بسم الله الرحمان الرحيم
دخل بهلول حديقة الحيوان فوجد الناس مشدوهة برؤية القرود الطليقة وهي تصول وتجول وتنتقل من مكان إلى آخر دون قيود أو رابط.. ولم تلتفت لا للأسود ولا للنمور التي هي في أقفاص.. بل رأى أنه أصبح للبعض منها ميول للتطبيع مع القرود .
كانت القرود جاهزة للتهريج.. والجموع الغفيرة حاضرة للتسلية والفكاهة والتصفير..!
بدأ البهلول يصيح حتى جلب انتباه الناس، فقال لهم: أنتم لستم أحسن حالا من هذه الحيوانات الموجودة في الحديقة، أنتم جمهور من مكونات مختلفة، لكن بينكم رابط هو إضاعة ساعات من العمر لمجرد وجود القرود، هم اليوم فرجة وحكواتية، وأنتم غدا مسخرة الأحفاد .
هاته الحيوانات الموجودة أمامكم، لكل واحد منها زي، ولون، وقناع، وذنب لجلب الأنظار، قدرهم ووجودهم محصور للتسلية فقط، وكلكم يضحك ويعلق وينعت، وأنا أبكي من وجع الأيام وضياع الأحلام بوجود هريجة الكلام.
قالوا له: سخافة.. بل أنت بهلول ومعتوه، عن ماذا تحدثنا؟
هاته الحيوانات موجودة منذ القدم لتسليتنا، وأنت أتيت لتصدعنا!.
قال: هكذا قدرهم المسخرة. ولن يتغير هو دورهم المرسوم وعليهم لعنة الوجود؟ .
هذا مكانهم وحدودهم.. وأنتم لستم سوى هرج بين الكرام وحياكة التخاريف والأفلام.
ثم قفز ودخل بين القرود..
ساد الذهول جموع الناس.. أشرأبت أعناقهم، صمتوا وكأن على رؤوسهم الطير وهم يتابعون بعيونهم ذلك الرجل الذى يسير بين القرود دون أن تفعل له شيء وفيها قرود ثلاثة مرات حجم الإنسان، وياليت الأمر اقتصر على مجرد السير بل أنه يأتي بحركات قردانية.. رعناء.. آه انظر إنه يقفز ويدور عدة دورات فى الهواء ويرجع ويستقر على عمود مربوط بحبل بين القرود، وكأنه يقف على أرض مسطحة ملساء ثم قال لهم:
هم اليوم فرجة وأنتم غدا فرجة كما هاته القرود أدوراهم متنوعة.. قدركم غدا المسخرة، دعوني أخبركم بأمر ضعوه كالعدسة في أعينكم... كلكم تتحدثون عن القرود، كل أحاديثكم مكرسة للقرود.. لاتعرفون من الحديقة إلا القرود.. ستقومون وتنامون على القرود، تقرأون وتكتبون وترسمون القرود.. ستكرهون أو تعشقون، ستهوسون أو تتعقدون من القرود... ستحسبون أن الله لم يخلق الدنيا إلا للقرود.. إذ أن أعينيكم لا ترى إلا القرود..
ستندمون وتموتون على يد القرود..