من بيان سورة الفاتحة
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد :
فلقد حرصت ـ من خلال هذا التفسير ـ على إظهار دلالة الحديث النبوي في وصف الفاتحة بأنها أم الكتاب، إذ تبينت من ذلك ولله الحمد قبل عشر سنوات تتبعت فيها الكتاب المنزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم كلمة كلمة، معنى معنى، دلالة دلالة، وتمكنت من إثبات حقيقة عجيبة هي أن الفاتحة تحوي معاني ودلالات القرآن كله الموجود بين دفتي المصحف العثماني، وبصيغة أخرى فما من معنى ولا دلالة إلا وفي الفاتحة أصلها وتأصيلها بل وتفصيلها وبصيغة أخرى سيدرك الباحثون المتفرغون لدراسة القرآن أنه حوى الكتب المنزلة قبله وهي التوراة والإنجيل والصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى إذ استنبطت نصوص كل منها من القرآن دون زيادة مني ولا تفسير ولا تأويل وإنما بتأصيل أصلته فإذا به يطرد لا ينخرم، وحوى القرآن كذلك جميع ما أوحى الله إلى النبيين والرسل من قبل ـ كما استنبطت ذلك أيضا من القرآن أي منه وحده دونما زيادة مني ولا تأويل، وحوت الفاتحة ذلك كله أي أن الكتاب المنزل كله مختصر في سورة الفاتحة المعلومة المقروءة في الصلاة وغيرها بآياتها السبع.
ورحم الله أختكم ـ يا أهل شبكة القراءات ـ نسيت اسمها التي توفيت في حادثة انفجار صهريج الغاز في الرياض فلقد كان للوفية ارتقاء الفضل في كتابة هذا الموضوع تفسير سورة الفاتحة .
حرف الباء: تعددت معانيه: فمنها بيان القصد والنية كالابتداء باسم الله الذي شرع الطاعة.
ـ ومنها الاستعانة كالاستعانة بالله والاستعاذة به وكغرفة باليد.
ومنها التعليل والسببية كما في قوله ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾ البقرة، وقوله ﴿فَيَقُولُونَ مَا ذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ البقرة، وعاقب الله في الدنيا الذين ظلموا بظلمهم وبما كانوا يفسقون وبعصيانهم وعدوانهم، وأخذت العزة بالإثم ألدّ الخصام، وأخذ الله بالعذاب في الدنيا قوما بذنوبهم وسيوبقهم بسبب كفرهم وتكذيبهم بعذاب جهنم في اليوم الآخر.
ـ ومنها الشمول والكلية كما في قوله ﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ البقرة، أي لم يُبْقِ لهم شيئا من الإبصار، وقوله ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ أي بالغيب كله لا يستثنون منه شيئا وهو كل ما وعد الله به في الكتاب المنزل، وكذلك دلالة التكليف بالإيمان بما أنزل إلى النبي الأمي وبالكتاب كله، وبالإيمان باليوم الآخر وبالملائكة والكتب المنزلة وبالرسل وبالقدر، وكذلك دلالة أن الله بكل شيء عليم وبصير وخبير، ولقد أنبأ آدمُ الملائكة بجميع أسماء المخلصين، وعلم إبليس أنه يومئذ لا سلطان له عليهم.
ـ ومنها العوض كالذين يشترون بأيمانهم وبآيات الله ثمنا قليلا أي يبيعونها به ويتبدلون الكفر بالإيمان
ـ ومنها التكافؤ كما في قوله ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ البقرة، يعني إبطال ما تعارف عليه أهل الجاهلية من باطل ومنه رفع الحر عن المؤاخذة بجريرته ووضع الأنثى والعبد عن المؤاخذة، وأقرّ القرآن أن الحرّ مأخوذ بجريرة الحرّ وكذا الأنثى وكذا العبد كل مأخوذ بجريرة نفسه وكذلك كلية ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الأنعام، وكما في قوله ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ البقرة، أي أن لجماعة المسلمين رد الاعتداء بمثله فإن كان في الأشهر الحرم فليعتدوا فيها كما اعتدي عليهم فيها.
ـ ومنها المصاحبة والملازمة كقوله ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ البقرة، أي مستصحبا العدل في كل صغيرة وكبيرة، وقوله ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ البقرة، وكذا التسبيح بحمد الله كتكليف النبي الأمي بالتسبيح مستصحبا نعم الله الظاهرة والباطنة التي أتمها عليه وكذا التسريح بإحسان وإيتائهن بالمعروف.
