هل أنت سعيد؟ - د. زياد الحكيم
إذا حللنا ما يقوم به الناس عموما من فعل نتوصل إلى أنهم مدفوعون جميعا برغبة في الإحساس بالسعادة. كل فعل في الواقع هو بحث عن السعادة، حتى وان بدا على السطح انه ليس كذلك. الإحساس بالسعادة هو الهدف الرئيسي. نذهب إلى السينما، نقرأ كتابا، نتناول وجبة في مطعم أنيق، نبحث عن صداقة غنية مفيدة – كل ذلك من اجل أن نشعر بالسعادة. وإذا لم تنجح المحاولة نعيدها آملين أن تنجح في المرات اللاحقة.
من من الناس لا يحلم بقضاء إجازة في مكان جميل؟ وبشراء سيارة فارهة؟ وبالإقامة في بيت أنيق؟ وبالعثور على رفيقة العمر أو رفيق العمر؟ كل الناس يهيمون بين وقت وآخر في لحظات من أحلام اليقظة. ويحاول البعض منهم أن يحول هذه الأحلام إلى حقيقة. لماذا؟ من اجل الإحساس بالسعادة. وماذا عن الناس الذين يعرضون حياتهم للخطر بتسلق جبل شاهق؟ أو يدخلون في كهف لم يدخل إليه احد بعد؟ ويغوصون في أعماق البحار والمحيطات؟ إنهم جميعا يبحثون عن لحظات من الإحساس بالسعادة والنشوة. وحتى اللص يسرق من اجل إحساس بالخطر والإثارة أو من اجل الحصول على مال سريع ينفقه في ما يعتقد انه يجلب له السعادة. انه يبحث عن السعادة وان كان بطريقة إجرامية ومنحرفة.
وبإمكاننا أن نواصل الحديث في هذا السياق ساعات طويلة. ولكننا نستنتج من هذا كله أن الإحساس بالسعادة هو الدافع الذي يشكل سلوك كل واحد منا. وكل واحد منا يبحث عن السعادة بطريقته الخاصة. أحيانا يبحث عنها البعض بطرق أنانية تؤذي الآخرين وتزعجهم.
وإذا كان كل ما نقوم به من محاولات هو من اجل السعادة فإننا قد لا نجد السعادة التي نشتهيها. وكم نقرأ عن أشخاص حققوا الكثير على الصعيد المادي ولكنهم أخفقوا في الوصول إلى ذلك الإحساس المنشود، وانتهى الأمر ببعضهم إلى الجنون أو الانتحار أو الاكتئاب.
يقول بعض علماء النفس إن الإنسان كائن روحاني في جسم مادي. والجانب الروحي منه في حالة سعادة دائمة، أو هو السعادة نفسها. والجسم يلف الجانب الروحي بماديته فيبعدنا عن الإحساس به. هناك رغبة دائمة في الإحساس بهذا الجانب الروحي. ونحن نبحث عنه دائما. هناك عنصر مشترك في كل النشاطات التي نمارسها من اجل تحقيق الإحساس بالسعادة. فعندما نصل إلى قمة الجبل أو عندما نتناول وجبة لذيذة أو عندما نربح ورقة يانصيب – هناك عنصر مشترك في كل هذه النشاطات.
في قمة الإحساس بالسعادة تتوقف عملية التفكير. هناك صمت داخلي. يتوقف الإحساس بالقلق والخوف. نشعر بالسلام والاطمئنان. ينتهي الإحساس بالخطر. وهذا كله يستغرق لحظة قصيرة أو أكثر من لحظة بقليل. ليس ما حصلنا عليه من كسب مادي وليس النجاح هو الذي أعطانا هذا الإحساس. كل ما حدث هو أنه انكشف الغطاء لحظة عن الجانب الروحي الذي هو في حالة سعادة دائمة أو هو السعادة نفسها.
السعادة موجودة في داخلنا دائما. ولكنها ترقد تحت أكوام من الأفكار والرغبات والهواجس والمخاوف. نشعر بها عندما تتحرر من هذه الأكوام وتظهر إلى العلن نقية جميلة. علينا أن نغوص في أعماقنا للاقتراب منها فهي حالة داخلية وليست شيئا نبحث عنه في العالم المادي الذي حولنا وفي ظروفنا. إن السعادة موجودة في هذا العالم، ولكنها في الوقت نفسه خارج هذا العالم.
إن كل ما من شأنه أن يجعل العقل في حالة من الهدوء والاطمئنان، وكل ما من شأنه أن يهدئ من روعنا ويخفف من مخاوفنا ويحد من رغباتنا المادية المجنونة سيقربنا من ذلك الجوهر الداخلي الذي سميناه السعادة بغض النظر عما يدور حولنا وعما نمر به من ظروف. وهذا كله ممكن التحقيق. علينا أن نعي هذا الذي نقوله وأن نرغب رغبة أكيدة في الكشف عن ذلك الجوهر. علينا أن نقوم بالخطوة الأولى اليوم، وستبدأ السعادة بملء حياتنا بالتدريج.