حوار الأربعاء ..
الأديب التونسي محمد علي اليوسفي..دور الكتابة أن تنظر إلى مايحرك الواقع من مخفيات
لست مع الجنوح في اللغة والتحليق في الخيال
مارست الترجمة بحذر وخريف البطريرك أصعب الكتب التي ترجمتها
منذ طفولته والأديب محمد علي اليوسفي مسكون بالأسئلة، ومهجوس بقضايا قد تضيق عليها قصيدة، وقد لاتكفيها رواية... أغرم في البداية بقصص الأطفال، ثم بالسِّيَر الشعبية التي كان خاله يسردها لأصدقائه، وشكلت الكتب الصفراء التي كان يعيره إياها دهشته الأولى، وشغفه الأول بالقراءة، حيث ضمت في صفحاتها أنواعاً مختلفة من الأدب كالقصة والشعر، فأخذ يدوّن بعض مايعجبه منها في دفتر صغير. وبسبب أسفاره وتنقلاته الكثيرة كان التعاطي مع الشعر هو الأسهل بالنسبة له كمحترف لايحتاج لأكثر من قلم ومجموعة أوراق ووقت ومزاج مناسبين، بعكس الرواية أو الدراسة التي تحتاج إلى مراجع وأوراق كثيرة. ثم أخذت قصيدته تغتني بأسلوب آخر يتضمن السرد الطويل والحكايات، والأصوات الكثيرة، بما يشبه القصة أو الحكاية، فكانت الرواية هي الشكل الذي استوعب هذه التطورات. وقد حملت رواياته وأشعاره تقاطعات كثيرة فيما بينها، ثم بحكم ظروفه كطالب، كانت الترجمة ملاذاً لتأمين مصروفه ، ومن ثم احترفها كنوع أدبي هام، كما قدم بعض الدراسات النقدية، فاغتنى تاريخه الأدبي بأنواع متعددة من الإبداع، وجميعها حملت ميزات فنية تشير بوضوح إلى خصوصية إبداعية تنهل من ثقافة واسعة، ومعرفة عميقة لشروط الابداع..
أشعار أوكتافيو باث عرّفتني على محمود درويش
الفضائيات ومعارض الكتاب حققت التواصل بين المشرق والمغرب
الأسئلة الوجودية مترافقة مع الولادة الأولى للإنسان
للحياة الأولوية عبر التأمل فيها والتعمق بإيقاعها ولحظاتها
حول رؤيته لمفهوم الكتابة ودوافعها، هل هي حالة بوح، أم تعبيراً عن أزمة، خلاصاً ما، أم هي فكرة يرغب بإيصالها للآخر ومشاركته بها... يقول اليوسفي: ( الكتابة يمكن أن تكون كل ذلك، ففي البداية نكتب ولانعرف لماذا نكتب، ربما لأننا قرأنا نريد أن نكتب.. ربما لأن التعبير يدفعنا للكتابة، وفي الوقت ذاته عندما تتزامن الكتابة مع ظرف تاريخي يعيشه المرء فإن هذه الكتابة ستصبح ناطقة بالبيئة والظروف التي يعيشها الكاتب، ففي المرحلة الأولى تكون الكتابة تلقائية، وربما لايطرح الكاتب على نفسه سؤال: لماذا يكتب؟ لكن في مرحلة لاحقة عندما يبدأ الوعي متجاوراً مع الكتابة تبدأ الأسئلة التي تخص الحياة اليومية، ومع نضج ووعي أكثر بالكتابة قد تصل إلى الأسئلة الخالدة، الأسئلة الوجودية، وهنا الإشكالية التي أراها في الكتابة وهي هل دور الكتابة أن تعكس الواقع وتصوره؟ أم أنها تسعى لما هو أفضل، ولكن حتى وهي تسعى لما هو أفضل.. كيف للكتابة أن تكون بناء لهذا الواقع المرتجى، بمعنى أننا لانستطيع التعبير بواقعية فجة عن الواقع، لأن الواقع من التعقيد بحيث يختفي عن النظرة الأولى المسطحة، فعندما نتحدث عن أدب أمريكا اللاتينية والتعقيدات الموجودة في الواقعية السحرية مثلاً، نتساءل: أليس واقعنا سحرياً، أم لأننا اعتدنا نوعاً من الرتابة اليومية لانرى سحريته؟... سؤال يتضمن إجابته لأن حياتنا فيها الكثير من الغرائب والعجائب والصدف، ودور الكتابة أن تنظر إلى التفاصيل والخفايا الموجودة في الواقع، أن تنظر إلى مايحرك هذا الواقع من مخفيات، فباعتقادي أن الموتى يحركهم الأحياء، الطقوس، الصلوات وغيرها، فعندما تبدأ الهواجس ربما الإنسان لا يبدأ نهاره في الصباح بل يبدؤه في الليل وهو يحلم وينتظر ماذا سيحدث في النهار لأنه حلم بالطريقة تلك، أو لأنه رأى شخصاً ما، هذه التطيرات المسبقة الصباحية أو الليلية أيضاً تسوق خطا الإنسان، وأعتقد أن دور الكتابة أن تنظر إلى هذا الواقع بمجمله).