ـ ومنها الجزئية كما في قوله ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ في سياق الوعد بالمحاسبة ونفي أي جزء أو نوع من الغفلة عما قدّم المبطلون من أعمال في الدنيا، وكالإيمان ببعض الكتاب أي بالتوراة وحدها أو بالإنجيل والتوراة، ذلكم أن الكتاب وِحدة متكاملة بعضه في صحف إبراهيم وموسى وبعضه في التوراة وبعضه في الإنجيل وبعضه في القرآن المنزل على النبي الأمي وقد أمر الله أن يوصل بعضه ببعض وإن منه قوله ﴿فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ عبس.
وكثرت تعدية بعض الكلمات بالباء فاختلفت الدلالة كتعدية الإيمان بالباء وباللام وشتّان ما بينهما لدلالة تعديتها بالباء على الغيب المنتظر ودلالة تعديتها باللام على التصديق من المعاصر، وبينته تفصيلا في كل موضع من القرآن حسب مواضعه في المعجم.
ويأتي في مادة اسم بيان الفرق بين الشروع في عبادة وتكليف باسم الله وبين الإتيان بها وتمثّلها باسم ربنا تمثّلا لا يملك العبد خلافه ولا يستطيعه.
الاسم هو مجموعة من الحروف للدلالة على مُسمًّى يتميز به عن غيره، والاسم غير المسمى، ولقد احترقت أسماء مرقومة في الورق وبقي المسمى سالما لم يتأثر، وكم مسمّى مات ولا يزال اسمه حيّا يتحدث الناس به يذكرونه بخير أو بشرّ.
وتضمن الكتاب المنزل أسماء بعض الملائكة كجبريل وميكال وكذا مالك أمير خزنة جهنم.
ولقد صور الله جميع بني آدم قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم كما هي دلالة قوله ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ الأعراف، وعلّم رب العالمين عبده آدم أسماء المصطفيْنَ المخلصين من ذريته، وعرض صورهم على الملائكة فلم يعلموا أسماءهم وأنبأ آدمُ الملائكةَ بأسماء المصطفين المخلصين من ذرية آدم ثم وقع تكليف الملائكة بالسجود لآدم، وسجد الملائكة كلهم أجمعون، وسجد بسجود الملائكة من دونهم من المخلوقات، لأن خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة كما أصّلت في تأصيلي الجديد للفقه، ويعني أن جميع المخلوقات سجدوا ولم يشذّ منهم غيرُ الجنيّ إبليسُ.
ومن تلك الأسماء إسحاقُ ويعقوبُ بشّرت بهما الملائكة إبراهيم وزوجته، ومنها يحيى بشّرت به الملائكة زكريا ومنها عيسى بشّرت به الملائكة مريم وهم الذين قالوا ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ البقرة، وبشّر يوسف بموسى وأنزل الله في التوراة والإنجيل البشارة بمحمد الأميّ.
وتضمن الكتاب المنزل من أسماء الرسل والنبيين ومن أسماء بعض الصالحين وبعض المبطلين وبعض الأصنام.
وإن لله ربنا أسماءً وصفت بالحُسْنَى في الأعراف وطه والحشر والإسراء، وتعني دلالة وصفها بالحسنى أن كلا منها قد تضمن وعدا حسنا سيقع نفاذه إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وهو الميعاد والله لا يخلف الميعاد.
وإن الوعد غير المكذوب كما في قوله ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ هود، هو الوعد الحسن كما في قوله ﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ﴾ القصص، وكما في قوله ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ طه.
ووقع الوصف بالحَسَنِ على الوعد الـمُذَكَّر، ووقع الوصف بالحسنى على الكلمات وعلى الأسماء ليتفق الوصف مع الموصوف.
وإن قوله ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ القصص، لمن الوعد الحسن أي غير المكذوب، وقد وقع لـمّا وافق الأجل الذي جعل الله له كما في قوله ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا التِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَونُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ الأعراف، ويعني أن كلمة ربنا الحسنى التي تمت أي نفذت هي وعده المذكور في سورة القصص.
وكلّف الله عباده أن يدعوه بأسمائه الحسنى وحذّر في سورة الأعراف من الإلحاد فيها ووعد بحساب الملحدين فيها على إلحادهم، وتضمنت سورة الحشر نماذج منها تقاربت دلالاتها ومعانيها مما يهدي إلى ترتيبها.
