أمثال آل عمران-2
(كمثل ريح فيها صرٌّ)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 116 مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 117 (آل عمران).
يصور هذا المثل إنفاق الكافرين في الدنيا كمثل ما يزرعه قوم يجهلون أصول الزراعة بوجوب حراثة الأرض أولا وتلينها وسقايتها بعد زرع البذور ... فكيف للأرض القاسية غير المحروثة أن تتقبل البذور وتثبت جذورها ؟ إنها أرض قاسية صخرية الطبيعة لا تصلح للزراعة (راجع المثل السادس من سورة البقرة)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 264 (البقرة).
هنا في مثال سورة آل عمران تظهر صورة إنفاق الكافرين ولو كان بلا مَنٍّ ولا أذى ، وهي تشير إلى أن إنفاق الكافر ليس له جذور إيمانية تثبته في أعماق الأرض ليقاوم الرياح الشديدة. فكيف إذا أتته الرياح العاتية مع برد صاقع وهو بلا جذور، إنها ستقتلع النبات وتجرفه بعيداً ثم يقتله الصقيع فيهلكه وتبور تجارته.
فلا إنفاق ينفع صاحبه بدون الحراثة الإيمانية للقلب وتليينه بحب الله والتقرب إليه.
وهنا يظهر تحميل المسؤولية في هلاك الزرع لصاحب الزرع وليس للريح فلو كانت الزراعة صحيحة لثبت الزرع وقاوم عوامل الهلاك .
والله لا يهدي القوم الكافرين لأنهم لم يؤمنوا به ويسمعوا كلامه ، ولو آمنوا به حق الإيمان لسمعوا وعقلوا كلامه وبالتالي لهداهم إلى أصول الزراعة وتثبيت المحاصيل بتربتها الخصبة. وربما ، لما أرسل عليها الريح العاتية.
من الأمثلة التطبيقية :
الاستثمارات التجارية الكبيرة سواء كانت مالية مصرفية أو عقارية أو زراعية أو صحية .. فكلها تتعرض لريح شديدة تذهب بها في لحظة واحدة أدراج الرياح. وكلنا شهد النكسات المالية في الولايات المتحدة وغيرها ذهبت بمليارت الدولات بلحظة واحدة .. وحتى لو كان ظاهر العمل صالحاً كالمشاريع الخيرية وبناء المساجد .. إذا لم تكن خالصة لله تعالى فستذهب أدراج الرياح. ولا يستفيد فاعلوها شيئاً منها.
النتيجة
تنبه هذه الآية الكريمة إلى أن الأعمال وإنفاق الأموال لا تنفع صاحبها ما لم تكن مبنية على الإيمان بالله تعالى ، وتكون خالصة لوجهه الكريم لا يراد منها الاستعلاء والرياء وحب الظهور والتباهي.