عدنان كنفاني ورأي في النقد
جريدة الثورة
كنفاني: أرفض التحطيم كما أرفض المجاملة والتطييب المجاني..
ثقافة ـ الاثنين 13-1-2014
عمّار النعمة
هل نحن في أزمة نقد, أم أننا نتوهم ذلك؟ الجميع يتكلم عن غياب النقد والنقاد, ويبدو أنها حقيقة ظاهرة كوضوح الشمس, فالنقد مقسوم إلى قسمين: قسم يمدح ويصفق بشكل مجاني وخفيف,
وقسم لايعرف من النقد سوى الشتم والوصف المسيء.. إذاً: نحن أمام حالة من النقد الخجول والمهترئ, وهنا نسأل ما أثر غياب النقد عن الفكر؟ وما نوعية النقد الذي نحتاجه اليوم؟
الثورة التقت الأديب عدنان كنفاني ليبدي رأيه في النقد وأثر غيابه عن الفكر فقال: قبل أن ندخل في صلب الموضوع الهام هذا علينا أن نسأل، هل النقد ضرورة، أم هو ترف لا حاجة لنا به.؟ وسواء كانت الإجابة سلباً أم إيجاباً، فلماذا.؟
مما لا شك فيه أن كل من يمارس عملاً مهما كان نوع هذا العمل، يحتاج إلى من يقوّم عمله ولو احتاج هذا التقويم إلى بعض ملاحظات «ناقدة» أو موجّهة تكون في صالح العمل حتماً لغاية تطويره وتحسينه كي يحظى بصفة القبول والرضى، فمُنتج العمل من المفترض أن تكون مساعيه منصّبة في الاستئثار برضى الناس المتلقين أو المستهلكين لما ينتجه من عمل، وهذا ينطبق، وربما بشكل أكثر أهمية على الأعمال الفكرية والكتابية والإبداعية لأنها الأقرب إلى ملامسة الهموم اليومية، وأحداث اللحظة، والذاكرة، والتأريخ، وهي الأقرب لملامسة الروح التوّاقة أبداً لفضاء نور وسلام.
فمسألة النقد إذاً ليست ترفاً، وليست هامشية في مسار الفكر والكتابة، بل هي ضرورة وضرورة أساسية مكمّلة ومصوّبة، وتشتغل على اكتشاف خفايا النصوص، وفكر الكاتب، وما يعتمل في سنّة قلمه لم يبح به، يأتي دور الناقد مكمّلاً إيجابياً لتصويب موضوعة الخلق الأدبي أو الإبداعي «إذا صحت التسمية»، ويضع بالتالي قاطرة الكاتب أو المبدع على السكّة الأكثر صواباً.
ويفرض علينا الحال ونحن نؤكد على ضرورة وجود النقد، أن نبحث عن الناقد، ونحدد من هو الناقد، هل هو الناقد الانطباعي أم الأكاديمي.؟ وأيهما الأقدر على إعطاء الانطباع المطلوب من مسألة النقد.؟ وفي الجانب الأكاديمي نبحث من أي المدارس النقدية ينهل، «وهي كثيرة ومتنوّعة».؟ وهل يملك الشفافية المفترضة في مسألة النقد أم يحمل أفكاراً مسبقة الترتيب للترويج لقدراته واستعراض عضلاته؟ وهل عندنا كم كاف من النقاد ليشغلوا الساحة الأدبية بالنقد الموضوعي الهادف والمحايد.؟ وما هي أهم الصفات المفترضة في الناقد في مساره النقدي.؟
أعتقد أننا إذا وصلنا إلى إجابات شفافة عن هذه الأسئلة نكون قد سلكنا نصف الطريق في معالجة والحديث عن موضوعة النقد.
النقد الانطباعي هو مجرد رأي يمكن أن يدلي به أي كان على إيقاع ما قرأ أو سمع، قد يصيب، وقد لا يكون ذا أثر مفيد، لكنه بالشكل العام موجود، وفي كل الساحات الأدبية والفكرية، لكننا لا نستطيع أن نضعه تحت عنوان علمي له شروحاته ومفاهيمه، وتبقى الحاجة إلى النقد الموضوعي المحايد والأكاديمي هو المطلوب، وهو المعوّل عليه.
