المرأة والسياسة وصناعة الحياة
إن كل جاهليات العصور الغابرة كانت تظلم المرأة وتستغلها استغلالاً بشعاً، وتسلب أمنها، وتتكئ على شقائها وتعاستها، وتعمل على تشتيت أمرها وهدر طاقتها، واستغلال جهدها واستغفالها، وعلى رأس ما يسلب منها من أمن، هو (الأمن الفكري)، بل هو على رأس ما يسلب من أكثر الناس في زمن كل جاهلية، فحتى جاهلية هذا العصر تمارس على المرأة تلك الممارسات بصور وأشكال وآليات مختلفة، على الرغم من التطور العلمي والتقني، وهو أوضح دليل على جاهلية هذا العصر، فوضع المرأة في المجتمع هو المؤشر على رقي ووعي المجتمع وتحضره. والمرأة في دولنا العربية والإسلامية أصبحت بين نارين، نار العادات والتقاليد القبلية التي تحد من نشاطها الاجتماعي والسياسي وتكبل حركتها وتمنعها من أداء دورها وواجبها تجاه المجتمع باسم الدين، وبين نار "العلمانيين" الذين وجهوا المرأة الجهة الخاطئة وظلموها واستغلوها أبشع استغلال، وشغلوها عن نفسها وبيتها وخالقها وعن مصيرها الموعود بعدما حرموها من (الأمن الفكري). فباسم الحقوق السياسية يراد حرمان المرأة من حقوقها الشرعية وضرورات حياتها الإنسانية، بل وحرمان المجتمع ككل من إمكاناتها وقدراتها وطاقاتها وجهودها وتأثيرها الفعلي ودورها في صناعة الحياة، فأقصى ما يقدمه الساسة للمرأة هي دعوى باطلة خادعة يتم بها استمرار تحييدها عن ممارسة دورها الحقيقي باسم "الديمقراطية" والمشاركة السياسية المزعومة، رغبة في تقليد الدول الغربية المتقدمة تقنياً ومادياً -والذي جعلها البعض مثله الأعلى- توهماً منهم بأن ذلك من أسباب التقدم والرقي ومظهراً من مظاهره ووجهاً من أوجه الحضارة، فالمرأة بالنسبة لسدنة الحضارة الجديدة -وكما يقال- هي (نصف المجتمع!)، إنها مقولة من ينظر إلى أفراد المجتمع كمجموعة من العمال والموظفين، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء!، فتلك نظرة "الرأسماليين" والماديين الذين يصب اهتمامهم على مضاعفة الإنتاج وجني الأرباح والمكاسب المادية حتى لو كان على حساب ارتقاء وبقاء النوع البشري وعلى حساب وعي المرأة وصلاح حالها وأحوالها واستقرارها وأمنها، فالمرأة بالنسبة لهم نصف قوة العمل، وفي الحقيقة.. إن المرأة هي من (يصنع المجتمع)، المجتمع الإنساني، وهي من يصنع الحياة. قال تعالى: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (85)}(هود).. نعم.. إن المرأة هي من يصنع الحياة