الشعر ناظم لأفكار الرواية
بدأت تجربة اليوسفي الأدبية مع الشعر حيث الدفق الوجداني والصور الجميلة والمبتكرة التي يتضمنها شعره، ثم انتقل إلى الرواية وأنواع أدبية أخرى، نقرأ فيها توظيفاً للغة يمنح نتاجه الأدبي تجدداً وتنوعاً، فيتحدث عن علاقته باللغة ( أنا أحب اللغة أولاً والشعر ثانياً، فإذا نظرنا إلى الرواية نرى أن جداتنا يسردن الحكايات بأسلوب أفضل من أسلوبنا، والواقع فيه من الحكايات الكثير... والسؤال الذي يحضر هنا: هل دور الروائي أن يتفوق على هذا الواقع روائياً؟ بالتأكيد لا، صحيح هو مطلوب منه حكاية، لكن أيضاً مطلوب منه جانب فني تحققه اللغة التي هي أداة رئيسية ومهمة، فكما يعتبر الشعر حاملاً للغة ومطوراً لها لماذا لاتكون الرواية أيضاً؟... وأنا هنا أخالف من يقفون ضد اللغة العامية "المحكية" لأن هذه اللغة سواء في حوار الرواية أو السينما أو أي فن آخر تقرّبها من الواقع أكثر، لكنني ضد الاستعمال المتكلف للعامية المبتذلة، وهذا الكلام يُرَد عليه أحياناً بفكرة أن الرواية ليس هذا دورها، هي ليست قصيدة، بل دورها أن تصل إلى الآخرين. وأنا أعتبر أن هناك خيارات، فالرواية ليست رواية واحدة، كما أن القصيدة ليست قصيدة واحدة، وبالوقت ذاته لست مع الجنوح في اللغة والتحليق بالخيال... الشعر في الرواية مطلوب منه أن يكون إيقاع الرواية، ناظماً لأفكارها، بمعنى أن اللغة تصبح شاعرية، واللحظة شاعرية، وأيضاً الأمكنة، أي أن الإنسان داخل في المجهول، وكل مكان لايعرفه الشخص له رائحة أولى متى رجع إليه سوف يتذكر الرائحة لأنها موجودة في ذاكرته، وهنا أقول: إن اللحظة الشعرية في المكان، اللحظة الشعرية بين إنسان وإنسان، هي الشعر، وكثير من اللحظات التي تمر خاطفة قبل أن ندركها تحكمها الشعرية).
