الخيوط المتشابكة
تاهت خطانا حبيبى وتشابكت بعدك كل الخيوط والخطوط و لم يعد فى مقدورى السير على خطوط متشابكة ومنحنية ومتعرجة وملتوية ، لم يعد فى مقدورى أى شىء سوى السقوط .
تاهت خطانا حبيبى يوم تركنا الجامعة والأصدقاء وتزوج كل منا كالعادة كل بمن لم يكن يهواه .
تاهت خطانا يوم أن فارقنا الأهل ، ومزقتنا الوحدة وأرهقتنا السنين .
حبيبى أراك الأن تبتسم لى نفس ابتسامتك الهادئة الرزينة الحالمة ، وأنت تنظر لى ثم للأرض بخجل . كانت عيونك لا تستطيع الصمود أمام عيونى ، كنت تخجل حبيبى وكنت أخجل أنا ايضاً .. كلانا كان يشعر بهذا الشعور الذى لم يعد له وجود الأن فى عالمى .
الأن أمامى تمر السنين ، كانت جميلة أيامنا وحبنا وأحلامنا . وكنت جميلة مثلها .. و جمالى كان سرعذابى ونقمتى . إننى ممشوقة القوام طويلة بيضاء ..شفتاى مكتنزتان ..عيناى عسليتان واسعتان .. أنفى صغير.. شعرى أسود فاحم وطويل .. بما يقارب منتصف ظهرى . و كانت طموحاتى أكبر من حبنا .
لم انتظر حتى التخرج فتركتك وتزوجت بالعريس الثرى ، تركت الجامعة وأنا لم أزل فى عامى الثانى مفضلة الزواج المريح على الحب الشاق .. والرجل الثرى على الشاب البسيط .. ورجل لا أعرفه على من ؟! .. على حبيبى !!
فهل تصدق يا من تنظر لى الآن برقة وحنان أننى أنا من وافقت على الزواج من غيرك !! تراك تتساءل الآن .. لماذا أنا هنا ؟ فى هذا الفندق الكبير أجلس وحيدة على مائدتى . لن يأتى فى خاطرك أبداً سر وجودى هنا ولن أستطيع اخبارك . تراك تتصور أن لى زوجاً سيأتينى أو أن ترى أبنائى يهلّّّون الواحد تلو الآخر .. كلا لن ترى هذا .. لأنه لم يعد لى زوج ولم يكن لى أبناء .
أعرف حبيبى أنك تتشوق لمعرفة أخبارى عشرين عاما منذ فراقنا .. كيف مرت ؟ ولم نلتقِ يوما ولو مصادفة وكأن القلوب ترفض التلاقى حتى لا تتألم مرتين .
عيناك تحدثانى من بعيد .. وأنت تجلس وسط تلك المجموعة من أصدقائك . نعم فمازلت لدينا القدرة على التوحد أنا وأنت بالرغم من وجود الجميع من حولنا . تسائلنى عيناك أين كنت ؟ وكيف عشت ؟ و كيف سارت حياتى ؟ .. لا داعى للتفاصيل حبيبى . فقط عليك أن تدرك أننى ... أننى .. الآن فى سيركٍ كبير . أعلم أن خيالك الرقيق سيرانى أركض خلف الخيول الرشيقة أو أمرن القطط الصغيرة أو العصافير ... كلا ياحبيبى أنا لا يخفينى الساحر فى صندوقه ولا علاقة لى بالطيور والقطط والخيول .
نظراتك مازالت تدل على إعجابك بى ، تراك تقول فى نفسك إننى ما زلت جميلة ؟ طبعاًً فالمساحيق المتقنة على وجهى والتى أخفي بها مرارة الايام وتجاعيد الوحشة والعذاب والقرط الطويل بأذنى وباقى الأشياء البراقة التى أتحلى بها وأعتمد عليها الآن بعدما مسح الحزن بريق جمالى تشد انتباهك مثلما يحدث مع الآخرين ، ولكنك تفكر فى بنقاء وحب .الحب الذى لا يتجاوز التطلع إلى وجهى وقلبى . نعم ياحبيبى كنت تستطيع وحدك رؤية قلبى ومنذ ذلك الحين لا يرى الرجال لأبعد من جسدى الملقى على الفراش .. يبكى ويبكى ولا أحد يسمع . جسدى الممزق إلى ملايين الأشلاء والموزع بكل الطرقات أراه فى هذه اللحظة فقط يتجمع ويعود "أنا " من جديد لم تكن تلك اللحظة الساحرة تأتى لولاك هنا الآن ..
إن لقائى بك هو رجوعى مرة اخرى لنقطة البدء .. سأقول لك على كل شىء وبمنتهى الصراحة فأنا الآن فى نقطة البدء ، نقطة النقاء والقوة والقدرة على البوح بما فى مكنون القلب . وإن كنت بعد قليل سأعود مرة أخرى لنقطة النهاية لأنها هى الحقيقة هى الهاوية والهواية .
الآن حبيبى "أنا " أسير على الحبال كل الحبال وبكل طريقة ممكنة ، ووجودى هنا الأن جزء من هذا الواقع الأليم . ولكنى احتراماً للحظتنا تلك و لماضينا الجميل لن أصدمك …سأ نسحب خاوية الوفاض من أمام عينيك حتى لا ترانى إلا مثلما كان آخر لقاء لنا . كنت وحدى وبلا رفيق غيرك ، كنت بريئة وعذبة .
سأودعك الآن حبيبى الخجول وأمضى .. حتى تكون آخر من أراه فى هذا اليوم وأرجو أن لا نلتقى ثانية حتى لا تسألنى عيناك مرة أخرى عن أحوالى وأين أكون ؟
..فأنا ..أنا .. ياحبيبى أحيا فى السيرك الكبير ، أروض الذئاب و النمور .. وأحزن لهذا المصير ...
*****