غنوة الرافدين
شعر
شاكر محمود حبيب
لا تسأل الجرحَ في أعياد بغـــــــدادِ
واسأل هواها ترى فيها الهوى حادي
غنّت بأوجاعها تحنو مكابـــــــــــدةً
امٌّ وفي صدرها حــــــــــــب ًّ لأولاد
تمشي وفيها على انـــف العدى كِبرٌ
يصحو- إذا مسها جــــــور- بأسياد
ما نامت العين فيهم خلف داجيـــــة
أو اسكر الأنس فيهم ذكـــــــر عبّاد
يهزّهم طرب الإيــــــمان عامـــــرة
فيه القلوب ومنه زادهــــــم غــــــاد
فدرةُ المجد تزهو فوق ظلمـــــــتها
وعلمت دربها من مجـــــد أجـــــــداد
وخضّرت عمرها بالعلم مقـــــــدرة
وأوقـــــــدت في سماها نجــــم رواد
وسيّرت كل آمال السنين لنـــــــــــا
فصار فينا نداء بالهــــــوى نــــــادي
وخيّمت في متاهات الدجى قمـــــرا
والوجه مصبــــاحُ ميـــــلاد لميــلاد
ويمطر النور من أهـــــدابها نغمـــاً
وتعلق الحُسنَ فيها عـــين حسّــــاد
تاج المدائن فيها كـــــل غاليــــــــة
وجوهر المجد فيها تاج بغـــــــدادي
هذي عروس الهوى تسمو بأعيننا
وتسكن القلب والأسوار أكبــــــــادي
يضمها القلب في أعماقه ولـــــــــهُ
وتنسج الروح أشواقا بإنشـــــــــاد
وتشرب الماء من قلبي بآنيـــــــــةٍ
ما مسّها كف سبّــــــاكٍ وحـــــــداد
ماء الحمية في أعماق ساقيـــــــــة
يجري على الرحبِ من أعماقِ أمجادي
***
عفوا ً إذا مسّ جرحي عينَ غافيــة
مـــن المدائن فــــــــي ذل وإخـــلاد
ما كـــنت ادري تــــدق الآهُ زفرتها
وتخنق السمع فـــــــي أذان منقـاد
ما علّمتني رماد العين انفخـــــــــه
وانبش الجمر في مزمار إنشــــادي
بل اكتم النار في صدري واحبسها
وإذ يفيض اللظى من جمــــره زادي
بغداد شدي فأنت اليومَ واقفــــــــة
وحولك الروم من خاف ٍومن بـــــاد
فيقظة القلب تحمي العين دمعتــها
وفي يديك منار العزم بغــــــــــدادي
فما طويْتِ على ظهر مواجِعَـــــــه
وقلت اهاً على قيدٍ لجـــــــــــــــلاّد
ولا ارتديت من التاريخ ظلمتــــــه
إذا تنفس جوراً ليلُك ِ الهـــــــــــادي
فشمسكِ الشمسُ في أنوارها اغتسلت
وزينت حسنها من حلة الـــــــــوادي
وماؤكِ العذب كم تحلو مشاربــــه
و حام طير الهوى في لهفة ٍ صـادي
وغنت الروح في موال عاشقــــةٍ
تهز شوقا غفا في عين سهـــــــاد
وجاورت انسها في القلب ساكنة
وأيقنت أنها في انس بغــــــــــــداد
تتلو الهوى في مزامير السنين هوىً
وتسكب الحب في جـــــــــرّات وُرّاد
وتعشق الليل فيها كل عاشقــــــة
تظلل الجفن في أهداب رقــــــــــّاد
وتسكب القلب في موجات دجلتها
ليحضن النخلَ في أشواقه الـــوادي
وتنثر الحبَّ ميراثاً بساحتــــــــها
تقاسم الناس فيه حب بغــــــــداد
معمورة الأرض لا ترسو سفائنها
كأنها موكــــــــب تجـــــري بأوراد
***
بغداد يا غنوة النهرين باقيـــــــة
يشدو الزمان بها الحــــان قصّـــاد