الانترنت لم تغير فقط وجه الاقتصاد والتعليم والسياحة والتواصل بين الناس؛ بلوأنشأت أكبر مجتمع للأكاذيب وخلق الأساطير وسوق من الترهات عظيم .. يكفي أن تطلقكذبة أو تفبرك قصة فتنتشر في كل أنحاء العالم خلال 24 ساعة.
فالتوسع المدهش للشبكة،وانتقال موادها بسرعة الضوء تجاوز حتى احتمال تضاعفها بطريقة مركبة (بحيث تفوقت علىماحدث مع مخترع الشطرنج الذي وضع على أول مربع حبة أرز ضاعفها في المربعات التالية؛وفي آخر مربع لم يكفه أرز الهند كله).. فالتقاطعات الهائلة لشبكة الانترنت أتاحتلأي شخص بعث الأكذوبة أو المعلومة الخاطئة إلى عشرة وعشرين مستخدم ، وحين يستلمهاأحد هؤلاء يرسلها بدوره إلى عشرة وعشرين آخرين (وبالتالي تنتشر الأكاذيب بطريقة 10، 100، 1000 ،10000 حتى تصل إلى "مليار" شخص بعد عاشر مرحلة فقط)!
ولهذا السبب أصبح بإمكان أي أكذوبة تطلق في روسيا أن تعم 160 دولة بنهاية أيأسبوع.. وبإمكان "ادعاء مجهول المصدر" أن يصلك خلال أسبوع من 40 مصدرا موثوقا فلاتملك في النهاية غير تصديقه...
وحين أعود بذاكرتي إلى الوراء أتذكر ادعاءات وأكاذيب كثيرة انتشرت عبر الانترنتبعضها ساذج يمكن فضحه بسهولة، والآخر يبدو رصيناً أو مكتوباً بطريقة علمية ماكرة..
فهناك مثلا رسالة إليكترونية دخلت كمبيوترات العالم مفادها أن المطاعم السريعةتجري تغييرات وراثية على الأبقار والدجاج لخلق أنواع تملك أكبر قدر من العضلاتوبدون أي عظام .. وحين قرأت الرسالة (التي يزعم صاحبها أنها صادرة من قسم الحيوانفي جامعة أيوا) صدقت بإمكانية زيادة كتلة العضلات ولكنني عرفت أنها مختلقة حين وصلتإلى كلمة "بدون عظام" (وذلك لاستحالة تخلق أو عيش أي حيوان فقري بدون عظام أو عامودفقري)!!
... أيضا سبق وقرأت تحذيرا (دار العالم عدة مرات) مفاده أن شركة ديل للكمبيوتراتوضعت في موديلاتها الجديدة برنامج تجسس يدعىKeyLogger يرسل بيانات المستخدمينمباشرة إلى الجهات الأمنية في الولايات المتحدة .. ورغم أن البرنامج ذاته معروف(ويستعمله الهكرة) ويتجسس على ما يكتبه الأفراد برصد "الأزارير" التي يضغطونها ،إلا أن شركة ديل ردت بحملة مضادة كذبت فيها هذا الادعاء وقدمت "مليون دولار" لأيمستخدم يثبت وجود هذا البرنامج في جهازه !!
... أيضا هناك شائعة انتشرت عبر الانترنت وتسببت بضربة موجعة لصناعة الشامبو فيمعظم دول العالم. فحسب مسؤول صحي في دائرة الغذاء والدواء الأمريكية (لا أحد يعرفاسمه أو صورته) تتضمن أنواع الشامبو الحديثة مادة تدعى Sodium Laurent Sulfate تسببسرطان الجلد. وقد صيغت الرسالة بطريقة ماكرة وخبيثة كون المادة موجودة فعلا فيالشامبو (بل وحتى الصابون) ويمكن لأي إنسان قراءتها على العلبة الخارجية . ولكنالحقيقة هي أن المادة ذاتها مسالمة! ومحايدة وتدخل ضمن صناعة الصوابين منذ خمسةآلاف عام !!
... وفي الحقيقة ؛ لا أحد ينكر أن الانترنت أصبحت من ضرورات الحياة الحديثة، إلاأن تضمنها هذا القدر من الأكاذيب والادعاءات (ناهيك عن الاحتيالات المالية وفضحالأسرار الشخصية) خلق شعورا بضعف مصداقيتها والتردد في التعامل معها والخوف منالتضرر بسببها.. غير أن خللا كهذا يمكن تجاوزه بامتلاك المستخدم عقلا ناقدا (لايصدق كل ما يقرأ) وشكا دائما (في أي عرض مغر) وكبحا للفضول (تجاه فتح الرسائلوالمواقع المشبوهة) وأيضا حسن نية (كأن ترى وجه أحد "الكتاب" مركبا على جسد عارلايخصه...)!!
وكلمة حق أقولها جادا:
حتى وقت قريب كانت (الأمية) تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة ؛ ولكن الأميةالحديثة في نظري تعني عدم القدرة على استعمال الكمبيوتر والاستفادة من (الإنترنت) !!
فهل أستفدت عزيزي القارئ من الأنترنت والكمبيوتر بشكل
صحيح !!!
أتمنى أن تكون كذلك ...
منقول للفائدة