ضلالات الرواية "حمام بريدة"أنموذجا(1)
(وظهرت أسماء نسائية غير قادرة على تركيب جملة خالية من أصوات السرير.) : سمير عطا الله
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله و أزواجه وصحابته .. سامح الله أخي الدكتور محمد السعيدي .. ثم سامح الله أخي الدكتور عبد العزيز قاسم.
الأول تحدث عن الرواية .. والثاني أوصل إليّ ذلك الحديث عبر رسائل مجموعته البريدية .. مما دفعني لقراءة رواية الأستاذ يوسف المحيميد – والذي كان طرفا في الحوار – قبل أن أشرع في الكتابة .. والرواية التي قرأت،,جعلت بعضها جزء من العنوان الذي اخترته هي (الحمام لا يطير في بريدة)،وقد حاولت الحصول على نسخة ورقية من الرواية فلم أجدها في المدينة المنورة،ما جعلني أقرأها عبر نسخة إلكترونية.
الواقع أن الكتابة عن الرواية أمر محفوف بالمخاطر .. أو لنقل أن الرواية تشكل (معضلة) .. فالصمت عنها قد يكون صمتا عن وسيلة تروج للباطل أو الفواحش .. والحديث عنها يؤدي إلى الاستشهاد ببعض ما تُشحن به الروايات - خصوصا الحديثة منها – من عبارات الجنس .. ووقائعه .. وقبل ذلك العبارات التي تسخر من الدين ونصوصه،إذا غضضت النظر عن السخرية من المتدينين لكونهم غير معصومين.
قبل الغوص في الحديث عن الرواية .. أنقل طرفا من رأي الدكتور (السعيدي)،ورد الروائي الأستاذ (المحيميد).
جاء في صحيفة "الشرق":
(رغم تأكيد أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى في مكة المكرمة الدكتور محمد السعيدي، على أن الرواية تقدم رسالة سامية، إلا أنه شدد على أن الكاتب الروائي «آثم» على حبكته الشخصية الخيالية في الرواية المكتوبة بنزعة شريرة، أو تفننه في الخوض بمشاهد الرذيلة دون ذمّ لها أو انتقاد جوانب الشر الكامنة في حبكة الشخصية أو سقوطها في مشاهد الفسق.
وقال في حديث لـ«الشرق»: عندما يقدم الروائي الشخصية السيئة في سياق درامي يرفع من شأنها ويجعل القراء يتعاطفون معها فإنه «آثم» على ذلك، لأن تصرفه هذا عبارة عن تزيين للباطل، وإذاعة للشر.){نقلا عن : رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية الرسالة رقم(2578)}.
وهذا الرد الروائي :
(من جانبه، رفض الروائي يوسف المحيميد محاسبة الروائي على الشخصيات، واعتباره مرتكباً لإثم أو ذنب يستوجب عليه التوبة والاستغفار مما كتبه. وقال: الروائي مبدع وليس مفكراً، وحينما يكتب المفكر وجهة نظر فكرية عن المجتمع فهي تمثله، لكن عندما أكتب الرواية لا تعنيني حتى لو رسمت أنا الكاتب شخصية جريئة أو متحررة أو رجلا ثائرا أو إرهابيا، ومن غير المقبول محاكمة الروائي على شخصياته، والتفكير في محاكمته، مستشهداً بشخصية القاتل الذي يتلذذ بالقتل في الرواية، فهذا لا يعني أن الكاتب السارد المستقل يتلذذ بالقتل.(..) وأشار المحيميد إلى أن الروائي يقدم عملا تخيليا وليس حقيقة مطلقة، ويحاول أن يكتب الواقع، لكن ليس هو الواقع تماما، لكنه يصنع واقعه الخاص، وهو واقع موازٍ لواقعنا، وما يقدم من أحداث ليست بالضرورة الوقائع التي حدثت في المجتمع،){نقلا عن : رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية الرسالة رقم(2578)}.
