السلام عليكم
مانعرفه ان لكل إنسان كاريزما خصوصية , آراء وقرارات تتخذ جذورها من : المعرفة-البيئة-الخلفية الاجتماعية والعقدية, وبناء عليه تختلف مستويات فهمه وعلاجاته النفسية وطبيعة علاقاته وسلوكه البشرية.. ومن هنا لايمكننا مقارنة فرد بآخر مهما كان هناك قواسم مشتركة بين اثنين ولو كانا توام.
ولكن مالحكمية هنا؟ هل هو انعدام القرار. هل هو اختراق للخصوصية الإنسانية وجعل خطوطها العامة غير محددة ؟؟؟
**********
أدعوكم لقراءة هذا النص الهام:
***************
اللاحكمية ……
محمد عبد القادر الفار
الحوار المتمدن – العدد: 3378 – 2011 / 5 / 27
اللاحكمية أو non-judgmentalism هو توجه فلسفي-اجتماعي-أخلاقي يحاول تجنب إصدار الأحكام على الأشخاص والأحداث والأفكار والمشاعر والمواقف اي باختصار كل ما يجري تقييمه ووزنه والحكم عليه و”وسمه” على مدار الساعة من قبل أغلب الناس سواء كان ذلك فعلا معلنا كتصريح برأي أو فعلا داخليا لا يتجاوز التفكير
وقد تترادف اللاحكمية هنا مع مصطلحات أخرى على بعض المستويات، فعلى مستوى نظرية المعرفة قد نعتبر أن اللاأدرية agnosticism هي موقف لاحكمي ابستمولوجي، وعلى المستوى السياسي والاجتماعي قد نعتبر جوهر الفكرة الليبرالية “دون دلالاتها واشتقاقاتها الأخرى” جوهرا لا حكميا من جهة موقفة من الحريات العامة وتقبل الآخر على اختلافه. الأفكار اللاسلطوية والأناركية (بدلالاتها الفلسفية والاجتماعية لا السياسية فقط) تحمل كذلك جانبا من اللاحكمية برفضها للسلطة باعتبارها تصدر الأحكام وتنتج الحقيقة وتحاول تشكيل الوعي وخلق الثوابت. كذلك يمكن اعتبار المواقف الحيادية إزاء الأحداث السياسية شكلا من اللاحكمية، وهذا المثال الأخير يكشف الجانب الحساس من التوجه اللاحكمي كتوجه أخلاقي قد يفسر على أنه شكل من الميوعة الفكرية واللامبالاة ونفي اي شكل للقيم الإنسانية حيث أن تساوي كل الأحداث والمواقف من ناحية السياسة مثلا قد يرى كحالة غثائية حين يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه في حالة ما ولا يقيم الخطأ من الصواب
ذلك الجانب المتعلق بالقيم سواء كانت “قيما مطلقة مسقطة إسقاطا مثاليا من الايديولوجيا” أو “قيما مشتقة من الواقع الإنساني بترابطه وتفاعلاته المتشابكة” هو جانب يحتاج إلى وقفات كثيرة للتمييز بين اللاحكمية واللامبالاة، فاللاحكمية بالتأكيد تنفي الأشكال المطلقة للحقيقة وتتعارض مع الأديولوجيا، ولكن فهم الحقيقة وراء الموقف اللاحكمي من العالم قد يكون بداية الخيط الذي يميز جوهر اللاحكمية عن مجرد الحياد المتبلد (وإن كانت اللاحكمية تتعارض مع الانفعال وبالتالي تحمل نوعا من البلادة الحميدة)..
رغم أن اللاحكمية الآن “خاصة بشكلها الاجتماعي” هي سمة للمجتمعات المتقدمة إلا أن لها جذرا روحيا عميقا في الأساس، فهي قد ظهرت في الروحانيات الشرق اسيوية القديمة كحالة ذهنية تتيح للوعي أن يكتمل ويستوعب الكنه الحقيقي اللاحكمي للكون والذات، وبالتالي فهي حالة من التطهر الروحي من الكارما تترتبط بممارسات مثل التأمل والسعي للتيقظ وبالتالي هي ضمن هذا الفهم الهدف الأسمى والحالة الكاملة التي يحاول الإنسان الوصول إليها، والتي تتيح دخول المعجزات إلى حياته، لأن الأفق الواسع ضمن ذلك الفهم الروحاني هو وحده الذي يمكنه استقبال المعجزات والتغييرات الجذرية transformations التي تنهض بالإنسان إلى قامته الحقيقية
ولكن اللاحكمية كانت مرحلة مؤقتة ضرورية بالنسبة لبعض الفلاسفة والمفكرين الذين رأوا أن على الإنسان أن يتجرد من جميع الثوابت والأحكام المسبقة عند محاولته الوصول إلى الحقيقة، وهذا يتضمن نوعا من اللاحكمية، ولكن هذه اللاحكمية قد تتلاشى حين يصيح الباحث عن الحقيقة صيحة يوريكية تحاول إثبات شكل من الأشكال المطلقة للقيم أو الحقائق..
