القانون في تفسير النصوص - د. سعيد فودة
قرأت مؤخرا كتاب (القانون في تفسير النصوص) للأستاذ أبي الطيب مولود السريري، وهو يتكلم عن مناهج وقواعد وضوابط تفسير وشرح النصوص الدينية في الإسلام، ويقارن بين طريقة العلماء الراسخين الذين سماهم بالقواعديين، وهم الذين يلتزمون قواعد راسخة مبنية على نظر دقيق، ولا يكتفون بالنظرة الساذجة في فهم النصوص الشرعية، ويهمهم الاتساق في الأقوال التي تصدر عنهم في نفسها وبينها وبين دلالات النصوص الشرعية. وهم جمهور علماء الأمة. ويضع مقابلهم الظاهريين وهم قسمان:
الأول: أمثال داود الظاهري وابن حزم، وهؤلاء وإن كانوا ظاهريي المنهج إلا أنهم التزموا به، واحترموا قواعده، وكانوا صادقين مع أنفسهم في ذلك، والقسم الثاني هم أولئك الناشئون في زماننا المعاصر الذي انسلخوا من كثير من قواعد العلماء، ولم يلتزموا منهجا ظاهريا ولا غير ظاهري، وادعوا لأنفسهم الاجتهاد وقد غلب عليهم الجهل، ونادوا بترك مذاهب العلماء لدعواهم أنهم أقاموا أنفسهم وأفهامهم مقام المعصومين من الأنبياء، وحجروا ما بين الناس والاستفادة من النصوص الشرعية، فكان تخريبهم أشد بكثير مما يظنون، وأثرهم في ابتعاد كثير من الناس عن الفهم الصحيح والالتزام بالأحكام الدينية وإن كان ظاهراً لنا إلا أنهم ما زالوا يزعمون في أنفسهم أنهم الذين يدلون الناسَ إلى طريقة السلف الصالح، وشتان ما بين دعواهم ومقولاتهم وأفعالهم.
إلا أن المصنف لم يقدح في نواياهم، وأحال ظاهرتهم إلى الجهل وعدم التعمق في العلوم وعدم فهمهم لكلام العلماء الدقيق الذي يحتاج إلى جهد وملكات تنقص هؤلاء، وعندما نراهم نترحم على ابن حزم الأندلسي!! والأمر المهم في الكتاب هو تنبيه المؤلف إلى طرائق العلمانيين والحداثيين الذين يسمون أنفسهم التنويريين، وهؤلاء يزعمون أنهم يريدون إخراج الناس من الظلمات إلى نورهم المظلم في نفس الأمر، ويعتمدون على أساليب تجهيلية، ويضللون الناس بثرثرتهم التي يبرعون بها، وأساليبهم في تشتيت الذهن وتعقيد التعبيرات لكي يوهموا قراءهم أنهم على شيء وليسوا على شيء، ولكي يبعثوا في نفوس قرائهم أن وراء هذه التعقيدات اللفظية أفكارا وتحقيقات علمية مبتكرة، وليس الأمر كذلك في أغلب ما يقررون. وقد برع هؤلاء في التنبيش عن إشكالات سبق للعلماء التنبيه علها وحل عقدها، فبادر هؤلاء إلى إشهارها بين عامة الناس مدعين أنها تشتمل على حقيقة العلم، وأن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية لا يمكن إلا بناءً على هذه الشواذ في الأفكار والاستنباطات المشوهة التي وصفها المؤلف بأفعال الكهان وشعوذات المشعوذين، وما أقرب طرائق هؤلاء إلى طرائق الفرق الباطنية القديمة، وكأن الباطنية القديمة التي وقف متكلموا الإسلام في وجهها وأبادوها أو جعلوها في زوايا خربة مستحقرة، قد أعيد إنشاؤها مرة أخرى في أثواب جديدة.
وذكر أيضا أن حاصل طرق العلمانيين في قراءة النصوص الدينية تؤول إلى تجهيل الناس بدينهم، وإبعادهم عن الفهم الصحيح بحجة اتباع الطرق العلمية المعاصر، وما هي إلا تحكمات وجهالات بعضها فوق بعض طبقات.
ومع ذلك لم ينس المؤلف إلى الدعوة إلى تجديد المعارف القديمة بإحيائها والتشبث بفهمها فهما متعمقا لائقا بالجهود التي بذلها الأقدمون الأعلام المحققين،ولا مانع من إعادة النظر في بعض القواعد منها وتحقيق الحق من بينها أو زيادة تدقيقات أو اختراع مقولات مبنية على ما حققوه ونمقوه من معارف جليلة.
هذا عرض موجز جدا للكتاب، أنصح طلاب العلم بقراءته، والاستفادة مما فيه، ولا يعني ذلك أنه خال عن بعض جهات من النقد، ولكنها قليلة في جانب ما ذكره فيه من حقائق، فلم نهتم لذكرها هنا. واقتصرنا على محاولة تقديم الكتاب إلى المهتمين من طلاب العلم بصورة جامعة بين الفكر والعلم ، وما بين المعرفة بالقديم والاطلاع على بحوث المعاصرين، والتنبه على الطيب وتمييزه عن الخبيث.
رابط الكتاب: http://www.mediafire.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D…