مواهب واعدة وطاقات استثنائية
أوركسترا طلاب المعهد العالي للموسيقا تدهش الحضور بأدائها المتقنمنذ تشكيل أوركسترا طلاب المعهد العالي للموسيقا في عام 2003م قدمت العديد من الحفلات المتباينة في السوية والتقنية، لكنها استطاعت في كل أمسية جديدة تظهر فيها على الجمهور أن تحقق تقدماً ملحوظاً وحضوراً طيباً، وإن كانت الغاية الأكاديمية من إحداثها تندرج ضمن المنهج العلمي المتبع في المعهد، والذي يهدف بشكل أساسي إلى تحضير موسيقيين محترفين في المستقبل يمتلكون الخبرة والمعرفة في العزف الجماعي، إلى جانب دراستهم للعزف المنفرد، إلا أن ما قدمته في إطلالتها الأخيرة على خشبة مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، قارب ما تقدمه الفرق العالمية المحترفة من ناحية تكنيك العزف الجماعي والانسجام والتآلف بين عازفي الفرقة، خاصة كون المقطوعات التي قدمت ينتمي معظمها إلى الموسيقا الحديثة التي تعتبر اليوم من أعقد أنواع التأليف الموسيقي وأكثرها صعوبة في العزف والفهم والتدوين.
جاء الحفل نتيجة تعاون بين المعهد العالي للموسيقا بدمشق والجمعية النمساوية للفن الحديث والموسيقا التي تعمل على رعاية نشاطات فنية وثقافية مختلفة، كانت من ضمنها ورشة العمل التي أقامها المؤلف والباحث الموسيقي النمساوي جيرالد ريش مع طلبة المعهد العالي للموسيقا استمرت عشرة أيام، كانت حصيلتها الحفل الموسيقي الذي تضمن عدداً من المؤلفات الموسيقية المعاصرة، بعد جملة من التدريبات المكثفة والمحاضرات النظرية التي ساهمت بشكل كبير في نقل معارفه وخبراته للطلبة وتعريفهم على آخر ما توصلت إليه الموسيقا العالمية في التأليف والتدوين الموسيقي، بالإضافة إلى التقنيات والأساليب الحديثة في العزف على الآلات المختلفة.
افتتح الحفل بمقطوعة «مقامفوني» للمؤلف السوري المعاصر حسان طه، التي اعتمد فيها على الجمع بين أسلوب التأليف الغربي وروح الموسيقا الشرقية التقليدية ومقاماتها، لذلك جاءت المقطوعة عبارة عن مزيج من الألحان الهجينة والغريبة على الأذن الشرقية والغربية على حد سواء، لا وجود فيها لجملة موسيقية واضحة أو بارزة، إنما تداخلات بين جمل لحنية عزفتها الآلات المختلفة، قدمت الفرقة بعدها مقطوعة من نوع الحجرة حملت اسم «موسيقا كاميرالنا» للمؤلف السوري المعاصر زيد جبري، الذي حاول في مؤلّفه هذا محاكاة تفاصيل يوم من حياتنا المشبعة بالتفاصيل المزعجة والمؤلمة، حيث اعتمد على النقلات السريعة والانسيابية في الوقت نفسه، وعلى التباين بين الأصوات الجهيرة والخافتة.
أما مفاجأة الأمسية فكانت الحركة الأولى من السيمفونية الثانية للألماني يوهان برامز «1833-1897م» التي أدتها الفرقة بحرفية عالية أبرزت مقدرتهم التي تؤهلهم لتقديم أعمال لكبار المؤلفين الموسيقيين العالميين. هذه السيفمونية كتبها برامز في الريف السويسري، وتعتبر من أهم أعمال الموسيقا العالمية التي تبرز جمالية الريف والطبيعة الخلابة، وتحتاج إلى فهم موسيقي عميق كونها مفعمة بالأحاسيس والمشاعر، هذا ما نجح أعضاء الفرقة، من الطلاب والخريجين الجدد، بإيصاله وترجمته بشكله الأمثل.
في الفقرة الأخيرة من الحفل عزفت الفرق على التوالي مقطوعتين «فاندلونغين- لودي ليوبولديني» للمؤلف النمساوي غوتفريد فون اينيم «1918-1996م» الذي اكتسب شهرة واسعة حتى بات يعتبر واحداً من أهم المؤلفين الموسيقيين العالميين في القرن العشرين، من أهم أعماله أوبرا «موت دانتون» وأوبرا «زفاف المسيح» وتميزت أعماله نظراً لأسلوبه الخاص في التأليف والكتابة الموسيقية رغم الانتقادات الكثيرة التي كانت توجه إليه. في المقطوعة الأولى «فاندلونغين» قدم اينيم قراءته الخاصة لمقطوعة الناي السحري لأماديس موتزارت حيث عمل على اختيار تيمة موسيقية محددة منها، ومن ثم قدم محاورات موسيقية على هذا اللحن، أما المقطوعة الثانية «لودي ليوبولديني»التي ألفها أحد القياصرة النمساويين، حاول قراءتها وتقديمها بشكل معاصر لم يبتعد كثيراً عن روح وأسلوب الموسيقا الكلاسيكية.
وفي رده على سؤالنا حول هذه التجربة وما تقدمه من خبرات وفائدة لطلبة المعهد العالي للموسيقا قال الأستاذ ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، الذي قاد فرقة الطلاب في بعض فقرات الحفل: «بداية وجد الطلاب صعوبة في التعامل مع هذا النوع الجديد من الموسيقا، فالمنهاج الأكاديمي في المعهد لا يحتوي مادة تدرس الموسيقا المعاصرة، ويمكن اعتبار أنها التجربة الأولى لهم مع هذا النوع الموسيقي، نحن نحتاج إلى العديد من ورشات العمل المشابهة لإطلاع الطلبة على أحدث التجارب الموسيقية في العالم، كما نسعى حالياً إلى إدخال الموسيقا الحديثة ضمن المناهج العلمية في المعهد» بدوره أعرب المايسترو النمساوي إيفالد دونهوفر الذي شارك باغبودريان قيادة أوركسترا الطلاب في بعض فقرات الحفل، أعرب عن سعادته في هذه التجربة التي وصفها بالناجحة، وعن سوية أعضاء فرقة الطلاب وتقييمه لهذه التجربة قال دونهوفر:«إنها تجربة مميزة بحق، فخلال وقت قصير جداً استطاع أعضاء الفرقة تفهّم هذا النوع الموسيقي الصعب والجديد عليهم، فهم يمتلكون خبرة ومعرفة جيدة مقارنة مع طلبة المعاهد الغربية، لكني أسعى جاهداً من أجل استمرار هذه التجربة، فهي بحاجة لورشات عمل أخرى للحصول على نتائج جيدة مستقبلاً».
أنس زرزر
http://www.albaath.news.sy/user/?id=808&a=73754