إلتقيت به صدفة أمام المسجد كان كثّ اللحية يحمل بيمينه كتابا ضخما يميل لون صفحاته إلى الإصفرار و بيساره مسبحة تكاد تكون حباتها في حجم كرات التنس فإستغربت هيئته خاصة أنه كان صديقا سابقا لي لم ألتق به منذ زمن بعيد ...حييته بحرارة ثم قلت له : لقد تغيّرت كثيرا يا صديقي العزيز ما شاء الله يبدو أنك من العابدين المجتهدين ليلا نهارا قال لي : الحمد لله لقد منّ الله علينا منذ أكثر من عشر سنين بأن نكون من أتباع طريقة وليّنا الصالح سيدي بو معيزة و أصبحنا بفضلها من أولياء الله الصالحين بل صارت لنا بفضلها كرامات و صولات و جولات في عالم الروحانيات... قلت له : أخي و شيخي الكريم أنا من المتعطشين للتفقه في الدين أريد أن أكون معكم على الهُدى و اليقين و مثلك من أولياء الله الصالحين قال لي : نرحب بكل عضو جديد ينضّم إلينا شرطنا الوحيد أن يكون على إستعداد تام لأن يمتثل لأوامرنا و نواهينا حتى لو أرسلناه إلى جبال تورا بورا للجهاد و سوف نوصله إلى مراتبنا العليا بإذن الله ...قال لي: عليك بلحية لا يقل طولها عن نصف المتر ..عليك بالزهد... عليك أن تنقطع عن العمل لتركن في زاوية مظلمة تسبح سيدنا ليلا نهارا ...عليك أن تكون فقيرا لأن الفقراء هم أول من سيدخلون الجنة و لأنه قديما كان من السلف الصالح من يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ...تعال معنا يا أخي غدا إلى زاوية وليّنا الصالح سيدي بومعيزة و سوف ترى بأم أعينك كراماتنا و العجب العجاب ....رجعت إلى البيت ...رميت كل أدوات الحلاقة و عاهدت نفسي على أن لا أحلق لحيتي حتى لو تجاوز طولها العشر أمتار ...ثم شرعت في البحث عن ثوب قديم يتناسب و الفقر و الزهد و ترك الدنيا إلى أن عثرت فجأة على قميص يعود إلى سنوات خلت.. فأخطتُ به عمدًا بعض الرقاع حتى تبدو عليَّ علامات الفقر و الزهد أكثر أمام شيوخي ..رميت كل شيء يدل على التمدّن ..رميت جوالي ووضعت في جيبي مكانه بعض الحجيرات الصغيرة و الحصاة و مسبحة طويلة للتسبيح بإسم سيدنا .. إتجهت صوب مكان العبادة فإستقبلوني بحرارة ثم أجلسوني بينهم لنردد الأناشيد التي تمدح و تمجّد وليّنا الصالح سيدي بو معيزة ...كانت الغرفة شبه مظلمة و تحتوي على فتَحَات كبيرة بسقفها ..و بعد أن إجتهدنا ساعات طويلة في العبادة إشتدّ بنا الجوع فقال شيخنا الكبير: علينا الآن أن نطلب من وليّنا الصالح مائدة طعام إنتبهوا سوف ترون إحدى كراماتنا الآن ..خيّم الصمت على المكان ليرفع شيخنا رأسه نحو الفتحات التي في السقف و ينادي بأعلى صوته: نريد أن نأكل الآن.. نريد أن نأكل.. لتتدلى بعدها بلحظات مائدة طعام موضوعة بإحكام بكيس مشدود بحبل متين ...أصابني الذهول حين رأيت أنها فعلا مائدة مكونة من الأرز و اللحمة .. قلت في نفسي أنها مائدة من السماء و إزددت يقينا أن الجماعة على الهدى و أنهم من أولياء الله الصالحين .... بعد ثلاثة أيام من الطاعة و العبادة و الإجتهاد تبيّن لي أن أحد زملائنا من أتباع سيدي بو معيزة هو من كان يعدُّ موائد الطعام بغرفة صغيرة على السطح و لا ينزلها بالحبل إلا عند سماع صوت شيخنا الكبير وهو يطلب الطعام من التحت ذلك حتى يوهم العضو الجديد مثلي أنها من المعجزات ...في اليوم الرابع داهمت غرفتنا الشرطة و ساقونا جميعا بما فيهم شيخنا الكبير للسجن بتهة تعاطي الكرامات و الإعداد لإرسال الجهاديين إلى جزر الأرخبيل ؟؟؟؟؟