الترجمة لم تكن مشروعه
حكايته مع الترجمة بدأت مع مجيئه إلى دمشق للدراسة في الجامعة حيث كان هناك إقبال على الترجمة يقول: (عندما رأيت هذا الإقبال على الترجمة في دمشق شعرت أن لدي مكسباً أستطيع أن أعيش منه، فكانت البداية مع ترجمة بعض القصائد والمقالات، وقد شجعني على الترجمة أنها كانت تنشر بالصحف وأحصل مقابلها على مكافأة، وهنا زادت امتيازاتي، رغم أني كنت أرى الترجمة أمراً صعباً). ومع أنه بدأ بالترجمة لتوفير مصروف دراسته الجامعية في دمشق إلا أن احترافه الحقيقي لها كان في بيروت أثناء تحضيره لرسالة الماجستير(في بيروت كان هناك إقبال من دور النشر على الترجمة التي كنت أراها مسألة صعب عليّ احترافها، ولاأجد نفسي مؤهلاً لترجمة روايات وكتب، إلى أن عرض عليّ مرة أن أترجم كتباً فقبلت على استحياء خشية أن لاأنجح في هذه التجربة. وأذكر أن أول كتاب ترجمته قدمته بتواضع وطلبت من صاحب دار النشر أن تتم مراجعته لتلافي أي ثغرة فيه، فأخذه أحد الدكاترة الذين يتعاملون مع الدار، وكانت المفاجأة إعجابه به واستغرابه: كيف حصلت على هذا الكتاب القيّم وترجمته الجيدة!... وهنا كان استغرابي أكبر أنني أستطيع أن أترجم، وأن لغتي العربية جيدة، فأصبحت أمارس الترجمة لكن بحذر لأنها ليست مشروعي، فأنا لاأريد أن أصبح مترجماً.. لكن بحكم الإقبال على الترجمة، حيث الكتاب المترجم يُقرأ بسرعة، أصبحت بحساسيتي الشخصية لاأترجم كتاباً إلا إذا أعجبني وشعرت على الأقل أني أعدت كتابته، وكأني أنا الكاتب الثاني لهذا النص – طبعاً بعد أن أصبحت تجربتي أوسع – كنت أسأل نفسي ماذا نريد من نص يخترق الثقافة العربية ويضيف لها ويعطينا الجديد ويكون موظفاً لصالح ثقافتنا؟... ومن هذا المنطلق الكتب التي ترجمتها كانت فيها هذه الإضافات الجديدة. ومن أصعب الكتب التي ترجمتها كانت رواية "خريف البطريرك" لماركيز، وقد كان مأخذ دار النشر عليها أنني ترجمتها بنصها الفرنسي وليس بنصها الإسباني، وكانت أجمل لحظة عشتها عندما سمعت شهادة صالح علماني بترجمة الرواية إذ قال: ( لو أترجم هذه الرواية أنا لن أترجمها أجمل من ذلك حتى لو عن الإسبانية، وأعمال ماركيز كلها ترجمتي إلا " خريف البطريرك" ترجمها محمد علي اليوسفي) . تجربته الثانية في الترجمة كانت مع الشعر حيث ترجم عدة مجموعات للشاعر المكسيكي " أوكتافيو باث" وكانت السبب في تعرفه إلى الشاعر الراحل محمود درويش ( بعد أن ترجمت عدة مجموعات للشاعر أوكتافيو باث اقترح عليّ الناشر رياض نجيب الريس فكرة أن أطبعها في كتاب فأجبته: يبدو الأمر صعباً... فقد طرحتها على أكثر من دار نشر ولم يقبلوا نشرها، وبعد فترة سمعت أن اتحاد الكتاب الفلسطينيين في بيروت يؤسس مجلة اسمها "الكرمل" يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش، وكنت حينها لاأعرفه بشكل شخصي، فأخذت أحد دواوين "باث" وهو قصيدة طويلة عنوانها "حجر الشمس" وأعطيتها للأديب يحيى يخلف ليعطيها للشاعر درويش، وبعد أيام قليلة اتصل بي يخلف ليبلغني رغبة درويش برؤيتي... وكانت هذه القصيدة سبب معرفتي بمحمود درويش الذي أبدى إعجابه الشديد بها، ونُشِرت بمجلة الكرمل، ولاقت صدى كبيراً، وبعد وقت قصير من نشر هذه القصيدة صدرت لي عن دار الصيرة- وكانت غير معروفة كثيراً- ثلاث مجموعات مترجمة "لباث" في كتاب واحد اسمها " حرية مشروطة" وكان المرجع الوحيد في الثقافة العربية ترجمته أنا).