أما إحصاؤها فلهو الحمل الثقيل والعمل الصالح الذي تقاصرت قبل إتمامه الجهود رغم الجائزة الكبرى التي أعلنها النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أبي هريرة مرفوعا: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" متفق عليه.
وإن عدم تبيان النبيّ صلى الله عليه وسلم الأسماء الحسنى واحدا تلو الآخر حتى يكمل إحصاء تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا ليذكّرنا بمثل صنيعه بالقرآن إذ بَيَّن للناس ما نُزِّل إليهم وهو القرآن وترك الأمةَ مكلفةً بتدبّره وبالاهتداء به.
وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم قد بيّن معاني القرآن ودلالاته كلها ويستشهدون بقوله تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النحل.
وإنما بيّن النبي الأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما أنزل عليه بعض من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله ﴿ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وبالتدبر.
ومن زعم أن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم قد بيّن القرآن أي فسّره كله فليأتنا على سبيل المثال لا الحصر بما بيّن به النبي صلى الله عليه وسلم الفواتح وهي مما نزّل إلى الناس من القرآن ومما كلفوا أن يتدبروه.
إن تدبر القرآن واستنباط ما فيه من معاني ودلالات وهداية إلى الرشد وإلى التي هي أقوم لهي المسابقة إلى الخيرات المأمور بها في القرآن كما في سورة المائدة.
وهنيئا للذي يسبق الناس إلى الكشف عن كنز القرآن ليفتح على الناس فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم، ذلكم السابق ليرفعنّه رفيع الدرجات ذو العرش ولهو الأحسن عملا ـ منذ فتح باب المسابقة بموت النبي صلى الله عليه وسلم أي بانقضاء تنزل القرآن ـ ذلكم الأحسن عملا الموعود في القرآن بحسنة في الأولى وفي الأخرى كما في سورة الملك وهود والكهف.
وكذلك مسابقة إحصاء الأسماء الحسنى هي مسابقة أخرى كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من أحصاها دخل الجنة".
ولقد كان إحصاء الأسماء الحسنى ودرايتها والدعاء بها قبل هذا الحديث النبوي مما كلفت به الأمة في القرآن ولكن النبي الأمي صلى الله عليه وسلم حريص على المؤمنين وبهم رءوف رحيم دفعهم دفعا وشجعهم ليأخذوا الكتاب بقوة ليستنبطوا منه الأسماء الحسنى.
ولقد تكلف بعض رواة الحديث إحصاءها دون استقراء مؤصل أو ضابط متفق عليه فأدرجوا فيها ما لا يسلم من الملاحظات.
ولا خلاف في أن إدراج الأسماء في الحديث النبوي إنما هو من اجتهاد الرواة وتأويلهم.
وهكذا أدرج فيها أحد رجال الترمذي هو الوليد بن مسلم القرشي (ت195هـ) أسماء منها: الخافضُ الرَّافِعُ المعزُّ المذِل العَدْلُ الجَلِيلُ البَاعِثُ المُحْصِي المُبْدِئ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَالِي المنتَقِمُ المُقْسِط الجَامِعُ المُغْنِي المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الرَّشِيدُ الصَّبُور.
ومن بعده أدرج فيها الترمذي أسماء منها: القَابِضُ البَاسِطُ الحَكَمُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الرَّقِيبُ الْوَاسِعُ الشَّهِيدُ الوَكِيلُ المُبْدِئ المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ.
وأدرج فيها أحد رجال ابن ماجه هو عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ أسماء منها: الْبَارُّ الْجَلِيلُ الْمَاجِدُ الْوَاجِدُ الْوَالِي الرَّاشِدُ الْبُرْهَانُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْبَاعِثُ الشَّدِيدُ الضَّارُّ النَّافِعُ الْبَاقِي الْوَاقِي الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ الْمُقْسِطُ ذُو الْقُوَّةِ الْقَائِمُ الدَّائِمُ الْحَافِظُ الْفَاطِرُ السَّامِعُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ الْمَانِعُ الْجَامِعُ الْهَادِي الْكَافِي الأَبَدُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ النُّورُ الْمُنِيرُ التَّامُّ الْقَدِيمُ.
