محمد صلى الله عليه وسلم
لمَولدِهِ غَنّى الزَّمانُ وغرَّدا
وعاينَ بعدَ الحزنِ من جاءَ مُسعِدا
وليدٌ بهِ يحيا الجَدِيبُ كأنّهُ
سَحَابٌ أَغَاثَ الأرضَ ميلادُهُ الجدا
وليسَ جنيناً تشتكي الطلقَ أمُّهُ
وَلكِنّهُ الرَّحماتُ جاءَتْ لِتُنْجِدا
وَصَافَحَتِ الدنيا السّعودَ بنورِهِ
أزَاحَ تجلِّيهِ الظلامَ وبدّدا
وحيداً يتيماً أرْضعَتْهُ حليمةٌ
فأعْشَبَ مرعاها الصغيرُ وأرْغَدا
تَجَسّدَ معْنى الصّدقِ مِنْ لَمَحَاتِهِ
تخيَّرهُ ثوباً تزيَّاهُ وَ ارْتدى
و كانَ الفتى المعصومَ ليسَ بعاكفٍ
على صنمٍ يدعوهُ ذو ضلَّةٍ سُدى
و كم أكرمَ الأنعامَ في السَّرْحِ و الفلا
و أحسنَ للإنسانِ إذْ راحَ أو غدا
أمينٌ يُنادَى بالأمينِ لدى الورى
رشيدٌ إذا ما أصدر الرأي أوردا
خليقٌ بأنْ يستأمنَ المرءُ مثلَهُ
خديجةَ فاسألْ كيفَ مدَّت لهُ يدا
تٌضَاعِفُ في أمْوالِها بَرَكَاتُهُ
إنِ اليوم يأخذْ مالَها زادَهُ غدا
بغارِ حراءٍ قد نأى متأملاً
ليدركَ سرَّ الكونِ فيهِ تعبّدا
تحيِّيه أشجارٌ وتأنسُ صخرةٌ
بخطوتِهِ فالكونُ من حولهِ شدا
وتعْقِلُهُ الأشياءُ لو خرَّ ساجداً
تمنَّت جِبَاهاً كَيْ تخرَّ وَ تسْجُدا
وَ تسْتروحُ الأطياب في عرَصَاتِهِ
أحاديثهُ كفٌّ تضيءُ لترشدا
لقد كانتِ الدنيا قبيل مجيئه
كسجنٍ دجوجيٍّ من الظلْمِ شيُّدا
لصوصٌ وقطاعٌ وغزْو فإن ْ تكنْ
بلا عضدٍ تغدُ السَّليبَ المُصفّدا
تفرُّ من الأسيافِ بالسيفِ مُرغمًا
فتقتلُ منْ عادى وتروي المُهنّدا
ولا عُرفَ إلا القتل ُوالجهلُ والدّمَا
إلى أنْ أتَى هذا الرسُولُ مفنّدا
فأبدلَهُم رُحمى بكلِّ ضغينةٍ
و ألَّف بينَ العالمينَ و وحَّدا
و قدْ وأدَ الجهل الذي أغطشَ الحجا
كما وأدوا الأنثى وأصْلَحَ مفْسِدا
محا بيِديهِ البُؤسَ أمْطرَ رَحْمَةً
فأسْقى بها الأرواحَ حبًّا وأرفْدا
أتتْهُ براهينُ الإلهِ ووحيُهُ
بها اختصَّهُ الرحمنُ كيْ ينشُرَ الهدى
فنادى بنورِ الله للنّاسِ واهبًا
نجاةً وإسلاماً وَ وعداً مؤكَّدا
دعاهمْ إلى جنّاتِ عدنٍ مُبَشّراً
وَ أنذرَهم ناراً ستحرقُ مُلحدا
ويغرِفُ للمغْلوبِ من نبعِ عطْفهِ
فَيرجِعُ كالجذلانِ من بِلَّةِ الصَّدى
نبيٌّ من الله الكريمِ إلى الورى
و يشملُ من آذاهُ حلْماً فما اعتدى
ولو شاءَ أمضاهُ انتقاماً بدعوةٍ
تُجابُ فيفنى كلُّ صلْدٍ تمرّدا
على قُدرةٍ يعفو وَ يكظِمُ غيظَهُ
لِيَمحوَ أضغاناً كما السيفُ أُغمِدا
وصدّقَهُ المِسْكِينُ والعائلُ الذي
شكا سيّدا بالجورِ أصبحَ جلْمدا
وكذّبَهُ المغرور من حَسَدٍ أرَى
أخا الفضْلِ في نعماهُ دوماً محسّدا
صحابتُهُ منْ حولِهِ ككواكبٍ
يحفّونَ بدْراً وهْجُهُ يَمْلأُ المَدَى
أخافُ غلوّاً حينَ أمدحُ عاليًا
تَجَاوَزَ حَدَّ المدْحِ نفسِي لهُ الفدا
ولستُ بمدّاحٍ لأجلِ عطيّةٍ
ولكنّني أشدو صلاةً لأَحْمَدا
ومهْما أقلْ شعْراً أجِدْني مُقَصّراً
أيا شعرُ قلْ لي كيفَ أنْصِفُ أحمَدا ؟
لقدْ أنْصفَتُهُ سورةٌ تحملُ اسمَهُ
رفيعاً سَيبْقيهِ الإلهُ مُخلّدا
ألملمُ أيّامي القصيراتِ يائساً
وتحْمِلَني أيدي الزمانِ إلى الرَّدى
أرى نُوَبَ الدهرِ الطويلِ تعاضدتْ
عليّ ولم ألقَ المعينَ المؤيِّدا
حروبٌ وَ تشريدٌ وفتكٌ حياتُنَا
يُمزّقنا منْ رامَ ملكاً وسؤددا
ونحنُ شعوبٌ عُفِّرتْ بمذلّةٍ
إلى الخُبزِ تلقانا من الذلّ سُجَّدا
لقد سادنا من بعدِ عزٍّ عصابةٌ
غدا الدينُ فيهم عاجزاً ومقيّدا
فمذْ هجرِنا القرآنَ والهدْيَ لحْمُنا
حلالٌ لفأرٍ فاسقٍ قد تأسَّدا
أيا أمّةً تاهتْ قوافُلها فما
تعودُ لترعى في حماها مجدَّدا
وَدَدْتُ لَوَانِّي من زمانيَ راحلٌ
إلى زمنٍ بالخِيرِ كانَ مُمَهَّدا
إلى يثربٍ حيثُ اللجوءُ لأحمدٍ
كميَّاً تراني و الهمامَ الْمُجنّدا
فأقرأُ قرآناً وأشهدُ غارةً
وأنعمُ في ظلّ النبي لأَسْعدا
وأصبحُ درعاً دونَ أحمدِ واقفاً
وألقى سهاماً إنْ أخو الشركِ سدّدا
شعر / ظميان غدير