التلاعب بالدين الإسلامي
بروفيسور عبد الستار قاسم
19/نيسان/2012
كل شيء جائز في الدين الإسلامي لدى أعداد غفيرة ممن يصفون أنفسهم بالفقهاء والمفتين. أطلب ما تريد من الفتاوى، وستجد نصوصا تبرر لك ما تريد. هل طلب العلم حرام؟ نعم إنه حرام لأنه لا خير في أمة كثر قراؤها. هل مقاومة الظالم حرام؟ نعم حرام لأن مقاومة الظلم تؤدي إلى الفتنة. هل خروج المرأة إلى الشارع حرام؟ نعم حرام لأن المرأة الطاهرة تخرج من بيتها مرتين في العمر: مرة إلى بيت الزوجية، والأخرى إلى القبر. هل الخيط الذهبي على جلباب المرأة حرام؟ نعم حرام لأنه يلمع فيدل على المرأة. هل الضحك حرام؟ نعم لأنه يجلب الشياطين، والأصل فيك أن تكون مكشرا. وهل الزواج من أربع هو الأصل؟ نعم لأن 80% من سكان الأرض إناث، و20% ذكور.
هل دخول القوات الأمريكية الديار المقدسة حلال؟ نعم حلال لأن جنود أمريكا يدافعون عن الذين آمنوا. هل سعر الفائدة حلال؟ نعم لأنه يأخذ من أموال الأغنياء لتوزيعه على الفقراء. هل الزواج من ذكور حلال؟ نعم حلال لأن عليك بالكيس الكيس. هل طاعة الحاكم الخسيس حلال؟ نعم حلال، بل هي واجبة لأن خسته بإرادة الله. وهل يحق للحاكم عمل الفتن وتبذير الأموال؟ نعم لأن الله قد اختاره ليعاقب الناس الضالين. هل الاستقواء بالأجنبي على مسلم حلال؟ نعم حلال لأن الله قد سخر الأجنبي لخدمة مصطفاه من الحكام. هل زيارة القدس تحت حراب الاحتلال حلال؟ نعم حلال، بل هي واجبة لكي تتذكر واجبك بشراء السجاد للمسجد الحرام. هل اتفاقية أوسلو حلال؟ نعم حلال لأن الرسول عليه السلام وقع صلح الحديبية، ولأن منظمة التحرير كانت ستنتصر على إسرائيل مثلما كان المسلمون سينتصرون على قريش لو وقعت حرب في الحديبية. وهل حلال أن ترضع من زميلتك في العمل؟ نعم حلال لكي تصبح أمك في الرضاعة فلا تشتهيها بعد ذلك. وهل السكر حلال؟ نعم حلال لأنه ينسيك هذه الفتاوى.
نحن مبتلون برجال دين لا يعرفون الله، وإن عرفوه لا يعرفون أركان دينه. إنهم جهلة وضيقو الأفق ومنغلقون لا يرون أبعد من أنوفهم إن كان لهم أنوف. هم جاهزون لمختلف أنواع الفتاوى، ومستعدون لإرسالك إلى الجنة وإلى النار، وأنت وحظك. طبعا ليس كل المتدينين على هذه الشاكلة، فهناك مؤمنون محترمون واعون، ويتميزون بأفق واسع وسعة الاطلاع والمعرفة، ولديهم الاستعداد للنقاش والجدل المفتوح والتفهم والتفاهم. (وهنا يجب التمييز بين المتدين والمؤمن إذ أن المتدين في الغالب منغلق، والمؤمن في الغالب منفتح) لكن ما يطفو على السطح هو ذلك النوع الجاهل الجهول الذي يتهاوى تحت أقدام السلطان، أو لا يرى في الدنيا إلا ممارسة الطقوس والانشغال بالغيبيات وتغييب العمل المثمر والتحصيل العلمي.
