضائع الأجنبية، ودعت الرجال إلى تكوين أحزاب ليناضلوا ويدافعوا عن حقوقهم، فكانت دعوتها كما قيل عنها – راديكالية أكثر منها إصلاحية – .