الشعر تراكم طفولي
ويرى اليوسفي أن الشعر تراكم طفولي، فأسئلة الوجود مترافقة مع الولادة الأولى للإنسان قبل أن يكتمل وعيه ويدرك الحياة، بمعنى أن الأسئلة التي يبدأ الأطفال بطرحها في أول وعيهم للحياة هي نتيجة التراكمات التي عاشوها في عالمهم الآخر الذي جاؤوا منه، كأن يسألوا عن الحجر لماذا لايتكلم وغيرها من الأسئلة الأخرى، فالطفل هنا لايسأل عن شيء يعيشه الآن بل يبني على شيء سابق... يجيب اليوسفي عن هذا بقوله ( هذه الأسئلة محيرة وجميلة، ولكن إذا رجعنا للفلسفة فإن الإنسان لاتنطبق عليه القاعدة المعروفة عنه بلجوئه إلى التفسير الأسطوري لمعرفة الظواهر الكونية، فكل أسطورة تفسر ما معنى المطر ، ومن هو إله المطر، إله الخصب، وغيرها من الأجوبة عن تساؤلات تدور في ذهنه، فكان يخلق تعبيراً يجعل دهشته أمام الشيء تفسيراً له. وبرأيي الطفل يشبه بنموه الحضارة، فكما مرت الحضارة بمرحلة الطفولة التي هي مرحلة الأسطورة، أيضاً الطفل يولد في مرحلة الدهشة التي مرت بها الإنسانية ككل، فدهشة الطفولة هذه غير موجودة في الكون، لكنها موجودة في تجدد الإنسان، فالأسطورة في البداية هي الدهشة من الأشياء كالإشارة بالأصابع، والطفل يعيش تلقائية في التعبير فيسأل مثلاً لماذا البقرة لاتحكي، ونحن نقابل سؤاله بالضحك عليه، لكن في الحقيقة هو مندهش ومستغرب أنها لاتحكي وهي لها أنف وعيون وأرجل، هذا سؤال مدهش لكن نحن كبرنا ووعينا أن الإنسان كائن ناطق وعاقل والبقرة ليست ناطقة، هنا العقل يشتغل لكن بالدهشة الأولى.
أما بالنسبة أن الطفل يأتي محمّلاً بتراكمات فكثيراً ما أسأل نفسي: هل من المعقول أن الإنسان يأتي من عدم، فعندما نطلق صفة وراثية على حالة ما، ماذا نقصد بكلمة وراثية: هل هي مجرد جينات وأشياء كيميائية وفيزيائية، لكن ضمن هذه الفيزيائية هل من الممكن أن تكون هناك خفايا لانعرفها نحن؟... والسؤال الأكثر إلحاحاً: ماذا يفعل الطفل في بطن أمه أثناء النشأة، هل يعقل أنه عبارة عن عشبة أو قطعة لحم تأكل وتشرب حتى يقتضي الخروج، فلماذا لانفترض وجود دنيا أخرى، حوارات أخرى فيها جوانب مفهومة بالنسبة للأم فهي تعرف كيف تخاطبه، وشعورها تعرفه، لكن هو لم يحكِ لنا، وهنا أحاول أن أسبر أغوار هذا السر الذي لايوجد له حل عندي، وهنا يبدأ دور الخيال).
الغيبيات.. أمكنة الكتابة وأسرارها
ومن يقرأ شعر اليوسفي يلمس شيئاً من التصوف أو الفلسفة أو قراءة في الماورائيات والغيبيات التي تشكل لدى الكثير من الناس معتقدات ترافقهم في حياتهم، ويوضح هذه الحالة بالقول: ( لاأحب أن أسميها غيبيات، بل أفضل أن أقول هذه أمكنة الكتابة، أسرار الكتابة، فمثلاً نحن نسمي الأشياء بمسمياتها فنقول: هذا فنجان قهوة، هذا كتاب، هذا مسجل.. بينما الكتابة إذا آمنا بعض الشيء نقول إن هذه القهوة فيها سر ما، أي بدأنا نبحث عن السر، وتتسع الدائرة وتكبر ليصبح وراءها شيء آخر ويصبح هناك مجال لتوليد الخيال، فشغل الخيال واللغة في الأمور الغيبية مساحة أوسع، لكن هذا الغيبي يشبه رؤية الإنسان الأول لقوى الطبيعة عندما يدهش تماماً، ودهشة الكتابة في رأيي تأتي من تصديق هذه المعتقدات كمحرك للأحداث والناس والحياة).