معلوم أن الرواية أنزلت الشعر عن عرشه،لتكون هي (ديوان العرب) – حسب تعبير أحد الكتاب – هذا بالنسبة للعرب،أما على مستوى العالم فقد أمسكت الروية بتلابيب القراء،لتكون هي الفن الأقرب إلى النفوس .. الباحثة عن التسلية.
في الوقت الذي يتسلى فيه القارئ ويسلم عقله للروائي ليروح عنه .. يقوم الروائي بعمله في إعادة برمجة العقل،قد لا تخلو هذه العبارة من المبالغة،ولكنني أنظر إلى الرواية بصفتها شقيقة للنكتة .. وشريكتها في تغيير الأفكار في غفلة من المتلقي،الباحث عن التسلية أو الضحك،وقد كتبت عن النكتة تحت عنوان (النكتة بين الإضحاك وتغيير الأفكار)، والكلمة موجودة على الشبكة العنكبوتية.
تحدثنا الإيرانية آذر نفيسي عن الرواية .. ضمن رواية .. فتقول :
(سألت طلبتي : "ما الذي يمكن أن تحققه الرواية باعتقادكم؟ولماذا على المرء أن يتعب نفسه بقراءة الروايات أصلا؟"(..) وبينتُ لهم أننا في هذا الفصل الدراسي سندرس ونناقش الكثير من الكتاب الذين يختلفون عن بعضهم البعض،لكن الصفة التي يشترك بها جميع هؤلاء الكتاب هي صفة"الزعزعة"أو"التهديم"){ص 160 (أن تقرأ لوليتا في طهران ) / آذر نفيسي / ترجمة : ريم كبة / منشورات الجمل}.
هذا التهديم وتلك الزعزعة يتمان – غالبا – والقارئ في غفلة ... كما ذكرت من قبل.
يحدثنا بيجوفيتش عن زاوي أخرى من زوايا الرواية .. فيقول :
(لكي نتعرف إلى شعب أو عصر معين،لا يكفي تماما أن نقرأ تاريخه المكتوب. حتى تاريخ فرنسا ذو العشرة أجزاء،لن يقدم لنا صورة واضحة عن حياة المجتمع الفرنسي بدون روايات"بلزاك". معه فقط نستطيع القول بأننا نعرف حياة المجتمع الفرنسي في القرن التاسع عشر. التاريخ يخبرنا عن الأحداث والروايات،والقصائد والملاحم والقصص والأساطير،والخرافات تحدثنا عن حياة الإنسان - الفرد،أي عما كان موجودا.(..) لا أستطيع أن أقول بأني أعرف ذلك الشعب،إذا عرفت تشريعاته وثقافته،على أن أعرف كيف الفرد في بيته،وكيف تصرف مع زوجته وأولاده،وخدمه والسلطات){ص 115 – 116 (هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر}.
كأني بالمكتب يتحدث عن روائي يصور الواقع كما هو .. وهذا ما لا يدعيه الروائي نفسه .. وكأني بـ"بيحوفيتشس"وقد نسي كلامه السابق،حين قال :
(.. المثال المضاد يمكن إيراده عن"إيفوآنديتش"والذي يروى عنه أنه وصف بشكل غير حقيقي نزع الملكية للأرض من أجل بناء"جسر على نهر درينا"وفقا لرواية "آندريتش"كان ذلك استيلاء عنيفا على الأرض،بدون تعويض أو اتفاق تم انتزاعه بالقوة. ولذلك فإن المؤرخ "عثمان سوكولوفيتش"وجد وثائق في أرشيف المحاكم ونشرها،مما يمكن أن نلاحظ من خلاله،كيف كان يتنازل ملاك الأرض واحدا تلو الآخر في مكتب المحكمة التركي،وكيف يوثق استلام الثمن عن كل قطعة أرض مستملكة.){ص 58 – 59 (هروبي إلى الحرية)}.