لإدارك جوهر اللاحكمية “كجوهر مجرد بسيط” بعيدا عن التفسيرات المعقدة والفروض الزائدة يمكن أن نفكر بمدى قرب أو بعد مفاهيم معينة من جوهر الموقف اللاحكمي للاقتراب من فهم اللاحكمية
اللاحكمية هي في حالة تنافر كبيرة مع مفاهيم مثل المقدس والمحرم والمنتهك والمشرف والحقير والقديس والبطل والدنيء
اللاحكمية أقرب لمطالب مثل رفض الإعدام وتقبل المثليين واللاعنف وحرية التعبير، وهي أقرب لتخفيف الأحكام عندما يتعلق الأمر بالقانون لأنها تسائل فكرة الجريمة والعقاب والفعل ونتيجته
اللاحكمية هي في حالة تنافر مع الانتماء والهوية والولاء… أي كلما زادت تلك التركيبات صرامة وتطرفا كلما تلاشت اللاحكمية
هل تتناقض اللاحكمية مع الفعل؟ مع القرار؟ … هل تساعد على الوصول إلى فهم أفضل للحقيقة… لإجابة تلك الأسئلة علينا أن نفهم أن اللاحكمية هي عكس الدوغما،، وبالتالي لا يمكن أن تتحول هي نفسها إلى دوغما،، ويكفي أن نستخدمها كأداة تحررية في سبيل فهم أكثر حكمة للإنسان وللإنسانية.
إضاءات على اللاحكمية
الحوار المتمدن – العدد: 3381 – 2011 / 5 / 30
شو شايف انت
أولا : لماذا اللاحكمية ؟
قد يسأل سائل : ما الفائدة من إضافة مصطلح جديد مثل “اللاحكمية” في وجود مصطلحات مثل “الموضوعية” و”النسبانية” التي قد يبدو أنها تتضمن فكرة اللاحكمية بشكل أو بآخر؟ هل الإضافة هي من قبيل التكلف؟ أم أن هناك جوهرا خاصا نحاول التعبير عنه عند استخدام هذا المصطلح
إن جوهر فكرة اللاحكمية يتعلق بتجنب الأحكام على البشر قبل الأحكام على الأفكار والأحداث، تجريد الإنسان من كل ما يتجاوز جوهره الإنساني الحقيقي، تجريده من صفاته الجيدة والسيئة، فالإنسان هو الموضوع هنا، وإصدار الأحكام على الأفكار والأحداث يعنينا بشكل خاص بقدر ما قد يقود إلى الحكم على الإنسان وتأطيره وتصنيفه، ذلك هو الجوهر المميز للتوجه اللاحكمي
ثانيا: في فهم جذور اللاحكمية
أساس اللاحكمية.. هل هو نظري؟
اللاحكمية حقيقة وليست فكرة نظرية نريد تطبيقها على الواقع، فالأقرب إلى الحقيقة هو أننا نشتقها من الواقع وليس العكس.. ورغم أن الحديث عنها على مستوى فلسفي وارد إلا أن دراستها كممارسة قد تكون أفضل بالنسبة لنا كوننا بصدد التطبيق الاجتماعي والأخلاقي للتوجه اللاحكمي..
