قصة نعمة مدرستنـــا
من مؤسسة بنكية أقبل، تركها مدبرا و هو يلعن الأبناك بما فيها إلى يوم الدين.
عــادل عــاد إلى أصله، عــاد إلى مدرسته... و في لحظة شوق إلتقى بخلانه و أصدقـائه، رجع إلى الحـاسوب، و برجوعه عـادت البسمة إلى المؤسسة.
بشوش و صبور... لا يشتكي، يتقبل الركـام الكبير من أوراق التمارين و الإمتحانات، و ينجزهـا في صمت، لا يتذمر و لا يتأوه.
يضحــك حين أقول له * خطــأ * يزداد ضحكـا حين أردد 200 مسكة.
صـاحبة thème de vie تأتيه بالعجائب، فهي تريد في مادتها عصفورا بالقرب من حلزون.... و ثعبان فوق شجرة، و دجاجة بجانبها أرنب بري.....
من أراد التوقيع فليبحث عن عـادل، أجمـل مـا فيه أنه ينصت للجميع، قلبه لا يعرف الغضب و إذا حس بالإجهاد، يكتفي بوضع رأسه على راحتي يديه.
عــادل شــاهد عصـر، على مـا يحدث في مؤسستنا من أحداث. سجل تمارينا في حاسوبه يختزنها إل يوم الحشر.
من يفهمه، يألفه، و بسرعة تنشأ معه علاقة ودية طيبة، و كلما وقع مشكل و بلغ السيل الزبى، فـال ببرودة للجميع * شي بــاس مــا كــاين *
لا ترى عـادل دون أن ترى فطومة بجانبه تساعده، تحاوره، ترتب معه الأوراق و الملفـات. و هو بالفطرة يساعد الجميع، ينصت للمشتكين و المتقاضين، و يترك الحكم لخالق الخلق.
الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان، و لا يتناطح فيه عنزان، أن عـادل بشهادة الجميع كفء في عمله، يتواصل بسرعة، و يقدم الخدمات حتى و لو على حساب راحته و وقته.
كنت أسأله مازحا إلى أية جماعة إسلامية تنتسب؟ كـان يكتفي بالابتسامة، و يترك الحبل على الغارب.
حكى لي الكثير عن تلك المهنة الملعونة المليئة بالغش و الخداع و النصب و الاحتيال، من كثرة الاقتطاعات و العمليات الغير المفهومة.
يفتح لي المنابر و يتركني أحاور تلك الكائنات الفكرية.
مع اقتراب المراقبة تنزل عله الأوراق من كل فج عميق، و يستقبلها بصدر رحب.
يضحك عادل لكل واقعة أو نازلة تقع في هذه المؤسسة، لا يعلق يكتفي بترديد اللازمة * شــي بــاس مــا كــاين*
قلت لـه هــا هي الأرض الخصبة المعطاء، ترفرف بجناحيها كحمامة وديعة- هــن لباس لكم و أنتم لبــاس لهــن ....- و مـا عليك إلا التوكل على الله.
عــادل جزيرة خصبة، مليئة بثمار المعلوميات، يكفي أن تسأله ليخرج لك من ذلك الصندوق السحري الذي يسمونه الحاسوب العجب العجاب.
حين يغيب عادل عن المدرسة لأي سبب من الأسباب، تشل الحركة، و يسود الصمت، و تنزل غمامة سوداء تحلق على أجواء الدراسة، مكتبه فارغ، و الحياة من حولنا لا معنى لها. حتى إذا مـا عـاد فرحت القلوب و تهلهلت الأفئدة، و عادت البسمة للجميع.
لم أنس تلك الواقعة العجيبة و الغربية في نفس الوقت، حين وجه عادل الكاميرا نحو المديرة المبجلة، و دعاني للرؤية، و لشدة ما ذهلت و أنا أرى مديرتنا متربعة على الشاشة، و هي تنظر إلينا بطرف عيونها، بدت داخل الحاسوب كسلحفاة ثخينة تحرك عينيها لمعرفة ما يقع حولها- فجأة- انتبهت للعبة و قالت لعادل: هل هذه الكاميرا تصور و تسجل؟ أرجوك أبعدها عني. ضحكنا ساعتها كثيرا، و للفكرة الجهنمية التي جاءت في ذهنه.
لأول مرة بدأ عـادل يتضايق من هذه المديرة الغربية الأطوار التي تسأله في كل شاذة و فاذة. تقول له، ماذا تحمل في يدك؟ متى جئت؟ و إذا غاب تسأل عنه فطومة.
عــادل اجتماعي بطبعه يحب النكتة و المزاح و النشاط.
في النزهة إلى زمكيل، أعد لنــا برادا من الشاي ارتشفناه بلذة.
و في وقت الأزمات و الشدة، يحول عادل القضايا الشائكة إلى ملفات سهلة، يضحك في صدق، و يقول لنا لازمته المشهورة * شــي بــاس مــا كــاين*.
عــادل بنشاطه المعهود يوزع الأقراص المضغوطة على التلاميذ، يرشدهم إلى تعلم الإعلاميات. ينجز جدول الحراسة، يحاول جاهدا إن يرضي كل الأطراف.
يوزع الابتسامات و السلام على الجميع. غيابه يفقدنا نكهة الجو الدراسي.
ترحل بنا الحياة نحو الأمـام: بأحزانها و مسراتها، بحقها و باطلها، و يستمر الحكي و القص. فهــل مــا زال عــادل يفكر في الأرض الخصبة المعطاء، أم أن سفره للعمل إن شــاء الله سينسيه تلك الحمامة البيضاء التي كانت تحلق في سمائه...