يأتي مفتي مصر على رأس قائمة أهل السلطان الذين لا يستطيعون رؤية الجهاد كفريضة ويفضل أن يأتي إلى القدس ذليلا تحت حراب العدو الغاصب. إنه لا يدرك أن الجهاد فريضة، وله أولوية على كل الفرائض عندما تقع ديار المسلمين تحت الغزو والاحتلال. وهو لا يدرك أن الجهاد فريضة عندما يتعرض مسلم أو مسلمة للخطر لأن الدم له أولوية على كل الأماكن المقدسة. هذا المفتي أتى إلى فلسطين بأدعية باهتة يأمل من خلالها أن يدحر دبابات العدو بسبب بركته العظيمة التي يظن أن ملائكة السماء تحرسها. وقبله أتى الجفري الذي سار على السنة، حسب قوله، حيث أن الرسول عليه السلام قد زار القدس وهي تحت حكم الروم. وواضح من أقواله أن الملائكة قد وقفت على حواجز الرومان تنتظر الإذن من جنود الروم للمرور، أو أنها ناشدت امبراطور القسطنطينية للسماح بمرور البراق.
كثيرون هم الذين يلوون ذراع الدين، ويبحثون عن قول هنا، وآخر هناك من أجل تبرير أقوالهم وأفعالهم. ومن يبحث حقيقة عن فتاوى تبرر له أعماله سيجد الكثير من الأقوال الغابرة والتي تكتسب صدقية وقدسية بمجرد نسبها إلى أحد الأولياء الذين لا نعلم مدى صلاحهم. وهذا شبيه بالتجربة المسيحية في أوروبا الظلامية التي تجبّر بها رجال دين كاذبون ودجالون ونصابون، والذين طالما بحثوا عن أقوال غير مقدسة لتصبح مقدسة لدى المستمعين. وقد أطاعهم الناس وصدقوا أقوالهم حتى باتوا يشترون مقاعد في الجنة. يود العديد من رجال الدين المتشنجين الجاهلين لو يتمكنون من توزيع الناس الآن على الجنة والنار، فلم الانتظار حتى يوم القيامة، ما دام الرب قد خولهم صلاحيات الحساب؟
وقف جمهور الناس والقساوسة الأوروبيون ضد لوثر عندما دعا الناس إلى عدم الثقة بالقساوسة والرجوع إلى الإنجيل وقراءته. لقد رفضه الناس لأنه رفض أقوال القديسين القساوسة، وفضلوا متاهات القساوسة المضللة على قراءة الإنجيل الذي يؤمنون أنه يضم أقوال المسيح وبعض أفعاله. وواضح عندنا أن الكثير من الناس لا يرغبون بقراءة القرآن ويفضلون الاستناد إلى تعاليم خارج القرآن ومناقضة له في أحيان كثيرة. وهنا يحضرني رفض امراة تصديق آية القرآن التي تقول إن الذين أمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رفضت القرآن لأن رجل الدين قد أفهمها أن الجنة فقط للذين أسلموا وليس للذين آمنوا.
سيظهر عندنا لوثر ما دام بين ظهرانينا مثل هؤلاء الجهلة الذين لا يعرفون الله ولا يتقون. وحتى لا تدور بيننا حروب وفتن، من المهم أن يعود كل منا إلى القرآن الكريم، ويعتبره المرجع الأول الذي تقاس وفقه كل الفتاوى والأقوال. السنة مساندة للقرآن الكريم، لكنها ليست بديلا عنه، وهي المصدر الثاني للتشريع، أما أقوال السلف والأولياء فهي للاستفادة وليس للتشريع. هجر القرآن يفتح المجال أمام فتاوى كثيرة لا علاقة لها بالدين، وهي تساهم في تدمير الأمة وخرابها. القرآن الكريم ليس للجنازات وافتتاح المهرجانات، وليس للتلاوة غير المتدبرة في رمضان، بل هو كتاب مقدس يقول الله فيه: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".
زحمة المفتين تُهلك المسلمين
بروفيسور عبد الستار قاسم
7/آذار/2013
يطل علينا كل يوم مفتون يقولون عن أنفسهم إنهم مسلمون على شاشات المرناة ومواقع الشبكة الإلكترونية يفقهوننا بالعديد من القضايا الهامشية التي لا تمس جوهر حياتنا، وترسخ فينا البلادة والبله والتلهي والترهل والهلوسة، وتدفعنا إلى الضلال. هؤلاء مفتون يتكاثرون ويتحدثون بعنجهية وصلافة ظنا منهم أـن ذلك يمنحهم القدسية ويحولهم إلى مرجعيات دينية تستطيع أن توزع المقاعد في الجنة والنار. وواضح من أنواع فتاواهم ومواضيعها وطرق صياغتها أنهم جهلة وضيقو الأفق، وربما أصحاب برامج انحرافية وضلالية، ومعرفتهم بالقضايا الدينية محدودة جدا وممزوجة بالكثير من الأضغاث والشعوذة. وفيما يلي بعض الفتاوى التي تنتشر على مختلف المواقع:
إذا رفعت المرأة طرف ثوبها وهي تصعد الدرج (السلم) مخافة سقوطها على الأرض لحقت بها الشياطين.