جذر اللاحكمية نجده عند الأطفال بالذات، فكل طفل هو لاحكمي، يبدأ بخسارة لاحكميته مع اكتسابه للمعلومات والمعرفة وتكون خسارته لها هنا سريعة وكبيرة حيث نجد أن المراهق أو الشاب اليافع عادة ما يكون متطرفا وميالا لإصدار الأحكام على الناس، ثم قد يعود الإنسان إلى اكتساب شيء من اللاحكمية مع مروره بتجارب تثبت له خطأ بعض أحكامه السابقة وقد يتيح له الاطلاع على المزيد من المعرفة الموضوعية أن يراجع أحكامه ويصبح أكثر اعتدالا، وفي حالات كثيرة تتسبب المؤثرات الخارجية (وهذا يحتاج إلى وقفة خاصة) بجعل الإنسان يحتفظ بالكثير من أحكامه على الناس وقولبته لهم بحيث تصبح اللاحكمية في حيز ضيق جدا من طبع الإنسان،
فالأصل إذا هو اللاحكمية أو (الأصل براءة الذمة).. الجميع يبدأ لا-حكميا إذا، وتفقد الأغلبية الساحقة من الناس معظم لاحكميتها مع اكتساب المعرفة والتعلم، ويحتفظ جزء قليل جدا من الناس بقدر كبير من اللاحكمية الفطرية التي لا تأتي نتيجة اعتناق أو حالة تطهرية فلسفية بل نتيجة الاحتفاظ باللاحكمية الموجودة أصلا، فما نفعله نحن الآن عند محاولة تبني التوجه اللاحكمي هو محاولة لاستعادة الحالة الأصلية والأكثر راحة للنفس البشرية، أما عن هؤلاء الأشخاص الذين يحتفظون بلا-حكميتهم فسأتحدث عنهم لاحقا في هذا العرض، ولكن دعونا الآن نسأل هذا السؤال المهم :
لماذا يضيق حيز اللاحكمية لدينا باكتسابنا للمعرفة؟
الأمر هنا يتعلق بفكرة أساسية مفادها أن الإنسان يصبح مخولا بإصدار الأحكام بفرض امتلاكه للمعلومات الخاصة بها، أي أنه كلما زادت معرفتك بالشيء زاد حقك في تقييمه. هذه الفكرة تحمل جانبا مهما جدا من الصحة وهي تكتسب مع أول التجارب الأساسية والخبرات الأولية التي تبدأ مع الإنسان، وما يفقدنا لاحكميتنا ويجعلنا ميالين لإصدار الأحكام على الناس ناتج عن عملية قياس على هذه العملية، وحتى هذا القياس مفيد في جانب منه.. فالإنسان ينشد المعرفة بشكل أساسي لترشده كيف يتعامل مع هذا العالم قبل أن تكون المعرفة فضولا أو ترفا فكريا، وبالتالي فالإنسان يميل إلى فهم الظواهر التي يقابلها ليمكنه “التعامل معها” و”التنبؤ بها” ليتقي شرها أو يستفيد منها، ولهذا بدأ الإنسان بالتصنيف ووضع العلامات وقولبة الظواهر، وهذا الأمر ينسحب على علاقة الإنسان بالإنسان، فالإنسان “الآخر” هو ظاهرة، وظاهرة معقدة، فهو يفكر في وقت لا نستطيع نحن فيه أن نقرأ أفكاره، ولذا فإن تصنيف البشر وقولبتهم هدفه بشكل أساسي التنبؤ بردات فعلهم وتحديد الطريقة الأفضل للتعامل معهم، وبهذا فإن الأحكام الموضوعية حتى على البشر تبدو ضرورية للتعامل مع العالم لأن التعامل مع كل البشر بنفس الطريقة مهما اختلفت طباعهم وأفكارهم ومستوياتهم ليس من الحكمة في شيء.. والسؤال الحساس الذي نطرقه هنا والذي يشكل أساس كل الفكرة من طرح موضوع اللاحكمية أصلا:
هل لا مناص من تصنيف البشر ووسمهم بعلامات وتأطيرهم إذا ما أردنا فهمهم والتعامل مع كل منهم بالطريقة التي تناسبه وتناسبنا؟
.
.
أي باختصار: هل بعض الأحكام على الأشخاص ضرورية؟
.
.
.
.
من وجهة نظري فإن الكثير من الأحكام على الأشخاص هي أحكام مضللة، ففي حين أننا نحاول تصنيف الناس لتسهيل التعامل معهم إلا أن التصنيف والتأطير مهما كان دقيقا ومتشعبا قد يأتي بنتيجة عكسية لهدفنا من التصنيف، مرد ذلك هو الطبيعة الفريدة للتجربة الإنسانية “فكل إنسان حالة خاصة” .. “كل إنسان” .. لا توجد تجربتان بشريتان متطابقتان، فمهما حاولت ضبط المتغيرات بين شخصين اثنين،، لا يمكنك أن تضمن أن تكون التجربتان البشريتان متطابقتين، بل لا تستطيع أن تضمن أن تكونا متقاربتين حتى لغايات التصنيف وستفاجأ بأن ردات الفعل على أحداث معينة هي متباعدة جدا بينهما بحيث لا تبقى هناك أي فائدة لوضعهما ضمن فئة واحدة، فالتصنيف لا يفيد عندما يأتي الأمر إلى البشر، وأغلب مشاكل سوء الفهم بين البشر تنتج عن القولبة والظن بفهم الآخر دون محاولة ذلك والتنبؤ بردات فعل خاطئة..
