- ضرب المرأة مأساة اجتماعية من بقايا البدائية

[أسعد الأطرش]

حقاً إنها مأساة . بل لون من ألوان العنف يمارسه الرجال على النساء , بقسوة وغلظة
بالصفع على الوجه بقوة حيناً , وربما رأيت رجلاً يمسك بيده عصا أو سوطاً من جلد
وينهال على زوجته أو ابنته ضرباً دونما وعي وبلا ومضة شفقة أو رحمة . ولا أبالغ
أبدأ إذا قلت لك : إن بعض الرجال يقذفون زوجاتهم عن بعد بحجر أو آنية صلبة من
زجاج أو حديد . وبالطبع ثمة غضب شديد يقترن بالضرب , أوداج منتفخة ووجه عبوس تعلوه الحمرة , وحركات اعتباطية . فنحن أمام رجل فقد السيطرة على نفسه
وأصبح مجنوناً لا مكان له بين العقلاء المتزنين . وإذا سألت عن الأسباب وجدت
غالباً أنها عاديّة لاتستوجب هذا اللون من الإهانة وإهدار الكرامة بل هذا الظلم الواقع
على المرأة التي كرّمها الدين الحق كما كرّم الرجل سواء بسواء . فلعل زوجاً أو أباً
أو أخا يضرب زوجة ..ابنة .. أختاً لمجرّد أن قالت كلمة تعبر بها عن رأيها في أمر ما يمس قضية من القضايا لها فيها دور ما أو خرجت من البيت لحاجة دون إذنه ,
أو لم تعد له لوناً من الطعام يشتهيه , أوقصرت بواجب الإكرام لقريب أو ضيف لأسباب خاصة بها أو لحالة من الإرهاق تعاني منها . ومن الأسباب ما يتعلق ببعض التقصير في تدبير البيت أو نحو ذلك . الضرب المبرح أحياناً تتعرّض له المرأة فهي
المضروبة والرجل هو الضارب . ولكن قبل أن تمتد يدك ضارباً يجب عليك أن تحسب النتائج , وهي على الأغلب أذى يطال المرأة بشكل ما , جرح , شج , كسر سن ..يد ..رجل ,ربما قلع عين , والأخيرة وقعت وسجن الزوج وطلقت الزوجة , ووصل الزوج إلى حالة نفسية تكاد تكون ضرباً من التخليط والجنون . وعلى كل حال كما رأيت الضرب دائماً له انعكاسات سلبية على الرجل والمرأة معاً . ومن أهم انعكاساته وقوع الاضطراب والفوضى اللذان يعصفان ببنيان الأسرة فإذا بنا أمام جمع من الأطفال المشردين ومثلهم من المطلقات . والعبرة دوماً بما يؤول إليه مثل هذا الفعل البدائي الشائن (الضرب) وقد اتضح لك المآل . أقولها بصوت عال لا ..لا
لثقافة الضرب . فهذا اللون من الثقافة البدائية يرفضه العقلاء وأصحاب المروءات
وإني بدوري أرفضه بلا هوادة . ولعلك تقول متسائلاً : إذا أغلقنا ملف ضرب المرأة
فما هو البديل ؟ التحلي بالأناة , الحلم , الصبر , رجاحة العقل , البعد عن التسرع لدى حصول أي تصرف من المرأة ضمن حدود وضوابط الخلق القويم مما لا يمس
الشرف والعرض فهما خط أحمر لا ينبغي السكوت عليه حرصاً على سلامة الأنساب
وله عقابه الشرعي والقانوني والذي هو أشد من الضرب إيلاماً . فالكلمة الطيبة المتأنية في إطار مناقشة هادئة بين الزوجين ينحوان خلالها منحى عقلانياً كفيلة بإنهاء مأساة الضرب , أو تضييق دائرتها إلى أقل قدر ممكن , وربما تنحصر في زاوية الصفر . هذا عندما يقتنع الرجال والنساء بهذا الأسلوب ويجعلوا منه سلوكاً حياتياً . ولنعلم جميعاً أن الضرب بقصد الإهانة وإخضاع المرأة لسلطان الرجل الذي يعتبر ضرب زوجته أو أخته أو ابنته مقياساً لرجولته حرمته كل الشرائع الربانية السماوية , وهو محرم أخلاقياً , فضلاً عن أن القوانين الوضعية نصت على إيقاع العقوبة على من يمارس الضرب المبرح على النساء . فهذه الظاهرة تأباها الحضارة
الراقية القائمة على أساس أخلاقي . فإذا كنت من عشاق الحضارة والرقي الأخلاقي ,
فدع عنك هذا التصرف المهين للكرامة والذي هو نقطة سوداء تعلو وجوه ضعفاء الشخصية وفاقدي الإرادة المتوازنة . ولعل أخوتنا الرجال يبدون امتعاضهم من طرح هذه القضية . يعبرون عنه بسهام من النقد اللاذع يوجهونها نحوي . أقول لا عليكم , أتقبل آراءكم , اطرحوها بموضوعية وشفافية وتحت مجهر العقل والحجة وكونوا واثقين أنها علي جد غالية . لا للضرب . لا للبدائية . نعم لكل من يكرم المرأة
التي استودعها أهلها أمانة في كنفه , وقبل ذلك هي هبة الله إليك , ماذا تقول لمن تنكر لهبة خالقه ومولاه , وجحد فضل الله عليه ؟ واستطال على امرأة خلقت من ضعف بيد آثمة ملوثة بجراثيم العدوان والعنف . لقد انتشرت في أمريكا ملاجئ من نوع خاص, تستقبل النساء اللواتي أتيح لهن الفرار من وابل الضرب والتحطيم من قبل الأزواج أو الأصدقاء . وتحيط بمباني هذه الملاجئ عادة جدران مزخرفة وديكورات لا توحي بطبيعة ما وراءها للتمويه , ابتغاء قطع السبيل إلى معرفة الأماكن التي يأوي إليها هذا الجمع الكبير من النساء المنكوبات , كي لا يلاحقهن الأزواج والأصدقاء بالضرب والأذى إلى المأمن الذي لجأن إليه !..وهذا البلاء الصاعق عم الولايات المتحدة الأمريكية كلها وهو آخذ بالانتشار بسرعة في مختلف البلدان الأوربية . في مقال كتبه ريتشارد جونس الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة , في المجلة العائدة في عدد كانون الثاني عام 1993 حيث قال : ( إنه في كل 12 ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع امرأة لهذا الوباء ..في كل 12 ثانية امرأة تضرب إلى درجة القتل
أو التحطيم من قبل زوج أو صديق !.. وفي كل يوم نرى نتائج هذا الضرب وآثاره في مكاتبنا .. في غرف الطوارئ لدينا ..وفي عياداتنا . فأي حضارة هذه , وأي رجل هذا اللذين يدندن بهما أولئك المخدوعون بزخارف كاذبة لا تخفي وراءها إلا سفاهة وحمقاً وإهداراً لكرامة المرأة ذلك المخلوق الذي به تتكامل الحياة وتمضي على نحو مقبول في منهج كل العقلاء والمنصفين .

[ريمه الخاني]

السلام عليكم
عندما يعرف السبب يبطل العجب فلنبدا بالاسباب بعد رصد الظاهرة فنعرف كيف نحسم الامر ونعالجه
شكرا لك