الإصلاح بالقتال
خليل حلاوجي
لكي ندرك روح الرسالة الإسلامية علينا إدراك ( الحدث) وفق معطيات مركبة من ثلاث أبعاد(القيمة\ السلوك \ الغاية).
ولو أردنا اختصار رسالة الإسلام فيكفي والحال هذه أن نطلق عليه (الإصلاح الإنساني) الذي سيقيمه هذا الدين في الأرض وستنشأ قيمة الإصلاح من انصياع الناس (السلوك) لحقيقة ضخمة هي غاية(التوحيد)في الأرض للوصول إلى(المعاد) في السماء .
عندما تنضبط _ بهذا الثالوث المعرفي _ حركة النفس وحركة الحياة البشرية على السواء من حيث أن الله تعالى ليس رب المسلمين فحسب بل (رب العالمين) كما ورد في الآية الأولى من فاتحة الكتاب وأن رسولنا عليه الصلاة والسلام هو رسول الله إلى الناس جميعاً (على مدى الزمان والمكان).
إذا كان التوحيد هو " الميزان " الذى يضبط النفس والحياة .فإن الإصلاح هو يصدق هذا القانون أو يكذبه.
وإذا أتينا إلى مصطلح قد جاء ضمنياً مع أصول مفاهيم التوحيد هو مصطلح ( القتال) ووضعناه ضبطاً بهذا الثالوث المعرفي سندرك أن (قيمة القتال)لاتحتمل سفك دماء الآخرين كما هي قيمة أي قتال حدث ويحدث خارج المنظومة الإسلامية.
فالإسلام وضع القتال ضمن قيمة الإصلاح ذاتها ، إذ التوحيد يعني تحرير الإنسان أينما كان ومهما دان من قيود العبودية حتى أن الجندي الذي دخل على كسرى قائد جيوش الفرس ليصحح لهذا القائد المفاهيم التي استقرت في ذهنيته المتشبعة بروح التسلط وبالتالي ليصحح لجنود هذا القائد(العدو) المفاهيم التي استقرت في الذهنية المتشبعة بروح الانصياع.
والسلوك الذي يرتكز على قيمة (الاصلاح بالقتال) سينضبط وفق ثنائية (المرحلية \ الجدوى ) ، فلو كان القتال هو الخيار الأكثر جدوى لما كان مقصد الشريعة يأمر الصحابة الكرام بالكف عن القتال نفسه في المرحلة التي دامت من أول يوم من أيام نزول الوحي إلى لحظة بدر الكبرى وكان جواب الله تعالى لأولئك الذين تشوقوا لخيار القتال كوسيلة من وسائل رد الظلم والعدوان آنئذ قال تعالى {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [سورة النساء 4/77] .
إنه الأمر السماوي الخالد وهو يخص المؤمنين بالفعل المركب من (الأمر \ النهي) في آن واحد وكأن الآية تقول أن من تمام عدة القتال المادية إتمام العدة المعنوية والمرتبطة بداهة بما قررناه من كون (الإصلاح بالقتال) قيمة أصولية في الفكر الإسلامي فإقامة الصلاة تستدعي بالضرورة التأكيد على قيمة (الجماعة وشروط تكوينها عملياً) ثم لتأني الزكاة لتعالج الطبقية عند هذه الجماعية التي ستحمل مشعل التنوير وتخرج الناس من ظلمات العبودية والأنانية إلى نور التوحيد والإيثار.
حتى أتت تلك اللحظة الحاسمة وقد أكمل الصحابة فهم الآية بشكلها العملي التطبيقي ومارسوا (الموآخاة) في سابقة إنسانية لم ولن تحصل بالشكل المثري الذي نفذه صحابة الحبيب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وقد تم إدراك هذا الدرس الحضاري مستوعبين كل شروطه فجاء الأمر السماوي ببدء مرحلية ثانية ؛ فتم الانتهاء من مرحلة الكف إلى مرحلة الإذن بالقتال ضامناً جل في علاه النصر الظافر. قال تعالى :
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [سورة الحـج 22/39] ومن بعد لحظة بدر الكبرى هذه سيخوض الصحابة الكرام غمار الاستعداد للمرحلة الثالثة إذ الأمر العام بالقتال مرهون بإخضاع الأرض كلها لشريعة الله : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال 8/39].
ومعنى ذلك التحذير يتضح من فهم عقبات (غاية الإصلاح) المرافقة لآلية القتال أثناء
1\ من قبل خوض المعركة
2\وأثناءها
3\وبعد الانتهاء منها .
وهذه المراحل الثلاثة لأي معركة يجب أن لا تصطدم بالجدوى لكل مرحلة على حدة فمن قبل الدخول في القتال علينا تنفيذ أمر الله بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة والشريعة تعطي خياراً للمؤمنين بتنفيذ نهيها وكف أيدينا عن العدو ومحاولة مهادنته حتى نستكمل شرطي الآية[لاحظ أن هذا الخيار مرتبط بالجدوى] حتى إذا جاءت اللحظة التي نتأكد من استكمال الشرطين ومعالجة معيقات النصر وتوضيح سلوكيات بعض المؤمنين من الذين وصفهم القرآن بأنهم قد (أهمتهم أنفسهم ) وخاطبهم قائلاً ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) وخاطب مجتمع المؤمنين يوم حنين وقد ( أعجبتكم كثرتكم) صرنا وجهاً لوجه مع خيار الدخول في أية معركة ضامنين الجدوى كمبدأ وضامنين النصر كغاية من حيث أن الله تعالى هو الضامن جل في علاه ( نصر من الله وفتح قريب) الآية .
