زبالة
هل صرت مجرد صدى لأحاسيسي العابرة ؟
صباحا، تمنيت قتل البواب ، لأنه رمقني بنظرة لا ود فيها لمجرد أن نبهته إلى أن المصعد لا يجب أن تنقل فيه القمامة.
رمى بنظرته الساخرة ، معاملا الأكياس المتعفنة باحترام زائد إذ خرج بها قبلي.تشاغلت عنه بمشاهدة صور لمرشحين سياسيين علقوا أنفسهم هنا ،صور شوهت بأياد خفية ، فبدت وجوههم على حقيقتها..
ترشحوا بوعود أن يجملوا وجه الرغيف ، والمواصلات ، والبطالة ، وتفوقوا بعد الانتخابات في سرقة أموال البنوك..
رمقني موظف البنك بلا اهتمام ، مادا إلي يده قائلا ( بطاقتك) ، سلمته إياها وحين هممت بفتح فمي ، أشاح عني بوجهه ، ناقلا المعلومات بإهمال شديد إذ راح يبادل زميله النكات الخارجة.
بعد ساعة تسلمت المبلغ ، سألت الصراف عن ورقات بقيمة أقل ( فكة يعني) أخرسني برده المقتضبب ، مفيش غير كدة .
حارس الأمن شرطي ، فلاح ، بدا بملابسه العسكرية
أضحوكة ، سترة كأنها نصف جلباب مهترئ وبنطال متسخ متعرق بدا كجراب ، كان سلاحه نصف الصديء بين يديه يحتضنه في خوف وحرص شديدين.
بادرني بصوت كالفحيح قائلا : ( كل سنة وأنت طيب )، ناولته ورقة مالية بخمس راتبه أخذها دون اكتراث ، وطفق يؤدي عمله في تنظيم الواقفين..
وقفت على الرصيف اطمئن إلى وضع حافظتي في جيبي ، انشغلت منكبا على أوراق في يدي ، اصطدمت بحمار يقف أمام البنك ، محملا بخضروات نصف ذابلة.
علي اللحاق بالسوق ، اليوم أول أيام الشهر الفضيل ، أشعر ببعض غثيان ، سهرت أمام قناة جدل سياسي وأشلاء وقصف متبادل حتى الصباح ، والغريب أن آخر بيان صدر من جبهات الكفاح ضد الإرهاب كان ( كل شيء هاديء هناك)
ضاق نهر الشارع بين كومتين من الزبالة ، وبائعي البضائع التافهة وعربات تجر باليد، ، عليها كل شيء ذابل ومرتفع السعر ، لا تنتقي ، شيل البضاعة على بعضها ، اعترض رجل مسن، ناوله البائع الصفيق بمثقال كيلو جرام في وجهة ، بكى الشيخ كطفل يتيم. انشغل المتبضعون بإتمام صفقاتهم.
لم انتق حبات الفاكهة ، وقبلت كيسا مملؤا سلفا سلمني إياه البائع مع نظرة ذات مغزى ، تجاهلت نظرته الشائكة.
ذباب يحوم حول نظارتي المعتمة بسبب غبار السوق وصيحات البائعين ، ورطوبة الهواء ، فركت كفي ، أنتجا سوادا لا بأس به ، الشمس تنور مستعر فوق الرؤوس ، بائعة قميئة نصف جسدها دسم مترهل ، انهالت بالسب على شابة حامل، لاذت بشيء من الراحة قليلا تحت مظلة البائعة.
رمت السمينة جردل من الماء القذر لمنع تطفل المارة حول المكان.
حملت أكياسي بين أصابع يدي ، جيب قميصى امتلأ بأوراق نقود رطبة متسخة ، غاب لون حذائي تحت طبقة رقيقة من الوحل ، وقع في روعي أنه صار أجمل.
نهيق الحمير يملأ السوق ، ورائحة الروث تعبيء المكان.
تعثرت في بائعي البضائع التافهة ، اتعميتوا ، الله يخرب بيوتكم،اتضح أنني قد كسرت نظارة من ماركة مزيفة يبيعها هذا الذي صاح ، أعطاني باقي المبلغ قطعة من الحلوى المنقضي زمانها ، وشيعني بشيء من السباب الرفيق.شعرت برغبة في التقيوء.
قبيل الظهر وأصابعي تكاد تنقطع من وطأة الأكياس ، ضغطت على زرالمصعد، صاح حارس العقار ( مش قلنا لكم عطلان ) .قلت ماذا ؟ ولمن؟ لقد أتيت لتوي ( تحشرج صوتي بها ، فتركني وراح)!!!!
حين وصلت إلى مكمني في الطابق السادس ، كانت الأكياس التي حملتها أسوا حالا من تلك التي كان ينقلها البواب هذا الصباح.
محمد نديم ،الجمعة 3 سبتمبر 2010