لغتنا العربية بين الخوف والطمأنينة
بقلم: سري سمّور
انعقاد اليوم العالمي للغة العربية في باريس والذي نظمته اليونسكو للعام الثاني على التوالي يوم الأربعاء 18 كانون أول (ديسمبر) 2013م فتح الباب من جديد أمام أسئلة وهواجس ومخاوف وتحديات قديمة-جديدة تتعلق بلغتنا العربية..لغة الضاد..واللغة التي حباها الله واصطفاها لتكون لغة القرآن الكريم أشرف الكتب السماوية وأعظمها بنيانا وأحكاما وإعجازا.
فهل ما زالت اللغة العربية حيّة في قلوبنا، وعذبة على ألسنتنا، وسلسلة حين تنساب الفكرة من يراعنا إلى أوراقنا، وهل حالها كما قال القائل:-
لغة إذا وقعت على أسماعنا***كانت لنا بردا على الأكباد
أم أن تفاعلنا مع لغتنا ولغة أسلافنا قد فتر أو اندثر؟
والحقيقة أن اللغة العربية تعاني من أخطار عدة لا تنحسر بطوفان العولمة، وغزو التقنيات التي نحن متخلفون في إنتاجها، وفقط نستهلكها؛ بل أرى أن أكبر خطرين على اللغة العربية هما الطمأنينة الزائدة على اللغة العربية كونها محفوظة ضمنا بحفظ كتاب الله العزيز(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، والجمود والانغلاق السلبي، والذي سببته أبيات قالها شاعر النيل حافظ إبراهيم تمترس خلفها حراس أو سدنة اللغة العربية ومنها:-
وسعت كتاب الله لفظاً وغاية *** وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيق أسماءٍ لمخترعات
أما الركون إلى حفظ اللغة العربية من الاندثار لأن القرآن الكريم محفوظ فهو خطأ وخطر؛ لأنه يجعل اللغة خاصة بالعبادات والصلوات والتلاوة مع مرور الزمن، وفي ظل طوفان العولمة؛ وتأكيدا للفكرة فقد سمعت شيخا أزهريا يقول أنه عمل في بلد أفريقي(ربما نيجيريا) ووجد فيه من يحفظ كتاب الله كاملا، ولكن لا يفهم اللغة العربية مطلقا؛ وضرب مثلا عن صاحب بقالة يريد أن يشتري منه فلا يعرف اسم أي سلعة بالعربية وهو في ذات الوقت حافظ لكتاب الله!
أما القيد أو الغل الذي وضعه سدنة اللغة على عنقها فيما يخص المخترعات فهو أشد وأنكى؛ فكما نعلم نحن نعيش في القرون الأخيرة حالة انحطاط وتراجع على مختلف الصعد، ولم نقدم للبشرية شيئا ولم نخترع أي اختراع يدخل حياة أمتنا أو الأمم الأخرى، مع بالغ الأسف، فهل أصبح دورنا تحوير ونحت أسماء لمخترعات الأمم الأخرى؟!
إن السكر يطلق عليه بالإنجليزية (Sugar) وهو تأثر بالعربية لأن العرب سبقوا أوروبا في استخدامه حينما كان الأوروبيون يستخدمون عسل النحل، أما الأرقام المكتوبة بهذه الطريقة:-
0-1-2-3-4-6-7-8-9-10
فاسمها كان وما زال عند الناطقين بالإنجليزية من بريطانيين وأمريكان هو (Arabic Numerals) وذلك حينما كانت اللغة العربية هي لغة العلم، وحينما كنا أصحاب أول جامعة في تاريخ الإنسانية(جامعة القرويين) التي درس فيها كثير من الأوروبيين وأحدهم شغل منصب البابا، وانتقلت كتابة الأرقام التي لا تزال تحمل اسم العرب لهم...أما الأرقام التي نكتبها ونسميها مجازا عربية فهي هندية(1-2-3) فأنت بما تصنع وتخترع لا بما تنحت من أسماء.
وقد كان الانشغال بهذه المسألة عامل جمود ومشكلة تضاف إلى المشكلات التي تواجهها لغتنا الجميلة فمثلا من يستخدم كلمة (المرناة) أي التلفزيون؛ وقد نحت سدنة اللغة كلمة (التلفاز) وهي الأخرى غير دارجة، أما كلمة (المسرّة) فلا أدري من يستخدمها، وأفضل منها كلمة(الهاتف) والتي لاقت سبيلا إلى البقاء حتى الآن، وكلمة (الحاسوب) التي قيل بأنها خطأ شائع والصواب هي كلمة (حاسب) لوصف الجهاز الذي دخل كل تفصيلات حياتنا وحياة الأمم الأخرى أي الكمبيوتر فمن يستخدمهما الخاطئة أو الصائبة؟قلة قليلة.
