الجوائز الأدبية الكبرى
الجهات الرسمية تبرر غيابها.. والمبدعــــون يؤكـــدون أهميتهــــــاتعددت في السنوات الأخيرة وتنوعت الجوائز التكريمية التي تمنحها المؤسسات الثقافية العربية وبعض الجهات الخاصة لأعلام الأدب والفن والثقافة، وهي جوائز توحدها قيمتها المادية العالية التي تجعل الممنوح يشعر أن سنوات تعبه الطويلة في صياغة الجملة ورسم الحرف لم تذهب سدى وأن هناك من قدّر أخيراً هذا التعب حق قدره.. وقد بقينا في سورية بعيدين إلى حد كبير عن هذا الجانب في العمل الثقافي واكتفينا بجوائز متفرقة تمنحها مؤسسات ثقافية لا هم لها سوى ترقيع الأثواب البالية، حيث غدا منح هذه الجوائز نوعاً من رفع العتب، وهي بمجملها جوائز هزيلة لا يمكن مقارنتها بحال من الأحوال مع الجوائز العربية الأدبية الكبرى.. في هذه الوقفة استطلعنا آراء عدد من كتّابنا ومثقفينا حول هذا الموضوع الذين اتفقوا على أهمية وجود مثل هذه الجوائز في حياتنا الثقافية وإن اختلفت الآراء على شكلها .
الجوائز المالية الضخمة
لها أهداف غير الأهداف الثقافية
في البداية تحدث الأستاذ محمود عبد الواحد مدير الهيئة العامة السورية للكتاب عن معنى الجائزة وأهدافها، إذ يعتقد أن الجائزة تهدف فيما تهدف إليه إلى تشجيع الكتّاب والمبدعين وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، لهذا كلما اتسعت دائرة المشمولين بها كانت الفائدة أعم وأكبر، كما تهدف برأيه إلى إضفاء نوع من إثارة المباريات الرياضية وحماسها على نشاط إنساني يتصف بالرصانة والاتزان كالإبداع الفكري والأدبي وذلك من أجل خلق دافع إضافي لدى الكتّاب لتقديم أفضل ما لديهم من أجل تأكيد تفوقهم وتميزهم، في حين أن الهدف الثالث هو اكتشاف مواهب شابة جديدة تجد حرجاً في اقتحام دور النشر وتقديم نتاجهم لها، ولكنهم سيجدون الشجاعة بالتأكيد للمشاركة في المسابقات الأدبية، على اعتبار أنهم لن يخسروا شيئاً إذا لم يفوزوا، ويعتقد الأستاذ عبد الواحد أن الجوائز المالية ذات القيمة المالية الضخمة لها أهداف أخرى غير الأهداف الثقافية، يأتي في المقدمة منها إثارة ضجة إعلامية حولها ولفت الأنظار إليها، مع أنه يشير إلى أن التركيز الإعلامي هام من هذه الناحية على ألا يتحول إلى هدف بحد ذاته، كما يعارض عبد الواحد تحويل الجوائز الأدبية التي تمنحها الجهات الحكومية إلى ما يشبه اليانصيب الذي تفوز فيه الأقلية بمبالغ ضخمة ويخرج الآخرون صفر اليدين، وهو في الوقت نفسه لا يرى ضيراً في أن تشارك هيئات أهلية ومؤسسات للقطاع الخاص في إقامة مسابقات أدبية لأننا –حسب تعبيره- نكون بهذا قد وظفنا بعضاً من المال الخاص في تنشيط الحركة الأدبية والنهوض بها، مؤكداً أن وجود هذه الجوائز سيساعد على إضفاء قدر كبير من الحيوية على الحراك الثقافي.
