بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الدكتور ضياء الدين الذي قام بالرد على موضوع خطير , وله من الحساسية ما يجعله يكون حذراً من التوغل في الإفتاء أو الإسهاب في الشرح , لأن الموضوع يتعلق بين الشعر من جهة وبين الاقتباس من آيات الله في القرآن من جهة أخرى , ولو كان الأمر يتعلق بين النثر والاقتباس من القرآن أو الحديث , لوجدنا الأمر غير ذلك من الحذر , والسبب في ذلك لما سنوضحه تالياً من الإيضاح والشرح لكل مهتم .
إن الكلام العادي المتداول على ألسنة البشرية كلها , من غير إنشاد أو غناء أو ترتيل لا تتعدى مقاطعه على مقطعين :
المقطع الأول : وهو ( مقطع طويل ــ متحرك فساكن ــ وزمنه وحدتان زمنيتان ) مثل با بو بي / جا جو جي , عن / من / في / يس / نو / وي / هاي / واي / ذي/ إي / بي/ سي ) )
ومقطع قصير ــ متحرك ــ وزمنه نصف زمن المقطع الطويل , مثل ( بّ تّ جّ ........ )
وبما أن لكل لغة خصائصها لولادة الغناء أو الإنشاد أو الترتيل , فإن أزمنة كل نوع منها تأخذ طابعاً خاصاً ليميز الإنشاد الشعري عن الغناء أو الترتيل .
فالإنشاد : أزمنته تتطابق مع أزمنة الكلام العادي بمقطعين ( طويل وقصير ) بالأزمنة المشار إليها قبل قليل , مع نوع من الخاصية وهو , رتابة القول , وترتيب الأوتاد والأسباب الشعرية لإنتاج وحدات موسيقية تتكرر بانتظام ومقدار هذا التكرار ينبغي أن يزيد على (3 ) أبيات شعرية لكي يطمئن المتلقي بوجود موسيقى راقصة بالقافية تتكرر في نهاية كل بيت , ليقال أن الشاعر قصد الشعر , وكلامه هذا من الشعر الإيقاعي المعروف بانسجام أنغامه , وإلا فلا نسمي العبارة القصيرة شعراً حتى ولو تخيل إليك بأنها موزونة , ولا تستطيع أن تحكم على ميزانها إلا إذا تكررت مع غيرها لتشابه الزحافات وتداخلها في البحور .
وبمعنى آخر , فلا نستطيع القول بأن العبارة الموضوعة بين قوسين شعراً لبحر الرجز أو لبحر الكامل أو لبحر الوافر أو لبحر الهزج , إلا إذا كتب الشاعر التفاعيل والزحافات لنتأكد من إيقاعها قبل كل شيء.
مثلاُ : مررتُ برجلٍ (يذب عن حريمه ) من الأعداء
فلا نستطيع أن نجزم بأن ( يذب عن حريمه ) ( مفاعلن مفاعلن ) بأنها لبحر الرجز أو لبحر الهزج أو لبحر الكامل . إلا في حالتين فقط وهما :
الحالة الأولى : أن نكتب ألقاب الزحاف لتحديد أصل التفعيلة هكذا:
( موقوص موقوص ) مفاعلن مفاعلن (مجزوء لبحر الكامل )
( معقول معقول ) مفاعلن مفاعلن ( مجزوء الوافر )
( مقبوض مقبوض) مفاعلن مفاعلن ( مجزوء الهزج )
( مخبون مخبون ) مفاعلن مفاعلن ( مجزوء الرجز )
الحالة الثانية : أن يقوم المنشد بإظهار الإيقاع الشعري لهذه الجملة ويكررها ويكررها عدة مرات لنقول أن هذه هو إيقاع شعري خاص للبحر المطلوب , لأنه قصد الشعر وإيقاعه . فكيف بنا نذهب إلى آيات الله لنقتبس منها ( آية أو جزء من آية لنقول ( أن هذه الآية لبحر كذا وكذا ) ونحن نعلم أن الله سبحانه قد أبعد القرآن عن الشعر وإيقاعه , لقوله تعالى ( وما هو بقول شاعر , قليلاً ما تؤمنون ) , وأنزله مرتلاً لكي يكون هذا الترتيل ناسفاً للإيقاع الشعري جملة وتفصيلا, ولكي يكون هذا القرآن بقواعد الترتيل والتجويد , الذي يحمل ( أزمنة تختلف عن أزمنة الإنشاد الشعري أو أزمنة الغناء , بحركات زمنية تبدأ من حركة وتزيد على خمس حركات أو أكثر من الحركات الزمنية ) .
ثم كيف تصل بنا الجرأة لننشد آيات الله ممزوجة بالإيقاع الشعري الذي يختلف عن الترتيل ؟ ونحن نعلم أيضاً بأن الشعر وبحور الشعر كلها يمكن إنشادها , بل ويمكن الغناء بها . وهل يصح أن ننشد الآية الكريمة ( المدسوسة بالشعر ) إنشاداً شعرياً ؟ على وزن الرمل , أو على وزن ( طلع البدر علينا ,,, من ثنيات الوداع ) للآية الكريمة مثلاً ( لن تنالوا البر حتى ,,, تنفقوا مما تحبون ؟ ) أم أن الترتيل والتجويد يأخذها بعيداً عن رتابة الشعر وإيقاعه ؟
علينا أن نتوخى الحذر , ولا نسأل الشعراء بذلك لأن الشيطان يرافق أغلبهم , بل نحتاج إلى من يقوم بهذا الإفتاء من أهل العلم , وشكراً لكم ولمجهودكم إخواني .
أخوكم غالب الغول 14/ آذار 2014