استيقظت على غير عادتي في العاشرة صباحا كأن هناك من أيقظ روحي , وعلى عجل وضعت ركوة القهوة على النار, ما زالت آثار الخمر تدور في رأسي من سهرة الأمس .. أتنهد وأنا أداعب حروفا من ليلة الأمس ..دقائق تحت رذاذ الماء المتساقط من الدوش تبلل شعري وتنساب ببطء على جسدي .. راودني شعور غريب من اللذة عند انسياب الماء البارد ..كأنه يزيل عني غبارا تراكم دهرا ..
فتحت باب الشرفة غير مكترث لأثار الفوضى التي خلفتها ليلة الأمس.. أعقاب السجائر وعلب الدخان الفارغة التي التهمتها بشراهة تنتشر في الغرفة, لم أهتم إلا بأصص النباتات الحزينة التي تملأ الشرفة , أحسستها تعاتبني بتمايل أوراقها الذابلة.. سقيتها بماء من روحي.
فتحت الحاسوب لأسمع فيروز فأنا لم أسمعها منذ زمن طويل... لن أخبركم عن السبب الذي دفعني لسماعها .. أو على الأقل ليس الآن .. وستكتشفون ذلك بأنفسكم يوما ما .. مصادفة كانت الأغنية "بناديلك حبيبي ما بتسمعلي ندا "
كنت على موعد مع من سكنت روحي نحتسي القهوة ونشعل لفافات التبغ . . أناجيها فتسمعني .. تناجيني .. فينساب همسها في ثنايا روحي .. يمتزج صوت فيروز بأصوات الباعة وهدير محركات السيارات التي انتشرت كالنمل في شوارع مديني البائسة .. شيطان الكتابة ينغص علي متعتي .. ترتفع دقات قلبي وتخترق كلماته روحي التي ذبلت دهرا .. استأذنت طيفها... فلم أستطيع منع نفسي من الكتابة لأخبركم جزءاً من أسراري التي لم أعتد البوح بها علنا .. تذكرت كيف حنثت بوعدي بالأمس وطلبت الرقم 093 فقد كنت قطعت عهدا على نفسي بألا أدع شركتي الخلوي تأخذ مني قرشا واحدا وأعتقد بأنكم تدركون لماذا؟ جاءني صوتا أنثويا نعم ..أنا هنا .. أنا معك .. دقيقتين وانقطع الخط .. كررت المحاولة ثانية وثالثة .. صوت المجيب الآلي اللعين "الرقم المطلوب غير متوفر حاليا "........ " أحبيني بلا عقد .." كانت كلمات كاظم الساهر تمزقني بعد انتهاء مجموعة فيروز ...
"تعالي ...تعالي ..تعالي واسقطي مطرا على عطشي وصحرائي ....." ويستمر في تمزيقي ..." أنا رجل بلا قدر فكوني أنت لي قدري.." أصدقائي الذين لا أعرفكم أريد أن أسألكم وأرجو أن تجيبوني هل ستصبح قدري .....
حسناً ..
سأصنع قدري بيدي ... سأعود الإنسان الذي كنته ..والذي ضاع في زحمة النسيان ..
كانت هذه كلماته التي هـاتَـفني بها على عجل وهو في طريقه لشراء مجموعة من الألوان الزيتية ..
حسن الرفيع
سوريا _ الرقة
صيف 2005