يبدو الاقتراب من عالم الناشئة محفوفا بالمخاطر، ولاسيما فيما يتعلق بسبل المخاطبة على قدر العقول والاهتمامات، والسعي للارتقاء بهذه الفئة من دون التنازل عن جماليات الأدب، أو التخلي عن إثارة الرغبة في الحث على التغيير والالتزام بالقيم الإنسانية.
يحظى الأدب المتوجه للناشئة -أطفالا ويافعين- باهتمام خاص، ويحتاج إلى اشتغال كبير على التفاصيل والمواضيع بحيث يساهم في بلورة وعي هذه الشريحة التي تشكل جيل المستقبل في المجتمع، ويهيئها للدخول إلى عالم الكبار من بوابة القراءة والتعرف إلى الحياة من أكثر من جانب.
وتشتمل الكتابة للأطفال واليافعين على صعوبات تعترض سبيل المشتغلين في هذا المجال الدقيق، ويكون التوجه بحاجة إلى كثير من التدقيق، بحيث أن أية مقاربة لعالم الأطفال واليافعين أو محاولة جذب انتباههم تستوجب التمهل والدراسة، ويبدو أدب الناشئة في العالم بحاجة إلى مزيد من الاشتغال والتركيز.
وللحديث عن واقع الكتابة للأطفال واليافعين في العالم العربي، وعن بعض الصعوبات والتحديات التي يواجهها الأدباء الذين اختاروا مغامرة العمل في هذا الميدان الثري، التقت الجزيرة نت ثلاثة من الكاتبات اللاتي يساهمن في هذا المجال، إبداعا وصناعة ونشرا وتفعيلا.
إيناس العباسي: هناك عوائق كبيرة تواجه أدب الناشئة بالعالم العربي (الجزيرة)
فجوة كبيرة
القاصة والناشر التونسية إيناس العباسي تبدي ملاحظاتها بشأن الكتابة الإبداعية للأطفال والناشئة، وتقول إن أهم الملاحظات التي لفتت انتباهها في مجال الإبداع هي وجود "فجوة معرفية" يعاني منها الطفل/الفرد العربي.
"ففي المكتبة العربية -تقول العباسي- لدينا مئات القصص المُوجهة للأطفال ما دون سن العاشرة وعشرات القصص والروايات الموجهة لليافعين! ثم نجد آلاف الروايات والكتب الموجهة للكبار، وكأن الطفل العربي يُولد طفلا ثم يقفز مباشرة لعالم الكبار.. لدينا نقص كبير، فجوة ما بين سن الطفولة وسن الرشد".
ويحمل تساؤل العباسي حول روايات وقصص اليافعين إشارة إلى غياب هذا النوع من الأعمال الإبداعية، وتواصل قائلة "ما عدا بعض الروايات المُوجهة لهذه الفئة العمرية التي صدرت في السنوات الأخيرة، وهي تعد على الأصابع، تفتقر المكتبة العربية لهذا الصنف الأدبي".
وتلفت العباسي -باعتبارها ناشرة متخصصة في كتب الأطفال- إلى عوائق ميدانية يواجهها الناشرون العرب، وتقول "أهم عائق هو الشحن والتوزيع عربيا، وهو أهم عنصر في عملية التسويق للكتاب سواء كان للصغار أو للكبار. قد يستطيع الناشر فتح قنوات تنويع في بلده أو في البد الذي يقيم به لكن للتوسع والوصول إلى بقية البلدان فإن العملية صعبة جدا".
سمية عزّام: المشتغلون بمجال أدب الطفل يحتاجون إلى دعم كبير (الجزيرة)
تحريض ضد التلقين
أما الأديبة الفلسطينية مايا أبو الحيات التي تساهم في إقامة ورشات قراءة واستماع وتصوير للأطفال وقصصهم، فتعتقد أن المشكلة في أدب الأطفال ثقافية ومجتمعية بالأساس.
وتقول أبو الحيات إن الجميع يضع نفسه رقيبا حين يتعلق الأمر بالطفل، فالكاتب يكتب وهو يفكر بالأهل والمدرسة والتربويين ودار النشر قبل أن يفكر بالطفل نفسه، أما في أدب الكبار فنحن نملك بعض الحرية لأن الكبير يستطيع أن يقرر بنفسه ما يريد أن يقرأ، لكن للأسف في الوطن العربي الجميع يقرر عن الطفل، وهذا يؤثر في حرية الكاتب نفسه حين يكتب، ويؤثر على الإبداع الذي ينجزه، لأن الأدب بغض النظر لمن يكتب فهو يجب أن يوفر المتعة والمعرفة وتوسيع المدارك، ويحرض ضد التلقين والتبعية وثقافة القطيع.
أما الكاتبة والباحثة اللبنانية سمية عزام التي أصدرت مؤخرا كتابها القصصي المتوجه للأطفال "تراثنا إن حكى" فتقول إن متعة الكتابة للأطفال والناشئة تأتي مضاعفة لإثارة دهشة السؤال ولذة الاكتشاف المعرفي معا.
وتوضح عزام أنه "كي نكتب للفئات العُمرية الصغيرة، ينبغي لنا أن نفهم نموهم الفسيولوجي وما يرافقه من تغيرات في كل مرحلة، ونتفهم تاليا حاجاتهم النفسية، وهذا ما أتيح لي -بوصفي أما ومدرسة في مراحل التعليم الأساسي وفي حقل التعليم الجامعي- فعايشت ظروفهم واستشففتُ تطلعاتهم وأحلامهم من خلال التجربة الحية".
وعن تجربتها في الكتابة القصصية للأطفال، تضيف عزام قائلة "بدأت بكتابة القصص ذات التوجه التعليمي الهادف لرياض الأطفال، وما زلت أسرد تلك القصص المصورة على مسامعهم كونها وسيلة إيضاح تعلمي. ومن خلال ردات فعلهم أعدل بالأسلوب وما يقتضيه كي يصبح أكثر تشويقا".
كما تؤكد عزام أن لأدب ناشئة مغزى قِيَميا ذا أبعاد اجتماعية وإنسانية، على الكاتب أن يسعى إلى تسريبه إلى القارئ الصغير، وأن المشتغلين في مجال أدب الأطفال يحتاجون إلى الدعم المؤسساتي التربوي والثقافي والإعلامي للاستمرار في هذا المسار الإبداعي/التربوي.
المصدر : الجزيرة