ورغم التراث المشترك والقناعات المتشابهة التي يتم الحديث عن المفارقات والاختلافات بين المشرق والمغرب، لكن رؤية أديبنا لها مختلفة، وقد عبّر عنها باهتمام ( هذا الموضوع يهمني كوني عشت في المشرق والمغرب، وقد سمعت كلاماً وقرأت دراسات حوله، في نظرة للآخر الذي هو الشرق، فهناك الشرق وهناك الغرب، فهل الشرق هو مصر أم سورية أم السعودية أم لبنان، من هو الشرق، الشرق ليس كتلة واحدة، فقد نجد شاباً في الجزائر أو في تونس يعاني من الفرنسة، ومن منافسة الكاتب الفرنسي ودور النشر الفرنسية، عندما يحبط وهو في الجزائر ولايستطيع أن ينشر، ويحاول أن ينشر في سورية أو لبنان ولايجد تشجيعاً ولادعماً يقول هؤلاء المشارقة وكأنه يطلب من أم أو أب أن يحميه، وعندما يحبط أكثر من مرة يصبح لديه ردة فعل بأنهم مشارقة، ويشعر بتقصيرهم تجاهه، وهذا اعتراف بوجود المركز الذي يمثله المشرق، والأطراف التي يمثلها المغرب، وربما في السنوات الأخيرة خفّت حدة هذه النبرة، حيث أصبح هناك تواصل أكثر، عبر الفضائيات ومعارض الكتاب، هذه النبرة لم تعد كما كانت في فترة السبعينيات حتى التسعينيات، وأنا شخصياً أفاجئهم عندما أقول لهم إنني عشت في سورية وأعرف الناس فيها كيف يفكرون، إنهم عندما يسمعون بعمل جميل يتساءلون عنه ويحاولون قراءته أو مشاهدته إذا كان مسرحية ، فمثلاُ أنا عرفت "الطاهر وطار" في سورية وليس في الجزائر، والمسرح التونسي عندما جاء إلى سورية كنت مقيماً فيها، فهل سألنا أنفسنا كيف يتفرج السوريون على مسرحنا باللهجة التونسية رغم صعوبتها؟... هناك في الشرق اعتناء ورصد لنتاجات المغرب العربي فكرياً وثقافياً، وانا لاأريد أن أتفاءل كثيراً أيضاً، هناك كلام أرد عليه فإذا كان في المغرب العربي مفكر أو اثنان مهمان فهذا لايعني أن هناك نهضة، لأن في مصر أكثر من عشرين أو خمسين مفكراً، فالطريقة التي يتم فيها التقييم ليست انتقائية بل هي بنية متراكبة ماذا تعطي في النهاية، فالاعتناء متبادل، وعندما يخرج صوت متميز يعتنون به سواء من قبل المشرقيين أو المغربيين).
لحظة الالتقاء بين المكان والذات
وللمكان حضوره وتأثيره في ذاكرة اليوسفي، فهو يحمل الرائحة الأولى دائماً وهذا مانلمسه فى نتاجه كله ( المكان بالنسبة لي لايعني الجغرافيا، ولاأمتاراً مربعة، المكان عندي هو لحظة الالتقاء بين الذات والمكان، ماذا تولد وليس ماهو هذا المكان ومن هو هذا الشخص، هو في اللحظة، في الانطباع، الانطباع دائماً فيه روائح، فيه صور، حتى عندما أصف المكان لاأقول: بناية عالية وشارع طويل، بل أصفه بقول: رائحة ما، أو شيء ينبثق من المكان ليعبر عنه، علاقتي بالمكان دائماً غير محددة، حتى أحياناً أُلام حين يسألونني أين المكان برواياتك فأجيبهم موجود لكن ليس بالتسميات بل بالدلالات).