.
.
الفهم إذا بدلا من الحكم..
.
.
وإذ كان “كل إنسان حالة خاصة .. فريدة .. unique.. ” فإن المطلوب هو فهم كل إنسان بدلا من وسم الناس والحكم عليهم .. فهل هذا الأمر معقد وصعب؟ وهل التصنيف أسهل؟ .. في رأيي فإن ممارسة اللاحكمية أسهل لأنك لست مضطرا هنا لوسم كل إنسان تراه والبحث جاهدا عن فئة تلحقه بها، ولن تتعرض للقلق أو الضيق عند تعاملك مع شخص تستصعب إيجاد الفئة الصحيحة له أو تستسهل وضعه ضمن فئة خاطئة وبعيدة جدا.. فكل شخص هو عالم في حدا ذاته .. وكل حالة هي حالة خاصة.. وبهذا فاللاحكمي لا يقول للآخر: “اعرفني أولا، حتى تحكم علي”.. بل يقول له: “اعرفني أولا..لا لتحكم علي.. بل لتفهمني وأفهمك!”
.
.
..ثالثا : الوجه الآخر للاحكمية
من المهم أن نذكر أن اللاحكمية لا تتعلق فقط بتجنب إطلاق الأحكام السلبية على الناس، بل كذلك الأحكام الإيجابية، ويأتي التركيز على موضوع الأحكام السلبية كوننا نبحث في اللاحكمية كتطبيق اجتماعي، وعند التطبيق الاجتماعي فإن الأولى هو تجنب الأحكام السلبية، ولكن هذا لا يعني عدم تجنب إصدار الأحكام الإيجابية، فالأحكام الإيجابية هي مصدر الكثير من البلاء، فهي المدخل للولاء الأعمى والانخداع والاتباع، ويجب أن نفهم أن الوجه الآخر للشيطنة هو التقديس، ولهذا فتجنب الأحكام الإيجابية هو من جوهر اللاحكمية، فكثير من الأحكام الإيجابية تأتي متسرعة وعن حسن نية، وتفتقد إلى الحكمة، كما أن الأحكام الإيجابية على فئة محددة دون غيرها يعني بالنتيجة حكما سلبيا على من لم يحظ بذلك الحكم الإيجابي وبالتالي هو تفضيل بعيد عن الحكمة التي ننشدها بالحديث عن اللاحكمية
.
.
رابعا : الشخص اللاحكمي في حياتنا
قلت عند الحديث عن الخسارة التدريجية للاحكميتنا الفطرية الطفولية أن بعض الأشخاص يحتفظ بطبع لا حكمي.. وقد تقف وراء ذلك أسباب كثيرة منها ما هو عائد إلى التربية ومنها ما هو عائد إلى الظروف ومنا ما هو عائد إلى تجارب خاصة جدا ومنها ما قد يعود إلى الفسيولوجيا أو الجينات حتى ..أو ربما غير ذلك .. المهم هو أننا نجد بيننا بعض الأشخاص اللاحكميين .. ولا نقول هنا بأنهم “لاحكميون وكفى”، لأن هذه قمة الحكمية، فمن اللاحكمية بمكان أن نقول أنهم “لاحكميون الآن” أو “لاحكميون في كثير من المواقف” .. وهم بالتأكيد يتصفون بصفات أخرى إلى جانب لاحكميتهم، فقد يكونون لاحكميين وروحانيين مثلا.. أو لاحكميين ومملين،، وأخذ الصفات الأخرى بعين الاعتبار هو عين اللاحكمية لأن الحكمية “التي نحاول التخلص منها تحديدا” تحاول التركيز على صفة ما واختزال الإنسان فيها، سواء كانت سلبية أو إيجابية،، ومن اللاحكمية بمكان أيضا أن نتذكر أن الصفة التي شاهدناها مع غيرها من الصفات التي شاهدنا ولم نشاهد هي “متغيرة” .. وأن كل إنسان فوق كل شيء هو حالة خاصة ويضيف إلى الصفة عند اتصافه بها.. كما يضيف الإنسان إلى الرداء حين يرتديه…
