التحنيط عند القدماء

--------------------------------------------------------------------------------

من المعلوم انه ما من امة تجهل التاريخ عامة وتاريخها خاصة الا و يجبرها التاريخ ان تعيده بحذافيره وحرى بنا ان نعيد دراسة تاريخنا لكى نستمد منه ما يعيننا فى صناعة الحياة وان نستعيد مجدا تليدا للاسف الكبير لم يبقى منه بيننا الا مجموعة اثار لم نكتشفها نحن بايدينا ولكن جاء من يزيح عنها التراب ويقاسمنا ايها ولم نفكر يوما ان نعيد تاريخ اجدادنا واكتفينا بالتغنى بهم وبتاريخهم

اخوتى ان الناظر الى ما أل اليه حالنا والناظر الى تاريخ مصر القديم لا يمكن ان يعتقد ان من يعيش على ضفاف النيل الان- من السودان جنوبا الى البحر الابيض شمالا ومن البحر الاحمر شرقا الى ليبا غربا – انهم احفاد المصرى القديم مشيد الاهرامات ورافع المثلات فالفرق بننا وبينهم شاسع وواضح حتى لغير المبصرين فمن نحن ومن هم

ولذا تعلوا اخوتى نعيد قراءة تاريخ مصر القديمة فى قراءة سريعة لبعض علومهم وفنونهم علنا ان نحس ببعض الغيرة تدب فى اجسادنا فنعمل جاهدين ان نعيد التاريخ بايدينا بدلا من ان يفرض ذلك علينا

وسأبدأ انا هنا بالتحنيط وفى صورة وجيزة

التحنيط احد مظاهر التقدم فى الحضارة المصرية القديمة ويدل على مدى ما بلغته فى فهم اسرار كثيرة من اسرار العالم وعن مقدار الذخيرة الصحيحة التى حصلت عليها من المعارف العلمية الدقيقة والصحيحة
وظلت اسرار التحنيط سر دفن مع المصرى القديم لم يتمكن العلم الحديث حتى الان من معرفة السر وراء بقاء هذه الاجساد منذ الاف السنين ورغم الادعاء بكل هذه الثورة العلمية الحديثة فى مختلف العلوم فانهم الى الان لم يستطيعوا تحنيط جسة تبقى محنطة كما بقيت جسس الفراعنة التى بين ايدينا الان

وينبع اهتمام المصرى القديم بالتحنيط هو اعتقادهم بعودة الروح وكان من صلب معتقاداتهم سلامة الهيكل ضمانا لعودة الروح اليه



*** تطور علم التحنيط **


منذ عصور ما قبل التاريخ كان المصرى يدفن موتاه فى قبور سطحية _ليست عميقة – حيث كان الجسد يلامس طبقة الرمال السطحية الحارة - المعرضة للشمس – وبذلك تمتص هذه الرمال السوائل من الجسد فيجف وكذلك تمنع نمو الميكروبات التى تحلل الجسم وبذلك يبقى الجسد حافظا لكيانه فترة طويلة
وبالتدريج عندما شاهد المصرى ان السمك يظل سليما اذا جفف واذا ملح واذا نزعت منه احشائه فاهتدوى الى وضع اسس التحنيط والمعتمدة على تجفيف الجسة من الرطوبة وتمليحها
وعندما تقدمت المعارف فى الطب والكيمياء اخترع الكهنة الى الوسائل الاولية اللازمة للتحنيط مثل الصمغ الصنوبرى ( الراتنج ) والنطرون .......

** وصف هيرودوت لطرق التحنيط **

ذكر هيرودوت طريقتين وهما "
الطريقة الاولى :-
1- المخ :
اخراج بعض المخ من المنخرين -الانف – وذلك بقطعة حديد معقوفة ( خطافبة ) والبعض الاخر يخرجوه عن طريق حقن عقاقير خاصة يصبونها فى الرأس
2- الجسد:
يشق الجسد بحجر اثيوبى حاد ويخرجون الاحشاء كلها ويغسلونها بنبيذ التمر ثم يملؤون الجوف مسحوق مر نقى ودار صينى و عطر العشبة وسائر انواع الطيب ما عدا البخور ثم يخيطونها مرة ثانية
3- ثم يملحون الجثة بتغطيتها بالنطرون سبعين يوما وهذا كفيل بان يزيل طبقة اللحم ولا يبقى من الجثة غير طبقة الجلد والعظام والعضل
4- فى نهاية السبعين يوما يغسلون الجثة ويلفونها بلشرائط من الكتان الشفاف المدهون بالصمغ