جائزة كبرى سوف
تحرك النزعات وتؤلب القلوب
أما الروائي والقاص فاضل السباعي فيقول : "يكون طيباً أن تنشأ عندنا جوائز للمبدعين الذين قدموا فيما مضى من سنوات عمرهم ما يستحقون أن يثابوا عليه، فيحلون –إذا كانت الجائزة قيّمة- ما تقدم من عقدهم المعنوية والمادية وما تأخر، ويذكر أنه قرأ قبل بضعة عشر عاماً إعلاناً حوى تفصيلاً عن جوائز فرحت لها قلوب الكتّاب ثم طوي المشروع، ويرحب السباعي بإنشاء جائزة ينالها سنوياً واحد من المبدعين في مضماره، ولكنه يرى أن ثمة مشكلة سوف تطفو على السطح تتعلق بغياب النزاهة، ذلك أن جائزة كبرى قيّمة يتطلع إليها المبدعون ينالها واحد منهم سوف تحرك النزعات وتؤلب القلوب وتفسح المجال للتأثير والتأثر وذلك ما يجرح غايتها المثلى، ويذكر أيضاً ما سمعه في مؤتمر في إحدى العواصم العربية في ربيع العام 1985 من شكوى غير مكتومة من أن أكاديمياً مصرياً كبيراً هو د.شوقي ضيف قد طال حجب جائزة الدولة التقديرية عنه قبل أن تقيض له، ويشير إلى اللغط الكبير عن الأسلوب المتبع في منح جائزة خليجية تعطى –برأيه- بنقص ملحوظ في الموضوعية وبقليل من الشفافية، ويختم قائلاً : «نعم لجوائز كبرى تُحدَث عندنا في مختلف المجالات، وأتمنى في ذلك أن تقترن نشأتها وظروفها ونتائجها بالنزاهة والشفافية وإلا فلا».
تحتاج إلى لجان محايدة تقدِّر الأدب
ويتفق الروائي خالد خليفة مع من سبقه على أهمية وجود مثل هذه الجائزة في ساحتنا الإبداعية، ويعتقد أن غيابها في سورية يعود إلى أن دمشق –برأيه- لم تعد عاصمة ثقافية مهمة لأن الجوائز –كما يشير- هي جزء من حراك ثقافي كامل بات غير موجود، ويستغرب أن تصبح دمشق طاردة للثقافة في ظل غياب أي نشاط له سمعته وعراقته بدلاً من أن تكون مركزاً ثقافياً منتجاً للثقافة، لذلك يؤكد على ضرورة إعادة الدور الثقافي لدمشق والتفكير بكيفية إعادتها مكاناً جاذباً للثقافة لا طارداً لها، ويشير إلى أن الدولة هي التي يجب أن تقدم مثل هذه الجائزة لأنها الوحيدة القادرة والمعنية بذلك أكثر من القطاع الخاص، وباعتبار أن وزارة الثقافة هي الجهة التي يمكن أن تصدر عنها مثل هذه الجائزة –كما يرى خليفة- فإنه يشك في حال وجِدَت في منحها لمن يستحقها فعلاً، ويبين أن الشروط الأساسية لمنحها يجب ألا تكون لمدى الولاء للوزارة وإلا فستفقد مصداقيتها، والمصداقية تحتاج –كما يوضح- إلى لجان محايدة تقدِّر الأدب وهو يستبعد أن تقوم وزارة الثقافة حالياً بإنتاج ما هو حيادي .
الجائزة تعويض معنوي مهم جداً
وتجد الأديبة د.ناديا خوست أن غياب الجوائز الكبرى المدعومة من الدولة يبدو أمراً طبيعياً في ظل غياب الدور الأساسي للثقافة في حياة الناس، والنظرة العامة والرسمية للثقافة التي ترى فيها أمراً كمالياً وليس أساسياً في تربية البنية الروحية وتحصين المواطن العربي أمام الأخطار الهائلة التي تواجه المنطقة، وتعتقد أن الإعلام ساهم مساهمة كبيرة في تهميش الثقافة في سورية، فهو حتى الآن يصر على تقديم البرامج الثقافية الجادة في الأوقات الميتة من البث، في حين أن الفترات الحية التي يكثر فيها عدد المشاهدين تقدَّم فيها البرامج الخفيفة والترفيهية، وهذا ما يجعلها تؤكد أننا نعاني بالأساس من عدم فهم لدور الثقافة في الحياة العامة : «هناك اتجاه استهلاكي وبعد كبير في حياتنا عن الثقافة الجدية».. وتشير د.