عودة إلى الإنسان اللاحكمي أو بتعبير أدق “حالة الإنسان عند اتصافه لوقت طويل بحس لاحكمي” .. هذا الإنسان اللاحكمي هو إنسان مريح لأغلب الناس، يحب الناس التعامل معه “لأريحيته”.. والناس تدرك أن هذا الإنسان مريح دون أن تبحث في سر هذه الأريحية ودون أن تهتم لمعرفة أن ما يقف وراء هذه الأريحية هي “لاحكميته”.. ونحن نرتاح للإنسان الذي يبدي لنا قدرا من اللاحكمية لأننا ننفر من الأحكام بطبيعتنا، لا نحب أن نكون بجوار إنسان يحكم علينا .. سواء تحدث عنا من وراء ظهرنا أو اكتفى بحكمه علينا لنفسه… لا نرتاح إلى وجودنا إلى جانب إنسان قد نفقد “احترامه” في يوم ما أوقد “نسقط من عينه” في يوم ما ، أو إنسان يبدو أنه يختبرنا.. فالإنسان يصبح منفرا عندما يصبح كثير الأحكام، خاصة إذا تجلت أحكامه بالكلام عن الناس في غيابهم، فالإنسان لا يشعر بالأمان إلى جانب شخص كهذا… ويفضل شخصا “غير متطلب” و”مرن التفكير” وغير مهتم بتقييم الناس، خاصة على مقياس : جيد – سيء
الإنسان اللاحكمي هو أيضا إنسان جذاب عموما،، يثير الفضول “طالما هو لاحكمي”،، يحب الآخرون أن يكونوا عند حسن ظنه رغم أنه “غير متطلب”، وقد يكون مرد ذلك هو أن عدم إظهاره لمعايير STANDARDS قد يجعل الناس يظنون أنها موجودة ولكن لا أحد يعرفها، وقد يكون هذا أيضا نوعا من التقدير له على “أريحيته”.. كما أن هذا الإنسان طالما هو لاحكمي فهو لا يميل إلى إصدار أحكام إيجابية أيضا وبالتالي فالناس قد تسعى لاشعوريا لأن تحظى بإطراء من ذلك الشخص، وقد يبدو ذلك الإطراء غاية كبيرة، وهذا لا يجعل من الشخص اللاحكمي شخصا كريها أو صعب الإرضاء، فهو لا يصدر الأحكام السلبية أيضا، فهو حياد جذاب ومحمود ويعطي جمالية من نوع خاص للشخص في كثير من الأحيان، كما أن الناس تحب أن تتعرف على موقف ذلك الشخص بالذات من الأحداث، لأنه في العادة لا يظهر معايير محددة وبالتالي يثير الفضول، وهنا ارتدت اللاحكمية على صاحبها فأصبح يتجنب أحكام الآخرين عليه (على عقله وموقفه على الأقل) لأنه ليس متطلبا ولا يظهر معايير خشبية يقيم الناس وفقا لها
خامسا : جميعنا لاحكميون في حالات كثيرة
نعم .. عندما ينشغل الإنسان منا بنفسه خاصة أو بأي شيء آخر، عندما يكون تركيزه منصبا في دراسة معادلة رياضية ما أو في البحث عن حل لمشكلة ما أو عندما تلح عليه بعض حاجاته الفسيولوجية كالجوع أو النعاس أو الشهوة، في هذه اللحظات عموما يقل ميل الإنسان لإصدار الأحكام خاصة على الناس، وهذا إن دل على شيء فإنما على دور الفراغ في خلق المزاج الحكمي حيث يصبح إصدار الأحكام عادة يستخدمها الإنسان دون وعي لشغل نفسه أو كحالة من حالات الدفاع النفسي التي تدفعه إلى إصدار الأحكام على الناس للتهرب من أحكام الناس عليه “خاصة عندما يعيش في مجتمع حكمي”..
نحن لاحكميون حين نحزن على ما هو محزن، حين نبتهج، حين نحب، حين نشتهي.. فهذه أمور متعلقة بالجوهر الإنساني المشترك لدى جميع البشر،، والمرتبط باللاحكمية،، أما صفاتنا العارضة فهي لكل واحد منا “حالة خاصة مركبة من الصفات” التي يتغير الكثير منها وينضج ولا يبقى على حال واحدة..
الهدف من الإضاءة على موضوع اللاحكمية ليس هدفا تطهريا ولا يرمي إلى التعقيد أو التغني بفضيلة ما،، بل هو تسليط للضوء على حالة إيجابية نعيشها جميعنا،، ولكننا نفقدها لأننا نتعامل معها دون أن ندركها في حالات كثيرة فننجرف إلى ما هو عارض .. ونخسر كثيرا حين نفقد هذه اللاحكمية
ومعلش احنا بنتكلم . . . . . . . .
.
.
محمد عبد القادر الفار
.
.
.
الموناليزا … ونظرة لا-حكمية في عيونها
.
.
.
المصدر
اللاحكمية Non-Judgmentalism « همس في ضوضاء …