مصطفى بونيف ..يقول عن مولده " ولــــــــدت في شهر التغيرات والانقلابات والثورات ..شهر السماء الرمادية ...في 19 من أكتوبر 1978 ..كنت على موعد مع الحياة ، فكانت صرختي الأولى في مدينة عين وسارة ، ومن يومها أنا أحترف فن الصراخ وفن التمرد على كل شيئ حولي . وأشعر بقرابة كبيرة تربطني بفئة القطط البرية والعواصف والزوابع ..."
والده الحاج بونيف الأديب الجزائري المعروف ، وعن علاقته بوالده يقول " ورثني أبي أسوأ ما يمكن أن يرث الطفل عن والده ، وهي عاهة الكتابة ، فالكتابة في نظري عاهة مستديمة ومرض مزمن لا يرجى منه شفاء ...فتحت عيوني على أسرة محافظة ككل أسر الشرفاء العلويين الذين يمتد نسلهم إلى الطاهره التقية النقية فاطمة الزهراء رضي الله عنها ..فتحت عيوني على أب مهنته التربية والتعليم ، ولكن حين رأيت اسم والدي وصوره على الجرائد في الصفحات الأدبية عرفت أنه يحترف مهنة أخرى ، وهي الصراخ والرفض ..فلا عجب أن تقلد الأشبال آباءها ...ولكن أبي يكتب بوجه واحد ، وبقلم واحد ، وبلون واحد ، والدي بقي محافظا على أصوله المحافظة ، وعلى أخلاقيات حوش الكرمة في دار الشيخ ..أما أنا فقد ركضت خارج المروج ..أكتب بقلم لا يعرف الحدود ، فأكتب خارج الورقة ..أكتب على ملابسي وعلى الجدران وفوق المياه. الفرق بيني وبين والدي كالذي تعلم في مدارس أرستقراطية راقية، والذي تعلم من الشارع والمقاهي ومن وجوه النساء وشقاوة الأطفال...والدي يمثل لي دائما في كتاباته ذلك النسر الكبير الذي يعلمني الطيران، وحين تقوى أجنحتي يجب أن أذهب بعيدا، أن أطير خارج السرب، وأن أموت بعيدا...والدي هو النبع الصّافي الذي يجب أن أشرب منه حتى تشفى معدتي من كل الذي هضمته في جميع رحلاتي، فالأدب الذي يكتبه أبي هو محصول هاملي خالص مثل الرمان والتوت والتين..أما أنا فقد بدأت أتحول إلى ضوء، إلى شبح لا يراني إلا من يريد أن يستحضرني كما تحضر الأرواح والعفاريت ".
تعلم مصطفى بونيف في طفولته الأولى بكتاتيب الهامل في عطل الصيف حيث كان يقضي الأجازة مع أهله بين الأشراف وعنها يقول " حين اصطحبني جدي الحاج ساعد رحمه الله إلى كتاب سي رابح رحمه الله، كنت أمشي بجنبه وأنا أقفز فرحا، لأني كنت سأتعلم رسم حروف اسمي..كان أول عهدي اللغة العربية في القرآن الكريم فعشقت الحروف والكلمات والجمل، ولكم أَكَلتْ من لحمي عصا الشيخ حين كنت أحاول رسم حروف على حافة اللوحة ..فألصق حرف الحاء مع الباء فتتشكل كلمة حب، دخلت إلى المدرسة الابتدائية وأنا شاعر...و كان الفضل لجدي رحمة الله عليه في تعلقي بحروف اللغة العربية، فكنت أكتب اسمه فيفرح ويهديني قطعة حلوى..وكنت أحفظ عليه ما تعلمته في الكتاب فيفرح ويهديني قطعة أخرى من الحلوى...لقد تخرجت من كتاتيب الهامل قبل أن أدخل المدرسة الابتدائية الحكومية وهذا سر تفوقي في المراحل الدراسية..ولا زلت حين أزور قرية الهامل أشعر بأني طفل، وحين أدخل مساجدها وكتاتيبها أجلس متربعا منتظرا دخول الشيخ، ولا زلت حين أفتح المصحف الشريف أميل بظهري..وأترقب سقوط عصا الشيخ لتجلدني...لا زالت أصوات الأطفال في كتاتيب هذه المدينة تصحبني إلى عالم من الروح..."
تلقى مصطفى بونيف تعليمه الابتدائي في مدينة عين وسارة أين كان يشغل والده منصب مفتش اللغة العربية وآدابها.
