حول رؤية الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان للمصالحة/ مصطفى ابراهيم
30/10/2017
من خلال مسؤولياتها ودورها المنوط بها وإيمانها بتحقيق المصالحة الفلسطينية، قدمت الهيئة المستقلة لحقوق الانسان خلال الأيام الماضية رؤية قانونية طموحة ومتفائلة للخروج من حالة الضعف والتشرذم وتغول وسيطرة سلطات الإحتلال على مقدرات الشعب الفلسطيني واستمرار عمليات التهويد والاستيطان وإنكارها لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
جاءت رؤية الهيئة بوضع آليات التحول نحو المصالحة الفلسطينية في وقت يعلق فيه المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة آمالاً عالية ويحذوهم تفاؤل كبير وأحلام أكبر في إنجاز المصالحة، وغير مستعدين لسماع أي نقد لاتفاق المصالحة وبطئ سير تنفيذ الإتفاق أو حتى مطالبة الرئيس بالتراجع عن الإجراءات التي أتخذها للضغط على حركة حماس حل اللجنة الإدارية، لدرجة أنهم يتغاضوا عن حقوقهم الأساسية من أجل ذلك. ولم يعنيهم حقوق الإنسان وايجاد ضمانات الإصلاح المؤسسي والوصول للعدالة.
المواطنون متمسكون بالمصالحة وإنجاحها، من دون إتخاذ خطوات رقابة مدنية وشعبية حقيقية على الأرض والاستمرار في الضغط على طرفي الانقسام من أجل ضمان سيرها بالاتجاه الصحيح المتوافق مع المدخل الحقيقي لقواعد العدالة.
وعلى الرغم من أن القضية الاساس سياسية وتتعلق بالمشروع الوطني وان الخلاف سياسي وأزمة النظام السياسي الفلسطيني بنيوية والإنقسام ضرب التركيب الإجتماعي والإقتصادي للفلسطينيين، فالتأسيس للمصالحة وإستعادة الوحدة الوطنية يكون بإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني برمته من أجل إعادة الإعتبار للمشروع الوطني. ورؤية الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان مكملة للجانب السياسي ومن الضروري العمل عليه لبناء مؤسسات السلطة الفلسطينية وهي مقدمة لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، ولا يمكن أن يكتمل دون معالجة الجانب الحقوقي، وإيجاد حلول مناسبة لكافة الملفات التي ترتبت على حالة الانقسام.
وعند النظر في الرؤية التي قدمتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان من خلال دعوتها الحكومة الفلسطينية لتطبيق جاد في قطاع غزة موازي للضفة الغربية بشأن أجندة السياسات الوطنية 2017- 2022، نجد ان هذه الأوليات من الممكن ان تكون برنامج عمل وعنوان من عناوين فكفكة أزمة النظام السياسي الفلسطيني، وهذه الاولويات تتلخص في تجسيد الدولة المستقلة وانهاء الاحتلال، والوحدة الوطنية، وتعزيز المكانة الدولية لدولة فلسطين، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وتعليم جيد وشامل للجميع، ورعاية صحية شاملة ذات جودة ومتاحة للجميع، ومجتمع قادر على الصمود والتنمية، وان يتم توفير الموازنات اللازمة لشمول قطاع غزة في تنفيذ اجندة السياسات الوطنية.
ومن أجل ضمان طي صفحة الماضي وفق معايير وضوابط وطنية وقانونية، ولإنجاح جهود المصالحة الفلسطينية وللمساعدة في تعزيز الحريات وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وضمان عدم خلق الفرصة لتكرار حالة الانقسام، عند اتخاذ القرارات والسياسات والتدابير، يجب احترام القوانين الوطنية الدولية لحقوق الإنسان واعتبارها معاييراً وإطاراً يجب الالتزام به، وأن يكون الهدف الرئيسي أثناء صياغة التوافقات الوفاء بمبادئ حقوق الإنسان، والتزام أصحاب الواجب (الحكومة بأجهزتها المختلفة) بواجباتهم اتجاه أصحاب الحقوق (المواطنين وضحايا الانقسام)، ورسم سياسات تضمن عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان.
كما تضمنت رؤية الهيئة ضرورة قيام حكومة الوفاق الوطني بالعمل الفوري على حل المشكلات ذات الطابع المدني والسياسي، وتسوية ملفات الاعتقال السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلغاء القرارات الوزارية التي قيدت الحق في تشكيل الجمعيات والشركات غير الربحية خلال سنوات الانقسام، مراجعة سياسية منح حسن السلوك والتي استخدمت على نطاق واسع في الضفة الغربية لحرمان معارضين سياسيين من ممارسة حقوقهم السياسية او تقلد الوظائف العامة.
وضمان حق المواطنين في المشاركة السياسية، والتوافق على نظام انتخابي، وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية..
كما تطرقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في رؤيتها الى ضرورة إنشاء هيئة مستقلة “هيئة الإنصاف والمصالحة” وتؤدي هذه الهيئة دورها كلجنة الحقيقة وفق مفاهيم ورؤية العدالة الانتقالية عبر العالم، وتختص هيئة الإنصاف والمصالحة في التقييم والبحث والتحري واقتراح التوصيات، وتسعي إلى البت في طلبات التعويض التي يقدمها الأفراد، وينحصر عملها في الانتهاكات لحقوق الإنسان، وتؤدي أعمالها خلال نطاق زمني محدد، ويتم تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة بقانون، يحدد اختصاصاتها وتشكيلها وآليات عملها، ويوفر لها ضمانات الاستقلال وسرعة الإنجاز.
إيجاد حلول جذرية وخلال فترة معقولة للمشكلات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي نتجت عن الانقسام الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، كمشكلة انقطاع التيار الكهرباء، وتوفير وقود الطاقة، وتوفير المتطلبات الضرورية للحق في الصحة، وتوفير الأدوية وإنهاء مشكلة العلاج في الخارج، وتطوير القوائم الطبية، وتوفير الاحتياجات الضرورية للحق في التعليم.
ومن أجل دعم وتعزيز المصالحة وترويج الهيئة لرؤيتها عقدت الهيئة لقاءات مهمة مع قادة الفصائل في اجتماعات منفردة واجتماعات موسعة لضمان الأخذ بما جاء فيها ولاقت ترحيب كبير من الفصائل الفلسطينية، كما ستعقد لقاءات واجتماعات مع منظمات المجتمع المدني لتشكيل جسم رقابي مدني داعم لاتفاقيات المصالحة وإنهاء الإنقسام وبناء توافق وحوار مكثف بين الأطراف بشأن الإصلاحات الواجب اتباعها من حيث طبيعتها وسرعتها.