محمد حبش: قراءة في فقه الزمن
المصدر محمد حبش
09 / 12 / 2007
لا يقسم العباد إلا بالله، أما الله فيقسم بما يشاء، ولكن إذا أقسم الله بأمر فإنَّ ذلك دليل على شرف هذا الأمر وأهميته، وهنا نطرح السؤال التالي: أليس من المدهش أن يكون القسم في القرآن الكريم بالزمن في مواطن كثيرة: والعصر والضحى والليل ومواقع النجوم.أقسم بالزمن لينتبه الناس إلى أهمية الوقت في حياة المؤمن، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولن يشبع المؤمن من خير يصيبه حتى يكون موعده الجنة.
حتى قبل أن يخلق أينشتاين، وقبل أن يعرف الناس أنَّ الزمن هو البعد الرابع للأشياء؛ فإنَّ النبي الكريم كان ينبه إلى دور الزمن في حياة الإنسان، وفي الحديث الشريف: من استوى يوماه فهو مغبون (خسران)، ومن كان أمسه خيراً من يومه فهو محروم، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان، ومن كان في نقصان فالموت خير له.
لا يوجد في فقه القرآن توقف الزمن، وحين تتوقف فأنت تتراجع، ولو بدا لك أنك راسخ في موقعك لم تتأخر أبداً؛ فالزمن ماض إلى غايته، وما كنت توازيه اليوم فهو أمامك غداً، وما كان وراءك بالأمس فهو يوازيك اليوم.
وفي إشارة لافتة، فإنَّ القرآن يقسم بمواقع النجوم، ولا يقسم بالنجوم نفسها، ومواقع النجوم هي الأمكنة التي كان فيها النجم عندما انبعث ضوءه ونوره، فالقمر يبعد عن الأرض ثانية وثلث بسرعة الضوء، أي ما يقارب أربعمئة ألف كيلومتر، وما تراه الآن هو القمر كما كان قبل ثانية وثلث، وتبعد الشمس عن الأرض ثماني دقائق نحو 93 مليون ميل؛ وبهذا المعنى، فإنَّ ما نشاهده هو ضوء الشمس الذي انطلق منها قبل ثماني دقائق. وكوكب بلوتو يبعد عن الأرض مسافة يوم كامل بسرعة الضوء، وما تراه منه الآن هو ضوءه الذي انبعث قبل أربع وعشرين ساعة. وفي السماء كواكب ونجوم نراها في أمكنة، وقد تحولت عن هذا المكان منذ سنين، بل إنَّ بعض النجوم التي نراها اليوم متألقة قد هلكت منذ ملايين السنين، وأصبحت في الثقب الأسود تلتهب حمماً، وما تراه منها الآن هو مواقعها التي كانت فيها قبل ملايين السنين حين انبعث منها هذا الطيف الذي تبصره.
ليست تأملات فلكية بقدر ما هي حسرة على قيمة الزمن في حياتنا اليوم، حيث أصبحت كلمة الوعد العربي والتوقيت العربي مرادفة لفوضى الزمن. وحين نذكر بحسرة أنَّ اليوم العربي قد أصبح في العاشرة والحادية عشرة، فيما يبدأ اليوم الأوروبي والياباني قبل طلوع الشمس؛ فإنَّ علينا ألا ننسى أنَّ اليوم في الإسلام يبدأ مع طلوع الفجر تماماً كما تعرفه وتشهده الأمم الحية الواثبة.
ما مضى فات والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، وإذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.