علينا التخلص من هذا الانغلاق والجرأة في إدخال أسماء المخترعات إلى قاموس أو مفردات اللغة العربية حتى يأذن الله بأن نخترع شيئا مفيدا للناس، ولا بأس من تحوير يجد له في الحديث أو الكتابة رواجا...وهذا ليس بجرم ولا خطيئة؛ لأن القرآن الكريم وهو المنزل على النبي الكريم بلسان عربي مبين فيه عدة مفردات أعجمية مثل:استبرق وأباريق وجهنم وغيرها، وقرأت لبعض العلماء الذين ناقشوا هذه المسألة أن المفردة تتعرب باستعمال العربي لها وذكرها في القرآن الكريم...فأي دهليز أدخلنا فيه سدنة اللغة بجمودهم؟ فيما رب الأرباب جعل في كتابه المنزه عن كل نقص مفردات غير عربية، والحجة الجاهزة التي يواجهونك بها هي أبيات حافظ إبراهيم، وكأن القرآن الكريم لا يكفي لدحض حجة هذا الشاعر الكبير والذي هو في النهاية إنسان يخطئ ويصيب!
أما ما يجب مواجهته بتشريعات وقوانين صارمة لا تقبل التأويل هو ظاهرة تسمية المحال والمتاجر بأسماء أجنبية سواء أكانت مكتوبة بأحرف عربية أو بالإنجليزية أو الفرنسية؛ هذا أمر يهدد اللغة العربية ويجعل استخدام الكلمات الأجنبية أمرا معتادا؛ وقد لاحظت في السنوات الأخيرة أن (كوفي شوب) باتت مصطلحا مقبولا دارجا على ألسنتنا وعلى واجهات الكثير من المقاهي، وقد وجب التصدي لهذه الظاهرة بأسلوب التوعية المدعوم بقوانين صارمة وقوية.
ولا يفوتني في ذات السياق التحذير من الإسراف في تعليم الأطفال الصغار اللغة الإنجليزية أو الفرنسية قبل تمكنهم من لغتهم العربية، مهما كانت الحجج التي تقدم لتبرير هذا السلوك، وأرى أن إدخال اللغة الإنجليزية إلى المنهاج الفلسطيني مثلا منذ الصف الأول الأساسي بدل الخامس أمر بحاجة إلى إعادة نظر...وللتذكير فقط فإن طلبة عرب ذهبوا ودرسوا في روسيا أو اليونان بعد التوجيهي دون أن يكون لهم أي رصيد من اللغتين الروسية أو اليونانية فأتقنوا اللغة إضافة إلى إتقانهم ما درسوه، وهذا ينسحب على اللغة الإنجليزية والفرنسية بلا شك.
وأمر آخر يحتاج أيضا إلى قوانين صارمة تحظره هو استخدام اللهجات الدارجة المحكية في الصحف أو النشرات الإخبارية في الإذاعات ومحطات التلفزة؛ فلا بأس من بعض الكلمات أو العبارات للضرورة ولكن أحيانا تشاهد نشرة أخبار يقرأها المذيع كاملة بالدارجة، وهذا أمر خطير جدا يجب حظره فورا.
مثلما وجب توبيخ أي عمل درامي يسخر من اللغة العربية وقد شاهدنا كثيرا من هذه الأعمال في الدراما المصرية خاصة، فكل الشعوب والأمم تعتز بلغاتها فكيف نقبل السخرية من لغتنا العربية التي كرمها الله بأن جعلها لغة القرآن الكريم بحجة الفكاهة؟!
أما التوجس من التقنيات الحديثة، لا سيما شبكة الإنترنت التي أفرزت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك وتويتر من حيث أنها تزيد الخطر على اللغة العربية، حيث أن الكل يكتب فيها، والناس يميلون للاختصار والسهولة ولا مانع لديهم من الكتابة باللهجات الدارجة، واستخدام الكلمات الأجنبية؛ حقيقة إنها سلاح ذو حدين فالخوف من هذه المسألة منطقي وله شواهده؛ وفي المقابل لا ننسى أن العرب في شتى أقطارهم مضطرون للتفاهم فيما بينهم باللغة العربية الفصحى قدر الإمكان؛ فكيف يفهم ابن المغرب العربي لهجتي الفلسطينية، وكيف يفهمني وإياه ابن العراق والخليج ومصر، ومواقع التواصل جعلت العرب يتواصلون مع بعضهم في الوطن والمهجر، ولا سبيل لهم إلا الفصحى.
وختاما فإن لغتنا العربية ليست في خطر ولا في أمان؛ بل تتهددها أخطار عدة، يمكن التغلب عليها بشيء من الجرأة وكسر الجمود، إضافة إلى خطة تتكامل فيها جهود الإعلام والتعليم والأسرة وغيرها...وتبقى لغة الضاد أجمل لغة ويكفيها ما شرفها الله به.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأحد 26 صفر 1435هـ ،29/12/2013م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين