قيادات فلسطينية .. ومعانة مستمرة على أيديها ! .
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل - 11 – 12 – 2011م
القيادة لها مفهومان : الأول مفهوم لغوي ، فالقود في اللغة نقيض - السوق - فيقال : يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها ، مما يعني أن يكون مكان القائد في المقدمة ، قائدا وملهما ومعلما .
والثاني مفهوم اصطلاحي ، يقصد به قوة مهارة التأثير على الآخرين ؛ من أجل توجيه سلوكهم ،وتحقيق أهدافهم ، من خلال المسئولية القانونية والأخلاقية تجاههم ، بقصد تحقيق مصالحهم.
والقائد الناجح هو الذي يترك آثار بصماته في كل مكان وزمان ؛ لتكون مدرسة للآخرين ، فينهض بذاته وبمن يقود ، يجمع ولا يفرق , ويتمتع بالأخلاق ، وبحس المسؤولية ، وبالتأثير القوي الفعال ، و يتحمل المسؤولية في كل الظروف ، يحارب الديكتاتورية ويحب الحرية ، ويكون مرنا في التعامل مع الأشياء ، فالقائد الذي تكون لديه مرونة عالية ، تكون لديه القدرة على التحكم الفاعل والناجح بجميع الأمور والحالات ، فالعظماء وحدهم فقط هم الذين يتحملون مسؤولية أخطاءهم ، لأنهم يعتقدون أنهم يصنعون التاريخ ، وهم بذلك كمن يحفر الصخر حفرا بأظافره بكل معاني الحكمة والصبر والحلم .
لذلك كان للقيادة أهدافا كبيرة ينبغي تحقيقها ، وفي حالة عدم تمكن القيادة من تحقيق تلك الأهداف واستمرارها في قيادة شعبها ؛ فإن هذا يعني سقوط مشروعها وفكرها ، واستمرار استنزاف طاقات وموارد شعبها ووطنها ، والسير بشعبها إلى طريق مغلق مجهول ، مهما رفعت من شعارات جميلة ، وتغنت بأمجاد وطنية ومواقف أخلاقية نبيلة ، لم تتمكن من خلال تلك الشعارات والأمجاد والمواقف من تحقيق أهداف شعبها ، خاصة عندما يقف الشعب أثناء مشواره النضالي الطويل ، والحافل بالتضحيات والمآسي متفرجا عاجزا ، وهو يرى فقدان عوامل صموده على أرضه إلا من الفتات الذي يذر الرمل في العيون ، مما يعني عمليا سقوط مفهوم الطليعة والنخب ؛ لأنها عجزت عن تجسيد مواقفها المعبرة عن طليعتها ونخبتها بشكل عملي بين صفوف الشرائح المعذبة من أبناء الشعب الفلسطيني ، وانتظار تلك النخب والطلائع تقاسم الكعكة التي ترتقبها عن كثب ؛ لعلها تحظى منها بالكثير ، وتحويل الشعب الفلسطيني بقضيته ووطنه إلى مشروع استثمار ، أو يربطه بأجندة من هنا وهناك ، يرتدي عباءة الشعارات وثياب الرؤى السياسية لهذه القيادة أو تلك ، خاصة ونحن أمام معطيات كثيرة جديدة وقديمة ، تثبت عجز بل فشل هذه الرؤية أو تلك في تعاطيها مع شعبها ومقدراته الوطنية ، وهي لا زالت تغالي وتزايد وتكابر ، وكأن شعبها قطيعا من الغنم ، وليتها تتعلم من تجارب التاريخ وما يجري من حولنا فتريح وتستريح ...لا زالت قيادات شعبنا عاجزة عن تحقيق المصالحة في مفهومها الحقيقي ، رغم أنها ستحققها مرغمة شاءت أم أبت بفعل ضغط المرحلة ولو بعد حين ، وليس بفعل الجاهزية النفسية والفكرية لتلك القيادات ، ولا بتأثير ضرورة الإلحاح الوطني والمرحلة النضالية والاستجابة الجماهيرية ، ولا بسبب القناعة المتغيرة للشعب الفلسطيني في تأييد هذه القوة أو تلك ، في حقبة من حقب النضال الفلسطيني والتي ربما تتجلى من خلال صناديق الاقتراع المرجح عدم حدوثها قريبا ؛ بسبب تصارع الرؤى والتوجهات ؛ وذلك لكي لا تتكشف العورات عندما تتساقط تلك القوى مع شعاراتها ، من بعد أن أذاقت شعبها أصناف العذاب ؛ بسبب ضيق رؤيتها التي دفع شعبها ثمنا لها ، مدعية أنها تملك الحق المطلق ، وان غيرها على خطأ كبير .
