تبدّل الصفات الوراثية لفيروس انفلونزا الخنازير يعقّد عملية مكافحته
انتاج لقاحات جديدة يستدعي وجود مخزون من البيض المخصب المخصص للتجارب المخبرية
تكمن خطورة الفيروس الجديد المسبب لأنفلونزا الخنازير في انتقاله من الإنسان إلى الإنسان عبر الحديث والسعال أيضا. كما تكمن في تبدل صفاته الوراثية بشكل مستمر مما يعقد عملية تطوير لقاحات مضادة له في الوقت المناسب.
يمثل فيروس "إتش ون إن ون N1 H1" الذي ظهر لأول مرة في المكسيك سلالة جديدة من الفيروس المعروف سابقا كمسبب لأنفلونزا الخنازير. والفيروس المعروف من قبل يؤدي إلى الإصابة بالمرض بين الحيوانات، وتنتقل العدوى في حالات قليلة إلى البشر عندما يحتكون بطريقة مباشرة مع الخنازير المصابة.
تبادل الصفات الوراثية
أما السلالة الجديدة منه بحسب منظمة الصحة العالمية فيمكن أن تصيب الخنازير والطيور والبشر. وتكمن خطورة الفيروس المعدل الذي يعرف علميا باسم إتش ون إن ون، في أنه ينتقل من الإنسان إلى الإنسان، وشأنه شأن فيروسات انفلونزا أخرى، فإنه يتغير باستمرار، فإذا كانت الخنازير مصابة في آن واحد بفيروس أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور وبالفيروس المسبب للأنفلونزا بين البشر، فإن هناك عملية تبادل بين الجينات المختلفة تتم داخل جسم الخنزير المصاب بهذه الأنواع الثلاثة من الفيروسات، وينشأ فيروس جديد يحمل الصفات الوراثية لتلك الأنواع المختلفة من الفيروسات، وبالإضافة إلى انتقاله من الخنزير إلى الخنزير، يملك الفيروس الجديد المقدرة على الانتقال من الإنسان للإنسان.
الأعراض والعدوى
إصابة الخنزير بالفيروسات الثلاثة المسببة للأنفلونزا لدى الخنازير والبشر والطيور أدى إلى نشوء السلالة الجديدة من فيروسات أنفلونزا الخنازيرإن أعراض العدوى بالمرض شبيهة بأعراض الأنفلونزا العادية والمتمثلة في الحمى والإرهاق وفقدان الشهية والسعال، كما يعاني بعض المرضى من زكام وأوجاع في الحلق وغثيان وإسهال.
وينتقل فيروس "إتش ون إن وان" عن طريق الرذاذ، وهذا يعني أن الفيروس يتركز في اللعاب أو إفرازات الجسم الأخرى. ويمكن له أن ينتقل من شخص إلى آخر عند الحديث أو العطس، وحينها يتسنى للفيروس اختراق الجسم من خلال الأغشية المخاطية.
وقد قامت منظمة الصحة العالمية في أواخر شهر نيسان أبريل الماضي بتصنيف المرض بأنه وباء عالمي، وتم تصنيف الفيروس الجديد على قائمة الفيروسات الخطيرة التي تشكل تهديدا على نطاق العالم. وفي شهر حزيران/ يونيو أعلنت المنظمة درجة التأهب السادسة وهي أقصى درجات التأهب، مع العلم أنه لم يحدث منذ أربعين عاما أن أعلنت عن درجة التأهب هذه بسبب فيروس الأنفلونزا.
فيروسات تخدع الجهاز المناعي
يصعب على العلماء السيطرة على السلالات المختلفة من الفيروسات وهي في طور التحول. فأكثر هذه الفيروسات يعمل على تغيير صيغته الوراثية بشكل حثيث يخدع الجهاز المناعي للإنسان. وهذا الأمر يجعل تطوير الأمصال المضادة أمرا معقدا، إذ يكون من الضروري مراقبة تطور سلالات الفيروسات بأسلوب دقيق. وهذا هو الحال مع الفيروس المسبب لأنفلونزا الخنازير.
إن النمط الذي يتغير به الفيروس يمكن أن يشكل مؤشرا لمعرفة السلالة التي ستكون مرتبطة بتفشي الموجة المتوقعة من الأنفلونزا. وهناك معاهد متخصصة في أوروبا وأمريكا واليابان وأستراليا، متخصصة في هذا المجال، كما يقول الباحث في معهد باول إيرليش ميشائيل فلايدرار. وهذه المعاهد تتولى وفقا لفلايدرار " مهمة مراقبة تطور سلالات فيروسات الأنفلونزا، وهي تعمل بشكل منتظم وموسمي، أي تقوم بتطوير أمصال مضادة للأنفلونزا الموسمية العادية". وعندما يتم تحديد السلالات الرئيسية المسببة للأمراض، تضعها منظمة الصحة العالمية تحت تصرف الجهات المعنية بإنتاج الأمصال المضادة.
"بيض الدجاج بنك آمن للفيروسات"
وفي المرحلة التالية تجرى عملية تكاثر صناعية لتلك الفيروسات المحددة داخل أوعية طبيعية من بيض الدجاج الملقح. وبعد حقن البيض الملقح بالفيروسات، تعالج كل بيضة على حدة، ويتم فصل الفيروسات التي تتكاثر بسرعة فائقة من الغشاء الخارجي لأجنة الدجاج وهي في الطور الجنيني المبكر. ويعلق الباحث ميشائيل فلايدرار بقوله إن بيض الدجاج يعتبر بنكا آمنا للفيروسات، وإن معظم عمليات استزراع وفصل الفيروسات حتى في حالة الأوبئة تتم داخل البيض الملقح.
غياب البديل لبيض الدجاج في الوقت الحالي
مخاوف من عدم وجود المخزون الكافي من البيض اللازم لانتاج اللقاحات، في حال تفشي وباء أنفلونزا الخنازيرويضيف الباحث فلايدرار بأنه من الممكن باستخدام هذه الطريقة تركيب عدد كبير من العبوات يصل إلى مليار عبوة في السنة. لكن في حالة المخاوف من تفشي وباء ما فيجب أن يسير العمل بسرعة أكبر، وفي هذه الحالة قد لا يكفي المخزون المتوفر من البيض لإنتاج الكميات الضخمة المطلوبة من الأمصال. والبيض المطلوب هنا ليس بيضا عاديا كالذي يتوفر لدى المزارعين بل بيض مختبرات مخصص للأغراض البحثية، تم إنتاجه تحت مستوى عال من التعقيم. وكما يقول الباحث ميشائيل فلايدرار من معهد باول إيرليش فإنه لم يتسن حتى الآن إيجاد بديل يمكن أن يحل مكان بيض الدجاج.
الكاتبة: يوديت هارتل/ نهلة طاهر
مراجعة: ابراهيم محمد