ويقرأ اليوسفي الحياة والموت قراءة خاصة به ( حاولت أن ألعب بالموت كثيراً، شعرت به قوياً وبالوقت ذاته غائباً، ويجب أن نشوش عليه مثل الطفل الذي نتركه في البيت وحده يفعل مايريد، ثم تأتي السلطة الكبيرة أم أو أب وتؤنبه، يجب أن نعبث بالموت على الأقل على مستوى الحياة، مستوى الكتابة، مستوى العيش، نعبث به قبل أن يأتي صاحب البيت، هكذا أتصرف معه، دائماً الموت بالنسبة لي هو هذه السلطة، هو الزمن، فروايتي الأخيرة "عتبات الجنة" هي محاولة لاختراق الزمن في الماضي، واللعب بالزمن هو كيف يمكن أن نخترقه، كيف يمكن أن نعود للماضي ونحن في هذا العمر، الكتابة تستطيع أن تفعل ذلك عبر التخييل، في هذه الرواية حاولت أن أجعل ثلاثة أجيال تعود للوراء الجد والأب وابنتهم، وهذه المحاولة للّعب بالزمن تمثل موقفي من الموت). أما الحياة فيعطيها الأولوية ويرى أنها يجب أن تعاش ( أعطي أولوية لكل شيء اسمه الحياة قبل الكتابة وقبل أي شيء آخر، طبعاً ليس عيشها بشكل مجاني، بأن أقضيها باللهو والتسلية، لكن بمعنى التأمل فيها والتعمق بها وبإيقاعها ولحظاتها، باستحضار الموتى للحياة، فكثيرون من أجدادي أستحضرهم ليعيشوا معي إيقاع الحياة وأحاورهم بالكتابة لتكون أجمل، وهنا تحضرني زيارتي الأخيرة لمدينة حمص السورية عبر مشاركتي بأسبوع الثقافة التونسية- السورية، حيث دعوني إلى مطعم جميل جداً اسمه "جوليا دومنا" فذهلت بجماله وسألت العاملين به هل مات البشر الذين سكنوا هذا القصر فأجابوني نعم، فقلت لهم " يخرب بيوتهم كيف قدروا يموتوا فمن يسكن في قصر كهذا يجب ألا يموت" وأنا أحب أن أسمع أصوات الموتى وهذا لايخيفني بل أفرح ربما لأنهم يعطون مساحة لروحي أن تتجلى أكثر). ولايرهق أديبنا نفسه بملاحقة القارىء فهو يكتب علّه بالمصادفة يخلق قارئاً يقرؤه... لكن ماهي مواصفات هذا القارىء الذي ستخلقه المصادفة في زمن تتعدد فيه بدائل القراءة يقول: (أنا وجدت هذا القارىء ، ومواصفاته لاأرغب أن أبالغ بذكرها، لكن إذا عدنا إلى زمن مضى نرى أن من كانوا يقرؤون قلة، والآن الأمر لم يختلف كثيراً وأنا كنت متشائماً من الانترنت والبدائل الأخرى للقراءة، لكنني اكتشفت أن في أيامنا كما في أيام زمان هناك من يلعب كرة القدم، وهناك من يذهب إلى السينما، وليس كل الناس يقرؤون، وقد اكتشفت أن الانترنت الذي تشاءمت منه يلعب دوراً كبيراً في الأدب والثقافة، واكتشفت كم يرضي غروري أن يكون لي قراء في مدن أخرى بعيدة، حتى أنه تضمن منتديات حوارية عبرالانترنت قد تناقش رواية من رواياتي التي ربما لم يتحدث النقاد عنها، لكن هؤلاء القراء معجبون بها ويقتبسون منها، وهناك جيل من الشباب متابع باهتمام للكثير من المواضيع الجيدة التي يوفرها الانترنت). وحول تناول النقد لتجربته الأدبية يعتبر أن هناك تقصيراً ليس بحق أدبه فقط، بل إن النقد لم ينصف الكثير من النتاجات الأدبية لكثير من الأدباء واقتصر الأمر على بعض الانطباعات ( هناك بعض الكتابات عن تجربتي، لكن بصراحة أنا أعتقد أن ثقافتنا في المنطقة العربية كلها تعاني من مسألة العلاقات الشخصية وتبادل المصالح والمنابر، ولو تم رصد أسماء من يكتب عنهم كتابات غزيرة من شعراء وروائيين لتبين أن هذه الكتابات نابعة من سلطة مادية أو معنوية أو منبرية أكثر من قيمتها الأدبية، فكاتب يتمتع بمنصب سياسي يختلف عن كاتب يعيش في مكان بعيد، وكاتب لديه منبر في أي مؤسسة ثقافية، وكذلك الملتقيات الأدبية والندوات بقدر ماتحمل من إيجابيات تقابلها سلبيات أيضاً فجميع العلاقات الحميمية في الكواليس تقوم على المصالح المتبادلة فقط ما يعني غياب النقد الموضوعي وبالتالي لايمكننا الحديث عن حركة نقدية مواكبة للحركة الإبداعية).
