عُرسْ الشيخ عبده
عندما بدأت الفرقة الموسيقية في عزف الألحان الصاخبة تمايل الرجال واهتز خصر النساء والفتيات وأحكم الشباب حولهم الدائرة ، دخل الشيخ " عبده" الحلبة راقصاً ، التف حوله المدعون غير مصدقين انه يستطيع الرقص برجل واحدة ، متناسين أن أول الرقص حجل وحنجلة ، بين الحين والحين يرفع العريس عكازه في الهواء ملوحاً به لعروسه ثم يرتكز به علي الأرض قبل أن يقع ، يواصل الرقص وعلي وجه ابتسامة وردية ، صعد إلي المسرح ثم جلس بجوار العروس ، رمقته بعيون خجلي ، اكتسي وجها بلون العذارى ، داعبته الراقصة بلمسة ماجنة ، هم ليجاريها لولا أن نهرته أمة فهدأت عواطفه برهة ، استكان ثم أطرق إلي الأرض ، انقضت عليه ذكرياته المؤلمة ، تلك " العلقة " التي نالها عي يد شيخه في الكُتَّاب ، يوم أن خطف ابنته علي حصانه " الغاب " ليمارسا معها لعبة الصبيان والبنات المحببة 00!!
انتبه علي لحن ختام حفل الزواج ، تأبط زراع عروسه وأحكم القبض عليه تحت إبطه اليمين فالعكاز في الناحية الأخرى ، ما إن اقترب قارعوا الدفوف من عش الزوجية حتى بدأت طقوس الحموات ، حملوا " هنية " علي طست نحاس خشيه أعمال السحر والشعوذة وأدخلوها إلي العش ، قفز خلفها العريس كالقرد الذي يقفز علي أغصان شجرة جرداء ، وضع عكازه في فتحة جلبابه وفرد رجله الأخرى ، سد بهم الباب ثم أغلقه من الداخل بالترباس 0
افترش الحموات الأرض أمام الدار غاضبتان ، التصقت آذان النساء بالجدران
، لم يسمعن إلا صوت ارتطام أعمدة السرير بالحوائط ، صرخة مدوية غطت علي صرخة العروس أعقبها طرقات متلاحقة علي وجه الباب00
فرَّت عواطف الشيخ "عبده" إلي الداخل مذعورة ، ما إن جذب الترباس حتى اندفعت أمه صارخة
: أمك ماتت من الفرحة يا " هنيَّة "
جلس العريس أمام دار العزاء ، يراقب وفود النسوة المتسربلة بالسواد ، كأسراب غربان تنعق بالخراب ، تصارعه هواجسه وتحرضه عواطفه للعصيان والثورة ، هل يحتمل فراق عروسك بعد أن تذوق رشفه من شهر العسل أيام الحداد الثلاث ، أم سيظل فراشه بارداً إلي أن ينتهي الحداد 00!!؟ هز رأسه وحدث نفسه هامساً بصوت ضعيف
: لا 00 لا
اقتحم معسكر الحريم بغتة، انتصب واقفاً وسط النادبات ، ارتبكن وارتبكت العروس من هول المفاجأة
سألته مندهشة : " عاوز حاجة يا سي عبده
: قوميي روَّح ْ
: لسه العزاء مخلصش
: ليش دعوة
احمرت وجنتي " هنية " لمَّا رأت في عينيه آتون نار ، تلعثمت وزاد من ارتباكها عيون النسوة اللاتي تراقبهن باهتمام شديد ، يستمعن بشغف للحوار الدائر بين العروسين ، تلاشت الأحزان في لحظة وحل محلها في الوجدان ذكريات شهر العسل 00
تحاول "هنية " جهدها أن تغير مجري الحديث ، داعبته بغمزه من عينها ثم قالت
: " العشا عندك في النمليَّة "
: أكل 00لا 00 ننه هووووووووه
وارت النسوة خدودهن خلف ستائر الأحزان باسمات ثم شاركن في الحوار الدائر بشغف من خلف براقعهن
: مستعجل علي إيه ؟
: بكرة تزهق00!!
: أمه قول 00 عبده هات نونو
قالت العروس ضاحكة
: الله يفضحك رااااجل
: قومي يا بنتي شوفي طلبات جوزك
تهيأت النساء للرحيل علي عجل ، فردن ملائتهن السوداء كأجنحة سرب طيور يستعد للطيران / رفرفن بالأجنة فطردن نسمة هواء ساخنة التصقت بالأجساد ، أخفت البراقع عواصف الشوق واللهفة ولمعان العيون 00
خطف الشيخ " عبده" عروسه مرة ثانية علي حصانه "الغاب " وعاد بها فرحاً إلي عش الزوجية ، قبل أن يصعد للفراش ترامي إلي سمعه صراخ أخواته البنات