icإلى جميع الأصدقاء والأحبة :
ارجو أن يروق لكم قراءة مقالي ( الفيسبوك والطاقة البديلة ) . وهو موجود على الرابط التالي :
http://alwatan.sy/dindex.php?idn=133864
http://alwatan.sy/dindex.php?idn=133864
الفيسبوك والطاقة البديلة
قبل أن ينتشر اختراع الهاتف كانت هناك في البيوت القديمة ضمن المطبخ الكبير غرفة أخرى تسمى (بيت المونة)، وكانت في أعلى الجدار المقابل للباب طاقة مفتوحة تتصل مع البيت المجاور، وكانت الزوج من شدة عملها اليومي المرهق في البيت لا تتمكن من القيام بـزيارة صديقاتها ؛ فتشعر بشيء من الضيق والملل، وتحس أنه لابد لها من تبادل بعض الأحاديث المتعلقة بشؤون الحياة والمشاكل والأزواج وما شابه ذلك، فتلجأ إلى تلك الطاقة تنادي على جارتها فيبدأان معاً القيام بزيارة ودية ترفيهية تنفض فيها كل منهما ما في جعبتها من مجاملات وتبريكات وأحاديث... وكل ذلك دون أن يريا بعضهما لأن الطاقة عالية.
والزوج الحاذقة آنذاك كانت تقوم بهذه الزيارة عبر هذه الطاقة بعد أن تكون قد فرغت من أشغال البيت وإعداد الطبخة اليومية، حتى إذا ما سمعت صوت باب البيت يفتح أو صوت الزوج يقول (يا اللـه) اعتذرت بسرعة من جارتها، وخرجت مسرعة لاستقبال زوجها.
ولكن كم من زوج بدأت زيارتها أثناء العمل فنسيت نفسها وضاع وقتها وحضر زوجها ولم يجد الطعام جاهزاً، فأذاقها ويلات وويلات.
كانت هذه الطاقة هي (المتنفس) الوحيد الذي يسمح للزوج آنذاك أن تتنفس منه، أما اليوم فالحوار مكشوف، والكلام يقال بوضوح.
اليوم، المرء بات يحمل في نفسه طاقة هائلة من الأحاديث والتعليقات والاستفسارات والاقتباسات، وأصبح مشحوناً بما هب ودب ويتلقى من كل حدب وصوب، فكيف تتفرغ هذه الطاقة الهائلة الكامنة لدى الإنسان.
تم اختراع طاقة جديدة لتفريغ تلك الطاقة، لكنها ليست كتلك الطاقة الجدارية تلجأ إليها الزوج بعد أن تفرغ من عملها، بل إنها طاقة يبدأ بها المرء قبل أن يباشر عمله، بل لقد غدت هذه الطاقة هي عمله... إنها الفيسبوك الذي استحوذ على عقولنا حتى بتنا نستيقظ صباحاً فنهرع إليه، وبات الغضب ينتابنا إن تعطلت يوماً هذه الطاقة.
فما هو هذا الفيسبوك وماالذي يحمله.
لعل الكلام الذي كانت تتبادله النسوة عبر الطاقات الجدارية لا يحمل بلاغة ومفاهيم كالكلام الذي يتبادله الناس اليوم عبر الفيسبوك، ولكنه كان كلاماً هادفاً مفهوماً، نعرف منه حال صاحبه.
أما اليوم فانظر إلى كتابات الفيسبوك ترَ قلوباً جائعة وأحلاماً ضائعة وأفواهاً تائهة تبحث عن صدى لها في خيالات مريضة تكسبها نبضاً من واقعية زائفة وتكسوها جزءاً من حلة مخملية سحرية... كتابات تسمى كتابات أدبية، لأنها مزخرفة ومبهرجة، ولكنها ليست إلا (تفريغ لطاقات مكبوتة)، كلام يلقيه المرء جزافاً يخاطب به من يراه أو لا يراه، كلام يكتبه الإنسان ليريح أعصابه ويهدِّئ نفسه، وكأن جهاز الحاسوب قد أصبح مصحة نفسية فيها أقسام عدة؛ والفيسبوك هو قسم الأعصاب في هذه المصحة ؛ يلجأ إليه المرء لـ(يفش خلقه) أمام الآخرين، ثم ينتظر متلهفاً ليقرأ إجاباتهم، فيرتفع لديه ضغط الدم أو ينخفض تبعاً لمعاني الكلام، أو كما يفهمه هو.
نعم لقد غدا الفيسبوك هو الصديق الوفي الذي نلجأ إليه ونجتمع حوله، وهو الذي يضحكنا ويبكينا، وهو الطبيب الذي يداوينا.
وهو ما هو؛ إنه ليس إلا خدعة كبرى تحمل المرء على أن يفرغ طاقاته في غير محلها فيخسرها ويخسرها مجتمعه.
يا لضياع طاقة شباننا وشاباتنا أمام هذه الخدعة، يا للفراغ القاتل، يا للوقت الضائع، يا للخسارة الكبرى.
ما كان أحرانا لو نستخدم طاقات شباننا في أمور تعطيهم نفغاً وتعود على أمتهم بالفائدة، لا في أمور يضيعون فيها الوقت والجهد والمال.
لو سألنا مخترع الفيسبوك ومصمم البريد الإليكتروني، هل كان أمَلُك من هذه الاختراعات أن تسرق أوقات الناس وأن تنأى بهم عن الفائدة الجُلَّى التي كان من الممكن أن يجنوها فيما لو انصرفت طاقاتهم إلى أمور أنفع وأجدى، أم إنك قد اخترعتها لتُستخدم عند الضرورة ومن أجل الفائدة، ونحن حولناها من أدوات نفع وعلم إلى أدوات مضيعة وتجهيل، وهل يمكننا أن نعتدل في استخدامها لنرجع إلى بعض الصواب أم إنها قد استحوذت على عقولنا وأفلحت قليلاً في تحويل بعضنا إلى دمى مُسَيَّرة.
فأي طاقة تلك التي كانت تضيع الوقت أكثر؛ ألطاقة الجدارية القديمة، أم طاقة الفيسبوك الحديثة، وكم من طبخة خسرناها، وطعام لم نذقه بسبب تلك الطاقات القديمة والجديدة.
عقول تائهة وأحلام ضائعة وطاقات لتفريغ الطاقات سدى.
أنس تللو
مقال نُشر في صحيفة الوطن السورية يوم الأحد 3 / 3 / 2013
أنس تللو
دمشق : 109 ـــ 2138728
4729507
2223369
0944244238