وقفَ في شرفةِ منزلِهِ قبلَ غروبِ الشمسِ بساعةٍ يُطِلُ على حيِّه الجميل فيرى فيه جمالَ عالمِه الصغير.
جيرانٌ تتحدثونَ وأطفالٌ يلعبونَ ،أنغامُ موسيقى تأتي منْ مِذياعِ صاحبِ البقالة الذي يُطربُ الحيَ بأنغامٍ شرقيةٍ أصيلة، فيصغي لها رغمَ صغرِ سِنهِ ويطيرُ معها لتُشَكلَ لهُ أحلامَه الصغيرة،لا يوقفها إلا لحظات اندماجِها بصوتِ نقراتِ نرجيلةِ العم (أبو أحمد ) ودخانها الذي ينفُخُه في الهواءِ ليشكلَ لوحاتٍ خُطت بريشَةِ فنانٍ، فتُحيلُ المكانَ إلى بستانٍ أخضر فوقه سماء تتراقصُ فيها أحلامُ طفلٍ صغيرٍ.
دفءٌ لا يعرفٌه إلا هو،لا يحسه إلا من تذوقه.
مضت به السنينَ وأرادَ العودةَ للوطنِ والحيِ الذي لم يعرف معنى الدفءِ إلا بينَ جنباته .
بدأَ الحنينُ للماضي يدقٌ بابَ قلبِه وينقُشٌ عليه ذكرياتٍ جميلةٍ.
عادَ إلى وطنِه وحيِّه وكله وشوق لتلكَ الذكريات ، وصلَ إلى بيتِه وقبلَ الغروبِ أحسَّ بقُشعَريرةٍ في جَسَدِهِ حَرَكَتِ الماضي في ذاتِه وحَمَلَته على أَكُفٍّ من الذكريات ، وَقَفَ في الشُرفَةِ مٌبتَسِماً ينتظرُ إشباعَ نَهَمِه.
أغلقَ أُذُنَيهِ وحَبَسَ أنفاسَه وعادَ مُسرِعاً إلى غُرفتِه.