كانت بعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم المنة الكبرى ومن الله عز وجل على المؤمنين و النعمة العظمى التي اسداها إلى الأميين بل إلى الخلق أجمعين ليطهر المجتمع من أخلاق الجاهلية و يحل مكانها الفضائل الإنسانية التي جاء بها الإسلام فكان صلى الله عليه وسلم وهو الأمي يعلم المؤمنين الكتاب و الحكمة دونما الحصول على بكالوريوس أو ليسانس أو دكتوراه من جامعة بشرية .. وهذه معجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهداهم إلى الرشاد و نطقوا بالسداد وقد كانوا من قبل في ضلال مبين ، يقول تعالى ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم أياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) آل عمران / 164
فكانت المعجزة التربوية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يغير طباع هؤلاء الناس وأخلاقهم و يبدل عاداتهم و سلوكهم وأن يصنع من هؤلاء الرجال على ما فيهم من بداوة و ما بين قبائلهم من عداوة .. أمة متحابة بنور الإيمان .. متحضرة بتعاليم القرآن ولا شك أن صناعة الرجال من أهم الصناعات و صياغتهم في قالب سليم من أشق المهمات .
و ما أجدر المسلمين وهم يسعون اليوم بخطى سريعة إلى نهضة جديدة لإستعادة حضارتهم الرشيدة أن يتدارسوا سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في صياغة القلوب المؤمنة التي أجتمعت إليه وكون منهم الأمة الوسط التي حافظت على تراث الأنبياء و المرسلين فكانت خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يؤمنون بالله .. يقول تعالي
( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه و رسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) البقرة / الآية 285 .
لقد كانت شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملة أتباعه تغرس في عقيدة كل منهم أن له المكان الآثر في قلب هذا القائد الكبير فيبادله حباً بحب حتي يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده و الناس .. كل الناس .. بل أحب إليه من نفسه حبا ممزوجا بالطاعة و الإجلال و التقدير و الفداء و يصور ذلك قول رب العزة ( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً ) سورة النساء / 65
و روى الترمذي عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه قال يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رآه بديهة هابه ،ومن خالطه معرفة أحبه ) .
و روى الترمذي عن الحسين بن علي عن خاله هند بن ابي هالة ورواه الحسين عن أبيه عن ابن ابي طالب : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : ( أبلغوني عن حاجة من لا يستطيع أبلاغها ) وكان يعطي كل جلسائه بنصيبه .. لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه .. من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتي يكون هو المنصرف عنه .. ومن سأله حاجة لم يرد إلا بها أو بميسور من القول .. قد وسع الناس بسطه و خلقه فصار لهم أبا ، وصاروا عنده في الحق سواء .. مجلسه مجلس حلم وأمانة و صبر .. لا ترفع فيه الأصوات .
هذه هي النواحي التربوية التي أستعان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكوين الطليعة الأولى للإسلام .