مقتطف من ( بشرى الرفاق وغيث الوفاق ) .
كان العلامة القاضي المجاهد أسد بن الفرات المغربي المالكي ( 213 هـ ) حريصا على ضم علم الدراية إلى علم الرواية ، وقد أخذ عن الإمام مالك رحمه الله الموطأ ؛ فألح في سؤاله يوما ، وأكثر من التفريعات ؛ فقال له الإمام مالك : ( حسبك يا مغربي ؛ إن أحببت الرأي ؛ فعليك بالعراق ) ، فرحل إلى الإمام محمد بن الحسن الشيباني ( 189 هـ ) صاحب الإمام أبي حنيفة ؛ فكان يأخذ عنه مع العراقيين نهارا ، ويخصه الإمام ابن الحسن ليلا لما رأى من شدة رغبته ؛ يقول ابن الفرات : ( فكان إذا رآني نعست نضح وجهي بالماء ) .
ووافق ذلك مشاركة الشيباني لابن الفرات في الأخذ عن الإمام مالك ، ورواية موطئه ؛ فاتفق له ما أراد ، وتم له ما أمل واستزاد على النحو المسعف المرضي ، والحال الهنيء السني ؛ كما قيل :
وَأَعْلَمُ عِلْماً لَيْسَ بِالظَّنِّ أَنَّهُ
إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْدَ شَيْءٍ تَيَسَّرَا .
ولم يفت مترجَمنا التحديث بالموطأ وهو في العراق ؛ حيث أخذه عنه القاضي أبو يوسف (182 هـ) – أنبل تلاميذ أبي حنيفة - .
وفي قول الإمام مالك له ( إن أحببت الرأي ..... ) دليل على أن الإمام رحمه الله لحظ في إقبال ابن الفرات همة وفطنة ، فزادهما بقوله ( أحببت ) حثا وإذكاء ، وإنماء وإعلاء .
ودليل آخر على أن نبع مذهبنا الفقهي المالكي الأثيل يزخر صفاء وإنصافا ؛ فلم يضجر الإمام من انتقال تلميذه الأنجب عنه رعاية لموهبته الطامحة ، واحتفالا بمنقبته الراجحة .
وفيه دليل آخر على أن صيانة المذهب بالإحياء والمنافحة سر سلامة الديانة ، وأن منكري لزومه منبتون متنكرون لسلف الأمة الصالح ، ومنهجهم الأرشد في فهم الإسلام والعمل به .