نخلص إلى أننا، وبالشكل العام، بأمس الحاجة إلى النقد، وإلى نقّاد على مستوى مقبول بحيث تتحقق الفائدة من النقد لغاية التطوير والتحديث والتصويب، ولكن، ومن وجهة نظري الخاصة، ومن خلال متابعتي المتواضعة أستطيع أن أجزم بأن عدد النقّاد الذين يمكن أن نعوّل عليهم في المسار النقدي المحايد والشفاف والموضوعي، عدد قليل جداً قد لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، بينما «المدّعون» كثر، لكنهم ليسوا على المستوى المأمول، وأنا آسف عندما أصرّح برأيي هذا، واعتباره رأياَ شخصياً.. فلو تابعنا ما ينشر على أنه نقد في الجانب الأدبي الإبداعي، نجد أن له مسارات رتيبة ومكررة تخضع في كثير من الأحيان إلى الرغبة في الترويج على حساب الجدارة، أو تواصل تكرار الحديث عن أعلام في مجال الأدب لا أعتقد أنهم بحاجة إلى كثير نقد بعد أن وصلوا إلى حد من الانتشار والشهرة على حساب مواهب أخرى واعدة ومؤهّلة لا تجد «مع شديد الأسف» نقّاداً يأخذون بيدهم، ويقدمونهم كجيل جديد واعد مهيأ ليحتل مواقع من سبقوه كي تواصل الحياة مسيرة عطائها الفطري، فهل من أحد يدلّني هل قرأ أو سمع عن ناقد قدم لنا موهبة جديدة في أي مجال أدبي ثقافي إبداعي «من الجنسين» وساعد على تقديمها وانتشارها وتأهيلها.؟
أعرف بعض «نقّاد» لا يتناولون في قراءاتهم النقدية غير ما تنتجه المرأة!! وليته يكون نقداً محايداً يبتعد ولو قليلاً عن «التطييب» والتصفيق والمديح المجاني، وفي المقابل نجد من يستحق أن يُعنى به ويحتاج إلى بعض توجيه وتشجيع يغيب عن المشهد.
وأعرف نقّاداً يتباهون بالحديث «الشعاراتي» عن نقد مستخلص من مدارس ومذاهب نقدية أكثرها خارج خصوصيتنا الثقافية، وأجنبي، على خلفية بيان سعة الاطّلاع والاستعراض ثم يتجاهلون محاورنا النقدية التي سبق إليها «الجرجاني» وكثيرون من السلف، رحم الله آخرهم الناقد المرحوم «يوسف سامي يوسف» ولا أتحدث عن الأحياء كي لا يسقط من ذاكرتي من يستحق ذكره وهم من نعوّل عليهم لتصويب مسار حراكنا النقدي ونحن، وأكرر، بأمس الحاجة لهم وسط هذا الطوفان من الغثاء الذي يكاد يغرق مشهدنا الأدبي والثقافي بالعام.
ثم يأتي دور الكاتب نفسه، فكما إنني ضد وأرفض التحطيم، كذلك فإنني ضد وأرفض المجاملة والتطييب المجاني المنافق، وهذا ما نجده حاضراً وبقوّة في وسائل التواصل الاجتماعي، ما أن ينشر الكاتب أو الكاتبة «وخاصة المرأة» كلمات في صفحة ما إلكترونية حتى تنهال الترحيبات والمديح وغالبا قبل أن يقرأ المادحون نص المكتوب وعلى خلفية صداقة أو شبهة أو مشاركة، فكيف يمكن أن يقتنع من كتب ونشر بعد كل هذا النفاق أن ما يكتبه تافه وليس له قيمة أدبية معرفية يمكن أن تحظى حتى بابتسامة رضى من الآخرين!!
هل يمكن أن نعتبر أن الكاتب أو الكاتبة، وعندما ينشر بعض ما يكتب لا يسعى إلا إلى المديح، ويرفض بل قد يستعدي كل من يوجّه ولو كلمة نقد محايدة.؟
أنا لست ضدّ وسائل التواصل، لكنني بالتأكيد ضد النفاق المجاني، وضد أن يعتبر الكاتب التعليقات ونثرات الإعجاب هي الفيصل في الحكم على نتاجه الأدبي والإبداعي..
أخيراً وبكل الصدق والأمنيات الحالمة والطيبة والمبررة أيضاً أتمنى أن نصل، إلى فهم موضوعي للمسألة من كل جوانبها «النقد والناقد والكاتب والفكر» كي تستقيم مسيرتنا الثقافية، ويشرق مسرحنا الثقافي بما هو أصيل وجيد ومقبول.
http://thawra.alwehda.gov.sy/_View_n...20140113011609