خوست إلى أن غياب المفهوم الشامل لدور الثقافة أدى إلى عدم وجود جائزة كبرى في مجال الثقافة، مع أنها تؤكد على ضرورة وجود مثل هذه الجائزة ولكن بشرط أن توجد ضمن المشروع العام حتى لا يكون هناك تنافر بين هذه الجائزة وبين المناخ الثقافي، وتؤكد د.خوست على المعايير التي يجب أن تقدَّم الجائزة على أساسها والتي يجب أن تكون علمية ودقيقة جداً ويجب أن تبتعد نهائياً عن التقييم السياسي المباشر وعن العلاقات الشخصية كي يشعر المواطن أنها قُدِّمت بمعايير نقية وموضوعية وأنها ذهبت لمن يستحقها دون النظر إلى توصيات بعض المؤسسات، مشيرة إلى أن الجوائز العربية حكمتها توصيات مؤسسات معنية وهذا ما يجب أن نخرج منه من خلال أن يكون لها هيئة تحكمها المعايير العلمية والفنية الرفيعة والموضوعية وألا تتأثر أبداً وأن تكون محصّنة.. ود.خوست ليست مع أن تتبنى هذه الجائزة الجهات الخاصة لأن التقييم يجب أن يكون باسم الدولة وبشكل رسمي، وحول التشكيك بوجود لجنة قادرة على منح جائزة كبرى لمبدع من المبدعين تؤكد أن في سورية كفاءات كبرى، وبالإمكان اختيار صفوة أثبتت أنها كانت محصّنة في كل التوجهات ولم تقع في فخ العلاقات الشخصية، وتشير إلى ضرورة أن تكون هذه الشخصيات ذات سمعة طيبة وأخلاق حميدة، وترى أن هذه الجائزة يجب أن تكون عن مجمل الأعمال وليس عن عمل واحد .
يجب أن تكون لدينا جوائز أدبية كبرى
وعلى الرغم من قناعة الناقد د.نضال الصالح من أنّ الجوائز الأدبية لا تعني دائماً ما يجب أن تعنيه أو ما تحيل عليه من حقيقة في الواقع، إلا أنّها تشير إلى بلوغ المجتمع، أو الدولة، أو الأمة، مرحلة متقدّمة من الرقيّ الحضاريّ الذي تتجلّى الثقافة معه ومن خلاله بوصفها حاجة لا ترفاً، ويوضح أن ثمة أجزاء مختلفة من الجغرافية العربية فيها جوائز أدبية تتوزّع بين غير حقل، وتنهض بها غير جهة، وهي معنية بغير مستوى من المبدعين، وهي بالمجمل تمثل علامات مهمة في راهننا الثقافي مهما يكن من أمر صلتها، أو صلة الكثير منها، وبهذه الدرجة أو تلك مع الحقيقة الإبداعية، بل مع ما يستجمع أطياف الحقيقة ووجوهها كلّها على نحو أدق.. ويرى د.الصالح أن الأمر عندنا يختلف قليلاً : "فعلى الرغم ممّا تنجزه مؤسساتنا الثقافية الرسمية من جوائز أدبية بين وقت وآخر فإنّه لا يمكن القول بوجود جوائز أدبيّة تمثّل علامات فارقة في حياتنا الثقافية، وأحد أسباب ذلك غياب التقاليد التي تؤسس لفعل ثقافي مميّز على غير مستوى، ولاسيما المستوى الرسمي الذي ما يزال في الأغلب الأعمّ منه في هذا المجال أسير واجب وظيفي لا أكثر لا حاملاً لرسالة الثقافة".. ويذكر د.الصالح إلى أن بعض مؤسساتنا الرسمية كاتحاد الكتاب العرب تقوم بين وقت وآخر بالإعلان عن جوائز أدبية موجهة للشباب، إلا أنها لا تكفي لتقديم لوحة متكاملة الظلال والألوان عن الواقع الثقافي، ويستغرب د.