كانت مشاركاته في النشاطات المدرسية هي الدافع الأساسي ليكتب ويُسمع الناس صوته...وعن هذا يقول "...في طفولتي جربت أشياء كثيرة..جرّبت أن أكون طبيبا فكنت أصطاد الأرانب والحمام والسّلاحف وأشق بطونها لأتعرف على أجسامها من الداخل وحين رأيت الدماء تتطاير بين أصابعي الصّغيرة شعرت بأن مهنة الطب لن تكون المهنة المناسبة لشخصي، فتوجهت إلى الموسيقى، فكنت أرفع صوتي بالغناء، وحين درسنا الموسيقى في المدرسة، وجدت أن الصولفاج علم أبله لا يناسبني، ففضلت أن استمع إلى الموسيقى وأتذوقها دون أن أتعلمها... دخلت فرقة المسرح في المدرسة وبعد فترة اكتشفت بأن التمثيل هو تقمص الولكل زمن رجالاته فقط..أن تتقمص دور القوي ودور الضّعيف ودور الشّجاع ودور الجبان..أن تقول ما لا تعتقده ولا تحبه، فانسحبت بهدوء من مسرح المدرسة...وانضممت إلى فريق المجلة...مجلة اسمها الصّراط كانت تصدر عن مدرسة محمد الصديق بن يحيى، هناك فقط شعرت بالاستقرار.فكنت أصفف الحروف كما تصفف قطع الدومينو فتتكون الكلمات وأصفف الكلمات فتتكون العبارة...فتعلقت بالكتابة ورضعت من نهدها ولم أرتو بعد..قرأت شعر أدونيس وأنا في المراحل الابتدائية الأولى وحفظت الكثير من قصائده التي كنت ولا زلت لا أفهمها..."
درس مصطفى بونيف بقسم علوم الطبيعة والأحياء بثانوية عمر إدريس في عين وسارة.." أثناء فترة الثانوية قرأت كثيرا، وبدأت أرسم ملامحي، ومن فرط ما قرأته أصبت بتخمة ولم أعد قادرا على القراءة كثيرا بعدها...لقد تزامنت فترة الثانوية في حياتي بمرحلة خطيرة جدا في تاريخ الجزائر وهي الحرب الأهلية والتي حرمتني من أنشأ في ظروف طبيعية، لم أستمتع في هذه الفترة... لقد كان صوت الرّصاص وعويل النّساء وضجيج المظاهرات أعلى من كل الأصوات الجميلة...فتمزقت في ذاكرتي كل تلك الصور الرائعة...إن الحرب هي أسوأ تجربة يمر بها الإنسان الواحد وأسوأ ما يمكن أن تعرفه الأمم..."
وبعد أن نجح في الحصول على بكالوريا علوم الأحياء، غير مصطفى وجهته الدراسية ليدخل كلية الحقوق بجامعة الجزائر العاصمة...فيقول " دخلت كلية الحقوق لأنها الكلية الوحيدة التي تناسب شخصا مثلي... وتهت في دوامة كتب القوانين والمحاضرات التي تشبه القهوة المرة، كنت اضطر إلى بلع حبوب الصّداع قبل وبعد كل كتاب قانون أقرؤه أو محاضرة أستمع إليها..كنت دراسة القانون تتعبني، ومع ذلك تابعتها بشوق وتفوق...كنت أبحث عن العدالة المفقودة، أفتش عن عصا موسى وملك سليمان الضائع عليهما السلام...لقد اضطرتني ظروف البلاد أن أبحث في القانون...
وفي غمرة الدراسة كانت فرصة تواجدي بالعاصمة مناسبة لحضور الأمسيات الأدبية التي كانت تنظمها التنظيمات الطلابية في الحي الجامعي، وكانت فرصة للتعرف على بعض الوجوه الأدبية...ولكن الرّجل الذي تظل صورته محفورة في خيالي هو الأديب الكبير أبو العيد دودو رحمة الله عليه، كنـت أترقبه كل يوم وهو يمشي يتوكأ على عصاه، ويرمق البلاد من حوله...نظراته سرقتني قبل أن تسرقني كتاباته الرائعة، إن رجلا مثله لايقل أهمية عن النفط في الصحراء...ومع ذلك ولأن بلادنا عودتنا على تكريم الموتى فقط، لم ينل هذا الرجل القمّة حقه من التكريم...