ومالم نقف عند المرحلية التي ستضمن جدوى الإصلاح بالقتال فإننا سوف نكرر ذات الخطأ وتسقط عواصم بلداننا الواحدة تلو الأخرى ويكون الدين وتعاليم الإصلاح لله وحده لا لجنوده الذين سيكونون منشغلين بمتابعة الفتن التي ترشحت عن ضياع غاية القتال في التصحيح الإنساني والإصلاح الحضاري والنهضة المرتقبة. {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال 8/39].
\
الإصلاح بالقتال ..و(جيش الدولة أم جيش الأمة )
اليوم والمسلمون يواجهون عدواً من طراز خاص عبر بجيوشه المحيطات ليستقر على أبواب مساجدنا وغرف نومنا ( وما سجن أبو غريب ببعيد) وعدونا يقاتلنا بجنود ثلاث :
1\ الحربي
2\ والاقتصادي
3\ والفكري.
والسؤال الآن :
هل تصلح ثنائية (المرحلية \ الجدوى) كما صلحت عند الصحابة الكرام وفق المعطى الحضاري؟
أقول : إن الفارق بين جندي الصحابة وجنودنا اليوم يوضح الإجابة ، فالصحابة الذين أكملوا استعدادهم في التدرب على جعل الفضيلة تستقر في القلوب لا اللسان فأصبح الصحابي قاضي نفسه . من حيث أن مجتمع الفضيلة وهو أقرب إلى المثالية شوهد كواقع محسوس .
الدولة التي أقامها الرسول في يثرب اتحد فيها ولاء الصحابة للدولة والولاء للأمة .
الولاء للقرآن من ناحية والولاء للرسول من ناحية ثانية هو
الذي جعل الصحابة يميزون أنفسهم عن الآخر (كشعب إسلامي تحت إدارة حكومة الرسول فوق أرض يثرب كمدافعين عن الإصلاح بالقتال).
واتضحت بجلاء للجميع طرق تمييز الآخر الذي يهادنوه عن الذي يقاتلوه ..
فوقف الأب المسلم يقاتل ولده الكافر ووقف الولد المسلم يقاتل أبيه الكافر وصار سلمان الغريب (الفارسي في بلاد العرب) من أهل بيت النبوة وصارت الحبشة داراً للإصلاح .
وهكذا فإن (الشعب والوطن والحكومة) مفاهيم مغايرة في ذلك الزمن عن دلالتهما هذه الأيام !
فيما عدا إيران اليوم وهي تضفي الصبغة الإسلامية على شعبها وأرضها وحكومتها لا يمكن اعتبار أية دولة في منظمة الدول الإسلامية تدعي هذه الصبغة مالم نتأكد أن الحكومة في تلك الدولة تنهج النظم الشرعية (نظام الحكم الشوري ، ونظام الاقتصاد اللاربوي ، ونظام التعليم المتخلص من تبعات دارون الاجتماعية ، ونظام الإعلام المرتكز على اللإكراه ، ونظام الجندية التي تفصل السلطان عن القرآن ) وهكذا ووفق هذه المعايير تخرج إيران من القائمة كذلك .
وعند هذه الزاوية الحرجة .. يظهر من جديد المفهوم التأصيلي .. ( الإصلاح بالقتال ).
فلا يمكن والحال هذه إلا تجاوز شروط أسلمة (الشعب والوطن والحكومة) لكي نصد المارينز فوق أسوار بغداد أو نصد الصهاينة فوق أسوار القدس وواجب مقاتلة الظالم الأمريكي والصهيوني يكفله لنا الحس الإنساني والشرعي والوطني بل والدستوري(في دساتير دولنااللادينية).
لنعود من حيث بدأنا مرتهنين بشرط الثالوث المعرفي (القيمة\ السلوك \ الغاية). فقتال المارينز الذي يجعل السني والشيعي والكردي في خانات محاصصة مشبوهة هو القتال العقيم من الإصلاح وقتال الصهاينة الذي يجعل ذات المحاصصة تفرق فتح عن حماس هو القتال العقيم من الإصلاح.
وكما أننا لن نستطيع الوقوف مكتوفي الأيدي مع الصهاينة والمارينز فإننا لن نستطيع التخلص من آثار الطاغوتية الأمريكية وآثار الظلم الصهيوني مالم نعيد قراءة مشهد معركتنا معهما ومالم نعيد حساب معادلة النصر(الإمكانات\ الأمنيات) من حيث أننا مادة هذه النصر وهذه غزة وبغداد تقول لنا : تأكدوا من مفهوم الجهاد ومعاييره وغايته ومادته وضمان جدواه وأن الله لا يغير حالنا مالم نغير نحن حالنا مع الله والوطن والأمة.
فنحن لانريد نصراً لمعركة واحدة بل نريده نصراً حاسماً في المواجهة فنقضي على مصادر تمويل طغيان العدو بعد قضاءنا على طغيان بعضنا للبعض.
وهناك .. سينتهي القتال ويولد الإصلاح .