مصر تنتظر الشهيد "الرنتيسي"
د. فايز أبو شمالة
ما زالت بعض القوى السياسية في مصر تتهيب من تحمل مسئوليتها بالكامل في المرحلة الراهنة من حياة المصريين، ويفضلون التريث، ونسج التحالفات، ومراقبة المتغيرات، منتظرين ما ستسفر عنه المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، ويتذرع أصحاب هذا المنطق بما تركه نظام حسني مبارك من تدمير على الحياة السياسية والاقتصادية، حتى صار مستقبل مصر مرهوناً في يد حفنة من الفاسدين، وصار صعباً على حزب واحد أن يقود المرحلة، ويتصدر القرار، ويقود مصر إلى بر الأمان.
مقابل ما سبق من رأي هنالك من يقول: إن مصر تختزن موفور الطاقة، وفيها من الإمكانيات السياسية والمادية ما يجعلها تسترد عافيتها القومية، وتنهض إقليمياً في زمن قياسي، شرط أن يتوفر لها القائد المبادر المبادئ القادر على اتخاذ القرار، والواثق بقدرة الشعب المصري على تحمل مسئوليته التاريخية، وهذا القائد لن يكون فرداً بعينه بمقدار ما سيكون ممثلاً لقوى سياسية لها وزنها داخل الشارع المصري، ولها حضورها في قلوب المصريين.
من يراجع تاريخ مصر تستوقفه الفترة التي سبقت حكم محمد علي، حيث كان حال مصر أكثر فساداً وفقراً وتخلفاً وتمزقاً من حالها في زمن حسني مبارك، ولكن "محمد علي" نجح في استنفار طاقة المصريين، ونهض بهم دولة قوية تتحدى الإمبراطوريات في زمن قياسي. وقد لا أجد فرقا بين حياة المصريين في هذه المرحلة وبين حياة الفلسطينيين بعد سنوات من تطبيق اتفاقية "أوسلو"، حين انفجرت انتفاضة الأقصى، وبدأت تتشكل على الأرض قوى المقاومة المسلحة، في ذلك الوقت العصيب تمرد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي على أمر الاعتقال الصادر من المدعو غازي الجبالي، وقرر الدكتور الرنتيسي المواجهة، وفرض إرادة المقاومة نداً عنيداً تقارع شهوة المساومة، في ذلك الوقت من شهر نوفمبر عام 2001، صرح الرنتيسي لإذاعة لندن، على الهواء مباشرة عن حاجة المقاومة إلى خمس سنوات لتحرير الأراضي المحتلة من الإسرائيليين، وقال بالحرف: أعطوني خمس سنوات بلا اعتقالات، وبلا محاربة لبندقية المقاومة، أعطيكم أرضاً فلسطينية محررة بالكامل. كان كلام الرنتيسي أقرب إلى الخيال في ذلك الزمن الإسرائيلي، ولكن الرجل وثق بطاقة الشعب، وقرأ المستقبل الذي غرس بذرته قبل أن يرتقى شهيداً، لتتمكن المقاومة الفلسطينية من تحرير غزة سنة 2005، في زمن أقل من السنوات الخمس التي طلبها الرنتيسي!.
مصر في هذه المرحلة من التاريخ تحتاج إلى الحزب القائد الشجاع الأمين، تحتاج إلى الحزب الذي يقول كلمة الفصل، ويتحمل مسئولية قراره، مصر بحاجة إلى الحزب القائد الذي لا يشغله مصير المصريين بمقدار ما يتحمل هموم الأمة ككل، ويتصدر لكل قضايا العرب والمسلمين، حزب يثق بقدرة المصريين، ويدرك أن نهوضهم يعني نهوض الشرق، ويفهم أن ضياع الشرق يطبق على عنق المصريين بانعدام الرؤية والمؤامرات.