لقد تساقطت تلك الرؤى جميعها أمام ما نلمسه على مدار الساعة من الحملات المسعورة لتهويد القدس ، واستمرار آلة قمع الاحتلال ، وتراكم المشاكل الصعبة بكل ألوانها على كاهل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده ، وانسداد الأفق ، واستمرار الحصار ، وتفشي حالة نوعية من اليأس بين أهلنا ، أتمنى لو تداركتها وأدركتها قياداتنا الفلسطينية بجميع أطيافها وألوانها ، لعلها تصلح ما أفسده العطَّار !! ، فيشعر شعب تلك القيادات بأنها منه وإليه ، لا العكس تماما كما نرى اليوم من خلال مؤشرات وعلامات كثيرة ، في ظل تغييب مقومات الصمود وحتى أدنى مقومات الحياة والأمل في مستقبل جديد وجميل لأهلنا .
لقد أخطأت قياداتنا في تقييمها لما بعد أوسلو ؛ فانزلقت إلى مربعات في غاية الخطورة ، وتنازلت عن الكثير ، ولم تحظ حتى بالنذر اليسير من عدوها مقابل تنازلها معترفة بذلك من خلال تصريحاتها المتكررة ، كما أخطأت قيادات أخرى في قراءة المرحلة ، فزجت بنفسها في أتون الانتخابات تحت سقف أوسلو، وانزلقت أيضا من مربع إلى مربع أسوأ منه فيما بعد ؛ بسبب ضبابية في قراءتها ، ولا زالت تكابر وتكرر تجارب وأخطاء غيرها ، كما عجزت قيادات أخرى عن جسر الهوة بين فتح وحماس ؛ وازداد الشعب إرهاقا من قبل ومن بعد الانقسام ، وتحول الخصم إلى عدو ، وانتقل التناقض بين قياداتنا من ثانوي إلى مركزي ، حتى شمل الأُسر والأفراد والمؤسسات والمرتبات والوظائف ، وانقسم الكل الفلسطيني أيديولوجيا وسياسيا ، بدلا من أن توحد بينهم الشدائد والتحديات ؛ لينطبق عليهم قول الشاعر : وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ، وبسبب قياداتنا انشطر الفلسطينيون ماديا ومعنويا ، فمنهم من هو صامت ، ومنهم من هو مرتقب ، ومنهم من لا يعنيه ، ومنهم المتنطع المتشدق ، ومنهم المُضلل ، ومنهم التائه ، ومنهم من يدفع دمه وروحه ثمنا لوطنه ...
المطلوب اليوم ومن بعد سقوط النحب والطلائع الفلسطينية ، ومن بعد فشل قياداتنا بجميع توجهاتها في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني ، وحتى الالتقاء حول الحد الأدنى منه ، ومن بعد ارتباط شخصيات العمل المدني في هذا التوجه أو ذاك ، وتحويل المؤسسات الاجتماعية الغير حكومية إلى أدوات لخدمة هذا النهج أو ذاك - مع الأسف الشديد – وحالات الصمت والريب والقلق والخوف والترقب التي تنتاب شعبنا ، وارتباط كثير من دعاة الاستقلالية السياسية من المستقلين الفلسطينيين بهذه الدولة أو تلك ( كما هو واضح للجميع ) .
فالمطلوب اليوم هو إعادة تقييم شامل لكل الأداء الوطني ، وتغيير في القناعات والتوجهات ، فالحمار وحده هو الذي لا يغير أفكاره ، والسياسة لا تعرف المسلمات ولا الجمود والتيبس ... وعلى قياداتنا أن تنجح في امتلاك الثروة التي تؤهلها للقيادة إن أرادت الاستمرار في قيادة شعبنا ، وأن تدرك كيف يفكر شعبها ؟ وبماذا يعتقد ؟ وماذا يريد ؟ وأن تدرس كيفية تحقيق أهداف شعبها ، لا من خلال أعلا أبراج القيادات العاجية والتقارير الوهمية ، ولا من خلال القمع والاستخفاف ، بل من خلال الالتصاق بالجماهير المعذبة ، لعل قياداتنا بعد ذلك تتعلم كيف يمكن تحقيق أهداف شعبها . ( انتهى )
للاتصال بالكاتب : من داخل فلسطين 0599421664
من خارج فلسطين 00970599421664إميل tahsen-aboase@hotmail.com