الطريقة الثانية :
1- الراس:
كما فى الطريقة الاولى
2- الجسد :
يحقن الجسد من خلال فتحة الشرج بزيت الصنوبر حتى يمتلئ الجوف(( بدن فتح البطن او استخراج الاحشاء )) ثم يسدون الشرج حتى لا يخرج الزيت
3- ثم تملح الجثة بتغطيتها بالنطرون كاملة لمدة سبعين يوم الذى يأكل اللحم ويترك طبقة الجلد والعظام والعضل
4- فى نهاية هذه المدة يخرجون الزينت من الجثة فيخرج بعد ان يكون قد أذاب الاحشاء وحللها
5- ثم تلف الجثة بلفائف الكتان المعقمة والشفافة


** شرح مراحل التحنيط **


مما سبق يمكن اجمال خطوات التحنيط فيما يلى :-

1- استخراج المخ من الجمجمة بالشفط عن طريق الانف باستعمال الازميل والمطرقة للقطع من خلال الجدار الانفلا وبعد ذلك يسحب المخ من خلال فتحة لانف بسنارة محماة ومعقوفة
2- استخراج احشاء الجسد كلها ما عدا القلب (( مركز الروح والعاطفة )) وبذلك لا يبقى فى الجثة اية مواد رخوة تتعفن بالبكتريا اما بالفتح او حقن زيت الصنوبر فى الاحشاء عن طريق فتحة الشرج
3- يملى تجويف الصدر والبطن بمحلول النطرون ولفائف الكتان المشبعة بالراتنج والعطور وهى جميعا مواد لا يمكن ان تكون وسط للتحلل والتعفن بالبكتريا
4- تجفيف الجسد بوضعه فى ملح النطرون الجاف لاستخراج كل ذرة مياه موجودة فيه واستخلاص الدهون وتجفيف الانسجة تجفيفا كاملا
5- طلاء الجثة براتنج سائل لسد جميع مسامات البشرة وحتى يكون عازل للرطوبة وطاردا للاحياء الدقيقة والحشرات فى مختلف الظروف حتى لو وضعت الجثة فى الماء او تركت فى العراء
6- فى احد المراحل المتقدمة من الدولة الحديثة تم وضع الرمال تحت الجلد بينه وبين طبقة العضلات عن طريق فتحات فى مختلف انحاء الجثة وبذلك لكى تبدوا الاطراف ممتلئة ولا يظهر عليها اى ترهل فى الجلد
7- استخدام شمع العسل لاغلاق الانف والعينين والفم وشق البطن
8- تلوين الشفاه والخدود بمستحضرات تجميل
9- لف المومياء باربطة كتانية كثيرة قد تبلغ مئات الأمتار مدهونة بالراتنج يتم تلوينها باكسيد الحديد الاحمر ( المغرة الحمراء ) بينها شمع العسل كمادة لاصقة


**العلم الحديث يشرح التحنيط**


من المعلوم انه عندما يموت الانسان تتوقف وظائفه الحيوية ويتوقف التمثيل الغذائى ويتحول الجسم الى جثة تبدأ فى التحلل والتعفن وبسرعة الى الحالة العضوية الاولى التى يتكون منها الجسد
والتعفن هو انحلال المواد العضوية النيتروجينية بواسطة الاحياء الدقيقة الدنيا
واثبت العلم الحديث انه يمكن ايقاف عملية التعفن والتحلل بطريقتين :
اما بقتل الميكروبات بمواد كيميائية
او منعها من النمو والتكاثرعلى وفى الجثة وذلك بحرمانها من الماء و الرطوبة ويتم ذلك بالتجفيف والعزل عن الرطوبة
وقد نجح المصرى القديم فى فعل ذلك حيث :
ان الاساس الكيميائى الذى يعتمد عليه علم التحنيط هو عملية التصبين ((saponifcation )) اذ ان تفاعل ملح النطرون مع دهون الجثة يؤدى الى تكوين جلسرين + صابون والمعروف ان الجلسرين والصابون وسط كميائى غير مناسب لنمو الميكروبات او الحشرات وكذلك الجلسرين ذو فائدة فى اضافة نعومة لملمس الجلد
كذلك وجود تركيبة الاعشاب داخل التجاويف والمكونة من اعشاب لها روائح عطرية طاردة للميكروبات والحشرات والتى اكتشف مفعولها واكده العلم الحديث