وأدرج فيها عبد العزيز بن حصين بن الترجمان أحد سلسلة الحاكم أسماء منها: الحنان البديع المبدئ المعيد النور الكافي الباقي المغيث الدائم ذو الجلال والإكرام الباعث المحيي المميت الصادق القديم الفاطر العلام المدبر الهادي الرفيع ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل الجليل البادي المحيط .
وأدرج فيها الحاكم أسماء منها : الإله الواسع الحنان المنان البديع المبدئ المعيد النور الكافي الباقي الوكيل المغيث الدائم المولى النصير الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ القريب الرقيب القديم الوتر الفاطر المليك المدبر المالك الهادي الشاكر الرفيع الشهيد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الكفيل الجليل .
وقد أكمل البيهقي بأربعة أسماء خمسة وتسعين اسما اقتصر عليها الحاكم ومما أدرجه البيهقي من الأسماء : البادي المحيط .
وكذلك كان للمتأخرين كابن عثيمين والعباد والغصن محاولات كالتي حاولها من تقدمهم.
ولا تأصيل لهذا الجمع وإنما هو اجتهاد من ذُكِروا، وأسأل الله أن يجزيهم أجر الاجتهاد، وإنما العلم عند الله.
ولقد استنبطت بالاستقراء من الكتاب المنزل تأصيلا جديدا هو كالتالي:
أولا: الأسماء الحسنى التي سمّى الله بها نفسه في الكتاب المنزل وجميعها مسبوق بـ ﴿أنا﴾ في سياق كلام الله مع رسله كما في قوله ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ﴾ طـه
ثانيا: أن يتضمنها الكتاب المنزل وصفا لربنا أو وصفا لله متصلا بالموصوف في سياق إخباره عن نفسه كما في قوله:
ـ ﴿يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ الجمعة
ـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ الأعلى
ـ ﴿وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ محمد
ويعني أن كلا من الملك القدّوس العزيز الحكيم الأعلى الغنيّ اسم من الأسماء الحسنى.
ثالثا: أن يتضمنها الكتاب المنزل وصفا لربنا أو وصفا لله مفصولا ب ﴿هو﴾ في سياق إخبار الله عن نفسه كما في قوله:
ـ ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ الملك
ـ ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُوُد﴾ البروج
ـ ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ الذاريات
ويعني أن كلا من العزيز الغفور الودود الرزاق اسم من الأسماء الحسنى.
رابعا: أن يتضمنها الكتاب المنزل وصفا لربنا أو وصفا الله في سياق إخبار الملائكة عن ربهم كما في قوله ﴿قَالُوا مَا ذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ سبأ
ويعني أن كلا من العلي الكبير اسم من الأسماء الحسنى.
خامسا : أن يتضمنها الكتاب المنزل وصفا لربنا أو وصفا الله في سياق إخبار الرسل والنبيين عن ربهم كما في قوله:
ـ ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾
ـ ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
ويعني أن كلا من التواب الرحيم السميع العليم اسم من الأسماء الحسنى.
قلت : وهكذا لا نتقوّلُ على الله بل نعتصم بحبل الله فنحصي الأسماء الحسنى بما تضمنه الكتاب المنزل على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى الناس ولعلهم يتفكرون.
وسنأتي على ذكر ما تضمنته الأحاديث النبوية الصحيحة ولم يتضمنه الكتاب المنزل.
وبينت كلا منها في موضعه من المعجم.
﴿بسم الله﴾
إن قوله ﴿بِسْمِ اللهِ﴾ حيث وقع في الكتاب المنزل فإنما هو للدلالة على عبادة وتكليف من الله يجب أن يقوم به المكلف العابد مستعينا ومبتدئا باسم الله الذي شرع له ذلك الفعل ومخلِصا له فيه من غير إشراك معه وكما بدأ طاعته بإعلان أنها باسم الله المعبود الذي شرعها له.
وركب نوح ومن معه في السفينة كما في قوله ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاسْمِ اللهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ هود، فأطاع أمر الله حين أوحي إليه قوله ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ﴾ هود.
ولم يحل من الذبائح والصيد البري إلا ما ذُكِر اسم الله عليه كما في المائدة وتكرر في الأنعام والحج.