الصالح أن المؤسسات الثقافية لم تكلّف نفسها عناء الإعداد لجوائز معنية بالجهود الثقافية التي تجاوزت فضاءها القطري إلى الفضاء العربيّ، والعالميّ أحياناً، ولم تسعَ حتى الآن إلى منح مثل تلك الجوائز التي صارت –بتقديره- حاجة وضرورة حضاريتين، ولاسيما بما يتعلق بإعادة قراءة تاريخنا الثقافي القريب وراهننا الثقافي اللذين احتشدا على نحو مثير للأسئلة والقلق بآن بالصخب لكتّاب بعينهم، وباختزال حياتنا الثقافية في حدود أولئك الكتّاب وحدهم، كما لو أنّ منجزنا الثقافي ناحل إلى ذلك الحدّ من الوهن الذي لا يمكن القول معه بوجود كتّاب سواهم، على حين أنّ الحقيقة الإبداعية تؤكّد نقيض ذلك، كما تؤكّد أنّ سورية بلد ولود للإبداع والمبدعين دائماً، ويؤكد أننا في سورية لسنا بحاجة إلى جوائز أدبية دورية كبيرة فحسب، بل بحاجة أيضاً إلى ما يعيد إنتاج وعينا ومعارفنا بحقيقة الإبداع الذي يبدو جديراً بتلك الجوائز، ولذلك فإنّ على صانع القرار في هذا المجال ألا يتابع ما تواتر في خطابنا النقدي والإعلامي عن الأسماء التي تمّ التوضع على عدد غير قليل منها زوراً وبهتاناً وتدليساً على الحقيقة بوصفها قامات إبداعية فارعة أو كبيرة والتي اكتسبت مكانتها المميزة لها وأهميتها من الشرط التاريخي الذي أنتجها، أيّ ممّا يمكن وصفه بعوامل غير إبداعية دفعت بمؤسسات أو أحزاب أو وسائل إعلام أو تلك كلّها معاً أو سواها لتصدير تلك الأسماء إلى القارئ والإعلامي والناقد بوصفها قامات كبيرة، على حين أن تفحّص نتاجها على نحو علميّ ينتهي بالمرء المخلص للحقيقة إلى نقيض ذلك، ويختم د.الصالح كلامه مطالباً بجوائز أدبية كبرى : «يجب أن تكون لدينا جوائز أدبية كبرى، ولكن علينا أن نجدّ في البحث عن المبدعين الجديرين بتلك الجوائز، ولاسيّما أولئك الذين لم يرتضوا لأنفسهم التسبيح بحمد شيء سوى الإبداع، والإبداع وحده، والذين لم يمتلكوا، كما امتلك سواهم، من وسائل التسويق لأنفسهم ومن جحافل المصفّقين لنتاجهم حتى لو كان بعض أو كثير من ذلك النتاج إنشاء أو هذياناً أو ثرثرة، أو ذلك كلّه معاً».
اتحاد الكتاب قدم اقتراحاً لجائزة عالمية
وأخيراً يتطلع د.حسين جمعة رئيس اتحاد الكتّاب العرب إلى إحداث جائزة في سورية على مستوى عالمي لأن مثل هذه الجائزة يمكن أن تستقطب الكتّاب والمبدعين والمفكرين من جميع أنحاء العالم، إلى جانب تأكيده على دورها في تقديم سورية ثقافياً وفكرياً بأبهى حلة، ومن هذين الاتجاهين تنبع أهمية هذه الجائزة –برأيه- وبالتالي فإن فائدتها –كما يوضح- مزدوجة تتصل بالأفراد بمثل ما تتصل بالوطن، وهنا تكمن أهميتها، ويعترف أن جائزة عالمية ذات أجناس أدبية وفكرية متعددة تحتاج إلى توظيف مال كبير لتقديم الجوائز أولاً تبعاً للأجناس، وثانياً حاجة مثل هذه الجائزة إلى أمانة تتابع، ومهمتها للوصول إلى الغاية المرجوة.. إذاً العائق المادي كما يوضح د.جمعة هو الذي يقف بالدرجة الأساسية في وجه مثل هذه الجائزة، ويقدر د.جمعة ما يصدر في سورية من جوائز، وخاصة تلك التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي أخذت تظهر في شتى المحافظات، ويشير إلى أن اتحاد الكتّاب العرب يصدر عدداً من الجوائز ولكنها تبقى جوائز محكومة بسقف مادي محدد :«هذه الجوائز تبقى مكافآت دون الطموح الذي نتوخاه، في حين أن المطلوب هو استعارة تقاليد جوائز كبرى» .
تحقيق : أمينة عباس