أين الشعب ...أين الشعب؟
قالوا له : الشعب يا مولاي يتبرم من الضرائب ...
يتكلم عن قصورك وما فيها ، وعن نسائك وعددهن ...ويلعن سيفك البتار ...
فكره الحاكم المستنصر بأمر الله الشعب ، واعتزل سنين ، يتنقل من قصر إلى قصر ،
في أرجاء مملكته المترامية الأطراف ،عبر سراديب لا يعرف مداخلها
ومخارجها أحد غيره ، وذات يوم شعر بالحنين إلى رعاياه ...
هو لا يرغب في رؤية وجوههم الكئيبة ،كما قال ، يريد فقط أن يسمع أصواتهم ،ويعرف
ما يقولون ، فأعطى أوامره وتعليماته ،وتم تركيب أجهزة التصنت المتطورة ليلا
في كل مكان ،في الساحات والشوارع وقاعات السينما والحانات وعلب الليل
وصالونات التزيين والتجميل والأسواق والمساجد والمقاهي ومقرات الأحزاب والنقابات
والجمعيات وفي المعامل ومختلف الورشات ...
ولما تمدد ووضع السماعات على أذنيه وبدأ يسمع ، اصفروجهه وارتعدت يداه ، فخبط
السماعات على الأرض واهتز من مكانه كالمجنون،ثم دار إلى من حوله يسب ويشتم
ويصيح ...كيف؟ خوار ونهيق وثغاء...عواء ونباح ومواء... ؟
يا لفضيحتي في العالم ...يا لعذابي يوم لقاء ربي ...
أين الشعب ؟ أيها الكلاب ... أين الشعب ؟
أحنى الحاضرون رؤوسهم يستغربون ويرتعدون ، فنظر إليهم والشرر يتطاير
من عينيه ، ثم استل سيفه وصاح : الله أكبر ،الله أكبر ...