إن حرف الأنعام ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الأنعام، ليعني أن إزهاق الحياة في الطير والدواب إنما يجب أن يكون باسم الله الذي شرع لنا أكلها لنحيى ونقوى على العبادة، أما ما لم يذكر اسم الله عليه منها مجردا من هذا القصد والنية فهو فسق خرج به الإنسان عن الوحي الذي جاء به النبيون وعن مقتضى العبودية إلى المعصية والعبث فحرم على المسلمين أكله، ولئن كان النهي عن الأكل من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي منها بإنهار دمه وذكر اسم الله عليه فما ظنك بقتل الصحيح من الطير والأنعام عبثا وما ظنك بقتل الإنسان إذا لم يكن من المكلف به طاعة لله ورسوله.
إن الذي يقول "باسم الله" قبل طعامه وشرابه المباح قد أطاع الله في قوله ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ الأعراف.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويأكل الخنزير والميتة والدم غير مضطر فقد افترى على الله كذبا وادعى أن الله قد شرع ذلك.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويطأ زوجته قد أطاع الله في قوله ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرُ مُسَافِحِينَ﴾ النساء، فهي كلمة الله التي تُسْتَحَلُّ بها فروجُ النساء.
وإن الذي يقول "باسم الله" ويزني قد افترى على الله وادعى أن الله شرع له الزنا وكلّفه به وما أشبهه بسلفه من القرامطة الذين كانوا يقرأون القرآن لابتداء الليالي الحمراء فإذا سكت القارئ أطفئت المصابيح ووقع كل رجل على من تقع يده عليها ولو كانت أخته أو أمه كما سنّه عليٌّ ابن الفضل الجدني القرمطي في آخر القرن الثالث الهجري في اليمن واتبعه الإذاعات والتلفزيونات التي تبتدئ برامجها بتلاوة القرآن وتختتمها بها ويشيعون عبر الأثير الفواحش والزور وما يفتن المسلم عن دينه من مسلسلات ساقطة.
إن قوله ﴿باسم الله﴾ ليعني أن قائلها ككاتبها يشهد على نفسه ويقر بأنه يبتدئ فعلا هو من تكليف الله تماما كما تعني رسالة سليمان إلى ملكة سبإ والملإ معها من قومها ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَــــنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ النمل، أن سليمان رسول الله إلى الناس وأن كتابه هذا هو من رسالته إليهم وهم أعم من بني إسرائيل فزيادة التكليف بقدر زيادة التمكين كما بينت في بحثي "فقه المرحلة"، وتعني كذلك ما أصّلته من أصول فقه أن خطاب الأعلى يشمل من دونه رتبة، وكذلك خطاب ملكة سبإ شمل من دونها رتبة من القادة والوزراء.
أما تعلق التكليف باسم ربنا فيعني أن المكلف به لا يملك خيار المعصية ولا يطيقه بل سيتم تمثله تمثلا خارقا معجزا كما في قوله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلَقَ﴾ ويعني أن قراءة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم القرآن من أوله إلى آخره كما نزّله جبريل على قلبه هي خارقة معجزة لا يقدر على مثلها لنفسه أحد من العالمين وإنما تمت باسم ربه الذي خلق كما أن خلق الإنسان من علق لا يقدر عليه غير ربه.
ولا مبالغة بل لو أبدل النبي الأمي صلى الله عليه وسلم اسما من أسماء الله الحسنى بآخر منها أو حرفا بآخر ولو كان من فواتح السور التسع والعشرين لانخرمت المثاني في الكتاب ولفسد نظم الكلام ومعناه، ولوقع فيه اختلاف كثير كما أثبته في تفسيري، ولبطل وصف البدل بأنه من كلام الله.
إن القرآن هو من عند الله وإنما محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله به وخاتم النبيين بلّغ وحيَ الله ولم يزده حرفا أو ينقصه منه رغم أنه كان أميّا لا علم له بالكتاب والإيمان قبل نزول الوحي عليه كما في قوله ﴿بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ يوسف، ومن المثاني معه قوله ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ الشورى.
وكانت قراءة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم قد تمت باسم ربه لأنها خارقة معجزة، وكانت قراءة القرآن بعدها غير خارقة فابتدئت الفاتحة كما السور بقوله ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ وتعني أنها كسائر العبادات يسع كلا طاعتها وعصيانها، وعلى الذي أنعم الله عليه بالطاعة أن يضمر في نفسه فعل "أقرأ أو أتلو القرآن " أي طاعة لله الذي كلفه واستعانة منه.