تخرجت سنة 2001 من كلية الحقوق بشهادة الليسانس..لألتحق بعد ذلك بقسم الكفاءة المهنية للمحاماة وتخرجت سنة 2002 بشهادة محامي..ويشاء الله أن أكون محاميا لكن مع وقف التنفيذ من جراء ممارسات نقابة المحامين... التي ترمي بملفات المتخرجين في سلة المهملات..نقابة اختارت أن تورث هذه المهنة لأبناء الشهداء الذين يفترض أن قضوا نحبهم في سبيل الله لا في سبيل أن يعيش أبناؤهم كالدبابات على أقفاصنا الصدرية..نقابة اختارت أن تكون مسلخة لكل متخرج جديد من أبناء البسطاء من الشعب..ولكي لا تفرم اصبعي مكيناتهم البغيضة...هربت بجلدي وعظامي وعقلي وقلبي...واخترت ما اختاره الله لي..."
اشتغل مصطفى بونيف مدرسا للغة العربية في إحدى مدارس عين وسارة المتوسطة لمدة سنتين، " اشتغلت في تدريس اللغة العربية في مدرسة كنت أحد طلابها، وهي مدرسة محمد الشريف بن عكشة، كنت أحاول من خلال هذه المهنة زرع بعض الورود الملونة في أراضي أصبحت كلها شوك وأعشاب ضارة...وأصدرت مرجعين للطلاب وهما...الوجيز في شرح قواعد اللغة العربية وآدابها. حيث احتويا على تبسيط للقواعد التي تخص النحو والصرف والعروض والبلاغة..وبعد انهاء العقد القصير أحلت إلى التقاعد عفوا البطالة "
نشر مصطفى بونيف مجموعة من القصائد على صفحات الجرائد الأدبية وبعض مواقع الانترنت..." توجهت إلى الرفض عن طريق الكتابة فنشرت قصيدة وسارة التي نالت إعجاب الكثيرين والتي اختصرت فيها المأساة...ثم نشرت قصيدة أبو حنيفة والحسن البصري في البيت الأبيض... والتي ردّدها الكثيرون.. و تعرّضت للنقد من حيث موضوعها وبنائها الشعري الذي اعتمد على الشعر النثري الذي لا توجد به قافية ولا وزن...وشرحت ذلك أن ما أكتبه لا أصنفه شعرا سوى لمدى ارتباطه بمشاعري، سموه ما شئتم سموه نثرا أو لا أدبا..سموه قمحا أو شعيرا أو خرطالا..كل ما أعرفه أني كتبت تلك النصوص بأعصابي..وشرحت وجهة نظري وتمسكي بتقاليد الشعر الأكاديمية من خلال قصيدة رسالة من الفراهيدي التي جلبت لي الكثير من الأعداء من الوسط الأدبي الجزائري..فمنعوا نشر ما أكتبه وهي أسوأ ما يمكن أن يعاقب به الكاتب
"
سافر مصطفى بونيف إلى مصر.." سافرت إلى جمهورية مصر الحبيبه بحثا عن عصا موسى عليه السلام...بحثت هناك عن شيئ ثمين ووجدته..لقد وجدت الحب الذي فتشت عنه سنوات طويلة في بلادي فتشت عنه فوق الطاولات وتحت الطاولات..وفي وفي قلب الثمار والفواكه..وفي الكتب ..وجدت في مصر وفي نهر النيل شعر ليلى الذي فقدته منذ عشرين سنة....."
عاد مصطفى بعد رحلة قصيرة إلى أم الدنيا...وكتب عن هذه الرحلة مطبوعة بعنوان " مصر..أول رحلاتي.." ، .." كتبت هذه المقالة الطويلة..لأني اكتويت بعشق مصر، لأنني شممت أنفاس عباس العقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين وأنيس منصور هناك، أصابني هذا الجنون الفرعوني فعدت بعقل محمل بملايين النجوم والأمنيات، ‘عدت مجروحا بعشق حوريات البحر الأحمر والأبيض ، وخواطر النيل الخالدة ، وقصائد فاروق جويدة .."
كتب مصطفى مجموعات كبيرة من المقالات السّاخرة جمعها في مطبوعة أسماها " خارج مجال التغطية " والتي جمعت بين الفكاهة والسياسة والأدب. والتي نشر موقع الهامل جزءا منها في المنتديات الأدبية ..كما نالت قصته الساخرة " عفريت من إسرائيل " نجاحا في مختلف الصّحف العربية وحققت قراءة كبيرة في المجلات الالكترونية على النت...نشرت " عفريت من اسرائيل " في صحيفة الصباح الفلسطينية. الأسبوع المصرية ، والساخر السعودية.
وكتب مؤخرا ديوانا شعريا عنوان.."حوار وطني إلى امرأة وطنية "
فقراءة ممتعة وسعيدة.
الهامل نت
08/11/2005