مدح الكافر حرام
إذا سلمت على مسيحي انتقض وضوؤك
إذا نسيت في الصلاة فعليك أن تتفل شمالا ويمينا تكفيرا
يحرم على المرأة الابتسام بظهور أسنانها
استعمال غرفة العناية المركزة حرام لأنها تتحدى إرادة الله
يحرم الخروج على الحاكم الظالم
يحرم على المرأة ركوب الدراجة والحصان
كثرة القراءة تؤدي إلى الشرك بالله
حجز المرأة الجميلة التي لا تغطي وجهها واجب
حرام تعليم العلوم الاجتماعية والإنسانية لأن الإسلام قد وفاها حقها
يحرم التفكير لأنه يقود إلى معصية
للتفكير حدود، ومن يتعداها يسقط في الهاوية
الشوارب ترقص عليها الشياطين
تعري المرأة أمام زوجها حكمه الطلاق
ومن يتابع مسلسلات الفتاوى يسمع عن قضايا لم تخطر له على بال، ولم تأته حتى بالأحلام، وسيجد أن هناك طبقة من المتدينين غير المؤمنين قد تبلوت في البلدان العربية عبر السنين تهتم جدا بتتفيه الدين الإسلامي وجر المسلمين إلى ثقافة هلوسة تشل العقول وتعمي القلوب. واضح أن هؤلاء يحملون على عاتقهم مهمة ضرب الدين الإسلامي وذلك بإعطائه وجها ساذجا وسخيفا ليكون أضحوكة ومهزلة أمام الأمم وأمام أبناء الأمة العربية. هدفهم، سواء كانوا على وعي أو غير وعي، هو صذ الناس عن سبيل الله، وعن القضايا الكبيرة التي يهتم بها الإسلام وهي إقامة العدالة بين الناس، والانهماك في العلم والعمل والجهاد على مختلف المستويات من أجل تخليص الناس من الظلم والاستعباد والجهل والخنوع والتخلف.
هذه الطبقة من المتدينين غير المؤمنين لا تفتي حول الصلح مع الصهاينة وتدنيس مقدسات المسلمين، ولا تتحدث حول القوات الأجنبية الموجودة على أرض المسلمين، ولا عن زيارة البيت الأبيض، ولا عن التخلف العلمي في الجامعات العربية، ولا عن الظلم الذي يُلحقه الحكام بالفقراء والمساكين، ولا عن الاستغلال والاستعباد والقهر، ولا عن أهمية الإنتاج والتطوير التقني والاجتماعي والثقافي، الخ.
والمراقب يرى أن هذه الفئة الضالة منشغلة كثيرا ببث الفتنة بين المسلمين، وتوظف جهودا كبيرة لإحداث فتنة دموية بين السنة والشيعة، وتستقدم تاريخ الصراعات القذرة بين المسلمين لتحييها الآن وتشعل الحروب وتستنزف أبناء الأمة ماديا وأخلاقيا.
هذه فئة خطيرة جدا على الإسلام والمسلمين والعرب والأوطان. إن لم يكن هؤلاء جهلة فهم يخدمون برامج ومخططات معادية للأمة تعمل على ضرب الأمة من الداخل وبشعارات دينية.
لا تخشوهم. هؤلاء لا يرسلون أحدا إلى الجنة، ومفاتيح جهنم ليست بأيديهم، والحذر منهم وملاحقتهم ينجي الأمة من شرورهم وفتنهم. أمثالهم قادوا أوروبا إلى حروب قاسية ومريرة، ودمروا مقدرات الأمم الأوروبية؛ والجري خلفهم يعني أن مستقبلا أسودأ ينتظر الأمة بكل شعوبها ومذاهبها وطوائفها.