ســــــــــلوى عبـــــــــــاس
بطاقة ..
«ينتمي محمد علي اليوسفي إلى الحرية والديمقراطية، لكن النص الشعري عنده لايظهر فيه أي انتماء أيديولوجي ، أي أنه لايتكىء على أفكار كبرى، أو مشاريع سياسية كما لدى شعراء الستينيات كالماركسية. ومحمد يبدو شاعر المرحلة الوسيطة، أي أنه جاء بعد انفجار القصيدة الجديدة، قصيدة الحداثة كأدونيس وأنسي، وأيضاً بعد جيله جاءت القصيدة التي نفضت عنها أثقال الأيديولوجيا، وهو يتكىء على ماقبله لكنه يتجه نحو القصيدة الجديدة لكن دون وضوح تام في هذا المعنى، أي دون أن تبدو قصيدته أنها تتجه إلى الجيل الشعري الجديد لأنه ابن مرحلته وتكوينه الثقافي في الستينيات والسبعينيات وقصيدته ابنة أواخر السبعينيات والثمانينيات، ويشكل جسراً ربما بين مرحلة الحداثة الشعرية بفرعيها النثر والتفعيلة ثم مرحلة القصيدة الجديدة»... هذه الشهادة قدمها الكاتب صقر أبو فخر في تجربة الشاعر محمد علي اليوسفي.
أحب دمشق وأغار عليها
لقد عاش اليوسفي في دمشق فترة دراسته وكان لها حضور هام في ذاكرته يستحضره بألم بسبب اختلافها لديه مابين اليوم والأمس ( أحب دمشق كثيراً، وأحب أن أراها أجمل من الصورة التي رأيتها بها في زيارتي هذه، ففي كل مدينة أزورها بعد غياب عنها سواء تونس أو بيروت وغيرها من المدن العربية ألحظ فيها تطورات جديدة من طرقات وجسور وحدائق وغيرها، بينما دمشق تذكرني بمصر حيث أراها تغص بالازدحام والفوضى والتلوث، هذه الأمور عندما أراها أحزن وأقول دمشق تستحق اهتماماً أفضل من ذلك، وفي الصيف أتيت إلى دمشق ورغبت بزيارة أستاذ درّسني في الجامعة أحبه وأقدره كثيراً وعندما التقيته سألني كيف وجدت دمشق؟ قلت له فيها جسور كئيبة، فأجابني بابتسامة مرّة "لاتعطيها وش"، وفي هذه الزيارة وجدت تحسينات كثيرة وحدائق جميلة، وهذا شيء جميل فعندما تتطور الجوانب التي أحبها بدمشق أفرح كثيراً لأنني أغار عليها كما أغار على بلدي).
في الشعر:
- حافة الأرض – امرأة سادسة للحواس- ليل الأحفاد.
في الرواية:
- توقيت البنكا- شمس القراميد- مملكة الأخيضر- بيروت ونهر الخيانات- دانتيلا- عتبات الجنة.
> في النقد: أبجدية الحجارة.
> أعماله المترجمة:
في الشعر: ( حرية مشروطة- مدائح النور)
في الرواية: (حكاية بحار غريق- خريف البطريرك، غابرييل غارسيا ماركيز)
- البابا الأخضر، ميغيل أنخل استورياس
- ناراياما، شيتشيرو فوكازاوا
- مملكة هذا العالم، أليخو كارنتييه
- البيت الكبير، ألفارو سيبيدا ساموديو
- ليلة طويلة جداً، كريستين بروويه
- بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة، داي سيجي
-"نظرية الدين" رؤية فلسفية، جورج باتاي
> سير
-المنشق، سيرة نيكوس كازنتزاكي بقلم زوجته
> دراسات
-بدايات فلسفة التاريخ البرجوازية، ماكس هوركهايمر
-بلزاك والواقعية الفرنسية، جورج لوكاش
> في السينما
-الثورة الفرنسية في السينما – قرن من السينما الفرنسية
-رحلات -من تونس إلى القيروان،
غي دي موباسان