الإشارة هنا إلى رواية – كانت – مشهورة جدا .. وهي رواية (نهر على جسر درينا) .. والتي ترجمها سامي الدروبي .. وحصل بها مؤلفها على جائزة (نوبل) سنة 1961 ... يا ترى كمن من القراء – حول العالم – تلقى معلومة خاطئة عبر هذه الرواية ذائعة الصيت؟! وكم من القراء صحح معلوماته بعد أن قرأ للمؤرخ"عثمان سوكولوفيتش"؟!!
ولا يتوقف الأمر عند رواية واحدة .. ولكنه يتكرر خصوصا في الروايات التي تصور توحش المسلمين الأتراك .. ومنها رواية نسيت اسمها،مكتوبة بطريقة فنية رائعة .. لليوناني نيكوس كازانتزاكيس .. ولا غيره صاحب (المسيح يصلب من جديد) .. ويمكننا ببساطة تصور الأثر الذي ستتركه على القراء .. الباحثين عن التسلية .. وربما – مثل بيجوفيتش – الباحثين عن التاريخ غير المباشر.
من هناك .. إلى هنا ..
يحدثنا الراوي عن (فهد) – وهو من أم أردنية - بطل رواية (الحمام ..) وهو مع عشيقته / صديقته (ثريا)،وهو في سن ولدها الكبير .. يقول عن "فهد": (سرق نظرة سريعة نحوها وجدها تحدق فيه بنهم! فسألته : "تتزوج أردنية ولاّ سورية؟"فيضحك بقوة،ثم تعرض عليها {هكذا } أن تزوجه ابنتها في الصف الثاني ثانوي){ص 152 (الحمام لا يطير في بريدة ) / يوسف المحيميد / المركز الثقافي العربي / الطبعة الرابعة}.
على كثرة ما قرأت من الروايات لم أقف على من تحدث عن إقامة علاقة محرمة مع أم الحبيبة أو الزوجة،سوى هذه الإشارة والتي ذكرتني مباشرة بنجيب محفوظ،والذي لم يكتف بإشارة عابرة .. بل جعل بطله (ياسين) وهو ابن السيد أحمد عبد الجواد،يذهب إلى جارتهم الأرملة ( السيت بهيجة) ليخطب لنفسه ابنتها(مريم) ... فوجدها بمفردها ومعها شغالتها فقط .. ولم يخرج من عندها إلى بعد أن وعدته بأن تحضر إلى بيته ... وعبر الصفحات من 123 حتى 133 يتمدد حديث عن تلك العلاقة،والتي تنتهي بملل (ياسين) من عشيقته،فعاد وخطب البنت – زعم أنه قابلها صدفة فسألته لماذا لم يحضر ليخطبها – وهنا (تصفعه) الأم ... وتشتمه هو وأبوه – والذي كان على علاقة بها في حياة زوجها – ثم يتزوج البنت .. وفي خضم الكر والفر بين ياسين وبهيجة،وهو يجس نبضها ... يطلق نجيب محفوظ .. عفوا أقصد ياسين أحمد عبد الجواد .. هذا الحكم :
(ليرحم الله من يحسنون الظن بالنساء،لا يمكن أن يكون في رأس هذه المرأة عقل،جارة العمر ولا تعرفها إلا اليوم؟ .. مجنونة .. مراهقة في الخمسين){ص 132( قصر الشوق) / نجيب محفوظ}.
هل يستطيع أحد بعد قرن أو قرنين أن يقرأ تاريخ مصر أو تاريخ السعودية عبر (الرواية) التي تختلق الشخصيات .. والأحداث .. وتشيع الفواحش .. ثم يُقال لنا .. هذا فن وخيال .. وحياة (موازية)!!
في الحلقة القادمة نغوص في رواية الأستاذ يوسف المحيميد .. إذا أذن الله.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة